مشاكل مجتمعاتنا العربية إلى أين؟! (5)
استمرارية الحالة الريفية والصحراوية
على الرغم من التطورات الاجتماعبة والثقافية والتقنية والتغيرات المتنوعة التى يشهدها العالم، إلا أن استمرار الحالة الاجتماعية بكل ظواهرها فى المجتمعات الريفية والصحراوية العربية تمثل سمة رئيسية وآلية أساسية فى إستمرارية القوى الاجتماعية بأبعادها التاريخية فى الريف والصحراء بكل تأثيراتها المتنوعة والمتعددة رأسيا وافقيا.
فى الحالة الريفية بعلاقاتها الاجتماعية فكما “عرف تشارلز كولى المجتمع الريفى بأنه مجتمع يحتوى نوعين من الجماعات: الجماعة الأولية وهى التى يغلب عليها العلاقات المباشرة أى علاقة الوجه للوجه والعلاقات الوجدانية التى تعيش لفترات أطول والجماعة الثانوية وهى التى لا يغلب عليها العلاقات المباشرة وتموت فيها العلاقات الوجدانية. وكما أكد تايلور على أن المجتمع الريفى ذات تماسك اجتماعى ميكانيكى، نظرا للتجانس والاستجابة التلقائية للريفيين التى تجعل استجابتهم لبعضهم بطريقة ميكانيكية”.
وعلى سبيل المثال مازال الريف المصرى رغم ثورتى 35 يناير و30 يونيو يجتاحه – الرغبة فى الاحتفاظ بالقديـــم والتمسك به والتعصب له والخوف من التغيير واستمرار وجود وبقاء رواسب فى شكل عادات وتقاليد والتى لا تستند إلى قواعد منطقية ترتبط بعواطف نفسية وانفعالات تبرر استمرار هذه العادات ومن خلال التخلف الثقافى والضعف الشديد فى مستوي الاستنارة والجهل والعزلة التى تسببها الظروف البيئية والموقع الجغرافى والعوامل التضاريسية ومع تسلط الروابط القائمة على النسب والعائلة والدم وغلبة العلاقات الأولية على أنساق التفاعل بين أفراد وجماعات المجتمع الريفى فى العلاقات اليومية وسواء كانت شخصية ودائمة وشمولية، وفى البنية العقلية وتتعايش فى فى النفس وغياهب اللاشعور.
ومن هذه الحالة يصير الريف المصرى نموذجا واضحا لأكثر المناطق القابلة الخطاب السياسى التقليدى الذى ترتكز عليه السلطة والتجاوب مع تفسيرات تقليدية للدين والتى يتم استخدامها للتبرير بأنواعه المختلفة سواء كانت داعمة للسلطة القائمة أو داعمة للتيارات الظلامية وحيث تسبب سيادة هذه الحالة فى مجملها ضعف قوى التغيير وفشلها والأخطر استمرار هذه الحالة حتى مع انتقال أفراد الريف إلى المدينة والذى تتسبب فى ثنائية متصارعة ومتناقضة داخل الذات وما قد تسببه من تمزق وانعزال وتباعد وتمايز وجمود وتفكك وصراع داخلى ذاتى ولاتجانس يمتد ليشمل وحدات المجتمع الأخرى وانساقه المختلفة، وهو ما يهدد سعى المجتمع إلى التقدم والتحضر والعقلانية التى يستطيع بها الفرد مواجهة القهر بأنواعه المختلفة.
وفى الحالة الصحراوية العربية -ومع التأكيد على وطنية غالبية هذه المجتمعات- تتصلب المواقف الاجتماعية والقيم والأعراف والتقاليد التى تشكل سلوكيات الشيوخ والقادة ورؤساء القبائل والتى ينخضع لها بقية أفراد القبيلة ولكل قيبلة قواها وأهدافها وسيطرتها وممارساتها الاجتماعية المتوارثة ومن خلال خصوصيات ملزمة لكل أفراد القبيلة ولا يستطيع أحد تجاوزها إلا بالخروج والهرب ليس إلى قبيلة أخرى ولكن إلى مدينة بعيدة يستطيع فيه مزاولة ممارساته كما يريد والتى نرفضها الممارسات القبلية المتسييدة إجتماعيا وإقتصاديا والتى مازالت تمثل حكما إجتماعيا مستقلا للقبيلة يدعم الحفاظ على هوية خصوصياتها العائلية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
وكثيرا ما تواجه المجتمعات الصحراوية إستمرارية إنقطاع الخدامات الصحية وشدة البطالة وندرة المواصلات العامة وتوثيق الزواج والندرة الشديدة فى حملات التوعية والتثقيف ومع إستمرارية التقاليد والثقافة الصحراوية للتعامل مع المرأة المحاصرة بالحجاب والتلثم والتعايش على الأفرشة الصحراوية واستقبال الزوار بذات العادات والتقاليد منها بإناء التمر وإضافة سمن الإبل وطحين الشعير وبالإضافة إلى براد إتاى بطريقة صحراوية، ويشكل الترحال سمة أساسية لهم كما تؤكد أمثلتهم الشعبية فـ”حياة الرحل حل وترحال “ومن خلال القوافل الحياتية كضرورة لإستمرارية الحياة والحصول على المواد اللازمة للإستمرارية الحياة، وتلعب المرأة الصحراوية دورا هاما فى حياة التنقل حسث تتكفل بالطبخ وجمع الحطب وكما يرون فهى سر الخيمة وركيزتها وكما يقولون ويؤمنون في الصحراء بأن: “الأب دلو، والأم حوض، وإذا كان الحوض مثقوبا فماذا سيحمل هذا الدلو، طبعا لن يحمل شيئا”.
ومع آليات قامت بها القوى الغربية الاستعمارية لتقكيك المجتمعات العربية بإستخدام بعض القبائل فى الصراع الداخلى ونحو الاستقلال عن الدولة المركزية وعلى نحو ما حدث ويحدث فى الجزائر والمغرب وليبيا واليمن بضرب القاعدة الشعبية الوطنية التى تشكلها قبائل هذه المجتمعات وكما حدث من خلال البوليساريو فى الجزائر والمغرب واستهداف إحداث الإنهيار لكل مقومات الدولة وبالتالى تفكيك هذه الدول.
المقال الخامس من سلسلة مقالات عن المشكلات العربية، ولقراءة باقي السلسلة من الآتي: المقال الأول، المقال الثاني، المقال الثالث، المقال الرابع
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة