المحتويات
مخاطر الحروب التجارية علي الاقتصاد الأمريكي!!
دائما ما يلوح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعصا الرسوم الجمركية مرارًا وتكرارًا منذ بداية هذا العام، حيث لم تعد الأسواق الناشئة مثل الصين والهند ضحية رئيسية فحسب، بل تضررت أيضا اليابان والاتحاد الأوروبي وغيره من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. وقال ترامب إن التعريفات الجمركية زادت من الإيرادات المالية للولايات المتحدة، ويمكنها سداد ديون ضخمة، ومساعدة الاقتصاد الأمريكي.
وأدهش هذا المنطق السخيف العالم كله. لقد ضلت الولايات المتحدة طريقها بسبب الحمائية التجارية الشعوبية الاقتصادية حيث تراجعت مكانتها المهيمنة ولن يتحقق هدف “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
الحمائية التجارية أكبر خطر يهدد الاقتصاد الأمريكي
شهد الاقتصاد الأمريكي نموا بنسبة 2.9 % في عام 2018، وكان عام 2018 واحدا من أسرع الأعوام نموا بعد الأزمة المالية. وفي الربع الأول من عام 2019، حقق الاقتصاد الأمريكي معدل نمو مرتفع بلغ 3.2%، وإذا استمر هذا النمو لثلاثة أشهر أخرى، فستتجاوز هذه الفترة من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة فترة النمو البالغ 120 شهرا في عهد إدارة كلينتون، لتصبح أطول فترة نمو في التاريخ الأمريكي. ويشكل النمو الاقتصادي وازدهار سوق الأوراق المالية ورقة أساسية بيد ترامب لإطلاق الحروب التجارية. ومع ذلك، فإن الأرقام الإيجابية حالياً لا تخفي بوادر صعوبات قادمة.
وتعود أسباب ذلك إلى ما يلي.
أولاً، يتراجع التأثير التحفيزي للإصلاح الضريبي بشكل ملحوظ. وفي يناير 2018، أطلقت الولايات المتحدة أكبر إصلاح ضريبي منذ عهد الرئيس رونالد ريغان، لتحفيز الاستهلاك والاستثمار الخاصين بشكل كبير، ودفع النمو الاقتصادي، لكن هذا التأثير بدأ يضعف بشكل كبير في عام 2019 ويعاني الاقتصاد الأمريكي من نقص في القوة الدافعة للنمو، وفي الربع الأول من عام 2019، على الرغم من أن الاقتصاد نما بنسبة 3.2%، إلا أنه اعتمد بشكل أساسي على عوامل قصيرة الأجل مثل زيادة المعروض وتقليص الواردات، حيث زاد الاستهلاك الخاص والاستثمار الثابت غير السكني بنسبة 1.2% و 2.7% على التوالي، ليظهر بوادر ضعف النمو.
ثانياً، الديون الضخمة تقلص إمكانات التحفيز المالي. وفي الوقت الحاضر، بلغ إجمالي الدين الفيدرالي للولايات المتحدة 22.9 تريليون دولار أمريكي. وبالمعدل الحالي، ستصل مدفوعات الفائدة على الديون الأمريكية إلى 980 مليار دولار بحلول 2030، وهو ما يمثل حوالي ربع الإنفاق المالي للحكومة الفيدرالية الحالية. وتقلص الديون الضخمة الأمريكية بشكل خطير إمكانيات البلاد في مجال التحفيز المالي والتعامل مع مخاطر الأزمات المحتملة.
ثالثاً، نقص واضح في القوة الدافعة الطويلة الأجل للنمو الاقتصادي. ووفقًا لمكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي (CBO)، فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي المحتمل في الولايات المتحدة من 1950 إلى 2008 كان 3.2%، لكن هذا الرقم يبلغ 1.9% فقط في السنوات العشر المقبلة. وخلال هذه السنوات العشر سيظل الاقتصاد يفتقر إلى القوة الدافعة التكنولوجية لجولة جديدة من النمو السريع.
ويمكن ملاحظة أن الوضع الاقتصادي الحقيقي في الولايات المتحدة ليس مزدهراً كما يزعم ترامب. وفي عام 2019، خفضت العديد من المؤسسات الدولية توقعات النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، وأحد الأسباب المهمة هو احتمال تضرر الاقتصاد الأمريكي من الحرب التجارية التي أطلقها ترامب.
الحرب التجارية قد تضع الاحتياطي الفيدرالي في مأزق
فمن ناحية، ستؤدي الحرب التجارية مع الصين وغيرها من الشركاء التجاريين إلى زيادة العبء على المستهلكين الأمريكيين وارتفاع تكاليف الإنتاج للشركات الخاصة، وزيادة الضغوط التضخمية على الاقتصاد الأمريكي. وفي الوقت الحالي، أعربت منظمات مثل الجمعية الأمريكية لتكنولوجيا المستهلك، والجمعيات الزراعية ورابطة المصنعين ورابطة تجار التجزئة عن استيائها الشديد من سياسة ترامب الحمائية التجارية. وارتفعت توقعات التضخم بشكل ملحوظ، مما يجعل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يخفف وتيرة رفع أسعار الفائدة وحتى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد الأمريكي.
ومن ناحية أخرى، فإن الحرب التجارية تؤذي الاقتصاد الحقيقي للولايات المتحدة. وتوقعت شركات للاستشارات التجارية أنه إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفة بنسبة 25% على السلع الصينية بقيمة 200 مليار دولار أمريكي، فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان الولايات المتحدة 934 ألف وظيفة وسيتم تخفيض متوسط دخل الأسرة بمقدار 767 دولار أمريكي. وإذا فرضت الولايات المتحدة تعريفة على فائض المنتجات في الصين، فستفقد الولايات المتحدة 2.1 مليون وظيفة ويتجاوز متوسط خسارة الأسرة 2000 دولار. وقد طالب ترامب بالفعل بنك الاحتياطي الفيدرالي بالبدء في خفض أسعار الفائدة استجابة للمخاطر المحتملة للاحتكاك التجاري.
ويمكن ملاحظة أن سياسة الحمائية التجارية لترامب “تلعب بالنار”، مما سيؤدي إلى تفاقم خطر “الركود” في الاقتصاد الأمريكي، وقد يجعل الاحتياطي الفيدرالي يواجه معضلة غير مسبوقة في وضع سياسته بشأن رفع أسعار الفائدة أو خفضها.
الحرب التجارية والاضرار الجسيمة على المكانة القيادية للاقتصاد الأمريكي
منذ إنشاء نظام بريتونو ودز بعد الحرب العالمية الثانية، اكتسبت الولايات المتحدة فوائد هائلة من خلال توفير المنتجات العامة للعالم وتحقيق الهيمنة الاقتصادية. ومع ذلك، فإن إدارة ترامب مترددة في تحمل المزيد من المسؤوليات الدولية، ولكنها تسعى لكسب مصالح عالمية، حيث تتجاهل الفجوة الاقتصادية بين الدول المتقدمة والبلدان النامية، وتؤكد فقط على “المعاملة بالمثل”، وانسحبت من مختلف المنظمات الدولية. وتواجه منظمة التجارة العالمية أزمة بقاء لم يسبق لها مثيل بسبب عرقلة الولايات المتحدة لتعيين قضاة هيئة الاستئناف.
وفي الوقت نفسه، تبنت الولايات المتحدة مرارًا البلطجة التجارية لإجبار الشركاء التجاريين على تقديم تنازلات، الأمر الذي يؤدي إلى استياء شديد وانتقام من مختلف البلدان. وعلى وجه الخصوص، تستخدم الولايات المتحدة الدولار ومكانتها المهيمنة في النظام المالي، والعقوبات الاقتصادية ضد الدول الأخرى وذلك يؤثر بشكل خطيرعلى مصداقية الدولار، بينما تعتبر الثقة السببَ الجوهري لاعتماد دول العالم على النظام الاقتصادي والمالي الأمريكي، فعندما تواجه الولايات المتحدة مشكلة في المصداقية، سيتغير كل شيء.
الحرب التجارية ليست حلا لإعادة الصناعة إلى الولايات المتحدة
تبنى ترامب سياسة صارمة لحماية التجارة وخفض أعباء ضرائب الشركات الأمريكية المحلية، ويسعى لإعادة رأس المال والصناعات التحويلية التقليدية إلى الولايات المتحدة. ووفقًا لمكتب أبحاث الكونغرس الأمريكي، بلغت القيمة المضافة للتصنيع في الولايات المتحدة نسبة 11.2% و 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2017 و2018 على التوالي، أي أقل من المستوى المتوسط البالغ 11.7% بعد الأزمة المالية لعام 2008. وعلى الرغم من نمو إنتاج الصناعات التحويلية ومعدل استخدام الطاقة الإنتاجية في العامين الماضيين، إلا أن ذلك لا يدل على عودة الصناعات إلى الولايات المتحدة.
ولن تعيد الحمائية التجارية والاستثمارية الصناعة إلى الولايات المتحدة. وأظهرت إحصائيات صادرة عن غرفة التجارة الأمريكية، أنه إذا استمر التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، فإن 19% فقط من الشركات ترغب في نقل أعمالها، بينما تؤكد 17% من الشركات الراغبة في نقل الأعمال أنها ستعيد أعمالها إلى الولايات المتحدة فيما أكدت 70% منها أنها ستنقل الأعمال إلى الدول الآسيوية الناشئة والمتقدمة وأوروبا والمكسيك وكندا. وعلى العكس من ذلك، تسرع العديد من الشركات المتعددة الجنسيات خطواتها لإعادة هيكلتها وزيادة حجم أعمالها خارج الولايات المتحدة بسبب سياسة الحمائية لترامب.
تابع المزيد
ترامب وحلم تغيير النظام فى طهران
الغائب فى تصريحات بومبيو: ترامب هدية من الرب
—
عذراً التعليقات مغلقة