العرب واستبدال العدو
- إخراج إسرائيل من قائمة الأعداء الاستراتيجيين فهو قد يخدم الأمن الوطني لدولة ما لكن بالتأكيد ليس للعرب جميعا.
- هكذا تم قبول بعض الانظمة العربية بأن إسرائيل هي دولة طبيعية في حين أن إيران هي العدو الاستراتيجي الاول!
- المهدد الاول للأمن القومي العربي إسرائيل وما يمثله استيطانها الإحلالي من نفي حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
- بعد تغيرات طرأت على مواقف تركيا بوصول أردوغان لسدة الحكم وبعد الثورة الإيرانية بدأت إسرائيل تبحث عن حلول أخرى.
- استفادت إسرائيل من تحولات إقليمية بعد اختلال موازين القوى بالخليج بعد سقوط نظام صدام حسين وقدمت نفسها كجزء من معادلة الاستقرار.
* * *
بقلم | حسن البراري
في بداية العشرينيات من القرن الماضي طرح زئيف فلاديمير جابوتنسكي – مؤسس اليمين الصهيوني – سؤالا محورياً حول متى يمكن للعرب أن يقبلوا بالسلام مع الحركة الصهيونية.
وأجاب جابوتنسكي عن السؤال بالقول أن السلام مع العرب لن يتحقق إلا بعد إقرارهم بالهزيمة النهائية، وهذا يتحقق فقط من خلال تشييد جدار حديدي – قوة عسكرية – تتحطم على صخورها كل الهجمات العربية. عندها فقط سيجنح العرب للسلام وفقا للشروط الصهيونية.
وربما من المفيد عربيا إعادة قراءة كتاب حمل عنوان “الجدار الحديدي” للمؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم، فالأخير يجادل ومن خلال الوثائق بأن فكرة الجدار الحديدي التي أطلقها جابوتنسكي شكلت عصب الاستراتيجية الإسرائيلية بعد أن تمكنت الحركة الصهيونية من إقامة دولة على حساب الفلسطينيين.
وعليه، فإن المطلوب هو تصفية قضية فلسطين. حسناً فعل جلالة الملك عبدالله الثاني عندما أبلغ جاريد كوشنر بعدم التزام الأردن حضور ورشة البحرين الاقتصادية، وعندما أكد أن حل الدولتين الذي يستند إلى حدود الرابع من حزيران وإلى القدس عاصمة لدولة فلسطين هو الحل الوحيد المقبول أردنيا.
فالأردن لا يمكنه عمليا قبول أي حل آخر والبقاء بالشكل الذي نعرفه في الوقت ذاته. كان هذا الموقف ضروريا وبخاصة بعد أن شن البعض حملة شعواء لدفع الأردن للمشاركة وعلى أعلى مستوى في ورشة عمل نعرف مسبقا أنها تأتي في سياق صفقة القرن التي يقودها فريق مراهق سياسيا في الولايات المتحدة لتصفية القضية الفلسطينية.
وبعدها طار جلالة الملك إلى مكة المكرمة لحضور قمة عربية طارئة دعت إليها الرياض لحشد التأييد السياسي لموقف السعودية إزاء ما تراه من تهديدات. وليس لدي اعتراض على الطريقة التي تعرف بها الرياض مصادر التهديد بطبيعة الحال، فالسعودية دولة مستقلة وذات سيادة ولها الحق بتعريف أمنها الوطني بالطريقة التي تريد.
لكن عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي العربي هناك إشكالية. فالمهدد الاول للأمن القومي العربي هو إسرائيل وما تمثله سياساتها الاستيطانية والإحلالية من زحف مستمر على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولة مستقلة لهم شأنهم في ذلك شأن الكثيرين. وعليه لم يكن عبثا تسمية العرب للقضية الفلسطينية بالقضية المركزية.
قمة مكة، أو لنقل قمم مكة المكرمة، لم تأت في سياق إنضاج موقف عربي موحد ضد محاولات الثنائي الأميركي (كوشنر وغرينبلات) جمع أموال عربية لتمويل الاجهاز على قضية فلسطين مرة وللأبد. فعلى نحو لافت، جاءت القمم بدعوة من الرياض لإصدار بيان يدين إيران ويظهر وكأن إيران هي العدو الاستراتيجي للعرب.
طبعا لا أقلل من شأن التحدي الإيراني في المنطقة ومحاولات طهران زيادة نفوذها على حساب الجانب العربي، غير أن تحويل إيران إلى عدو استراتيجي يستلزم التعاون مع إسرائيل لهو أمر لا يمكن لمن هو حريص على الامن القومي العربي أن يقبل به.
ولو كانت المقاربة تستهدف إيران وإسرائيل معا لفهمنا، أما إخراج إسرائيل من قائمة الأعداء الاستراتيجيين فهو قد يخدم الامن الوطني لدولة ما لكن بالتأكيد ليس للعرب جميعا.
استندت الاستراتيجية الإسرائيلية في السابق إلى التحالف مع دول غير عربية مثل تركيا وإيران واثيوبيا من اجل الإطباق على العمق العربي، لكن بعد التغيرات التي طرأت على مواقف تركيا بعد وصول اردوغان لسدة الحكم وبعد الثورة الإيرانية بدأت إسرائيل تبحث عن حلول أخرى.
واستفادت إسرائيل من تحولات إقليمية بعد اختلال موازين القوى في منطقة الخليج بعد سقوط نظام صدام حسين وتمكنت من تقديم نفسها وكأنها جزء من معادلة الاستقرار. وهكذا تم قبول بعض الانظمة العربية بأن إسرائيل هي دولة طبيعية في حين أن إيران هي العدو الاستراتيجي الاول!
* د. حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية
المصدر | الغد الأردنية
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة