قمم… أم حركة بلا بركة؟
- كوشنر يوقّع على حل الدولتين، وعلى القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المستقلة!
- ألم يكن بامكان الامريكان ابلاغ حلفائهم الخليجيين قبل القمم الثلاث بالتغييرات في مواقفهم حتى يأخذوها بالاعتبار؟
- ترامب يقول “سنصل الى اتفاق. لإيران إمكانات اقتصادية هائلة، ونحن لا نتطلع الى تغيير النظام، انا لا أتطلع أبداً لإيذاء إيران”!
* * *
بقلم | نهلة الشهال
مع أنها الأيام الاخيرة من رمضان، قبل عيد الفطر، إلا أن قمماً ثلاث تنعقد الآن في الرياض. دفعة واحدة، أو بالأحرى بالتتابع، وقد خُصِّص لكل منها يوم واحد: الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، ثم تلك المقررة منذ زمن وليس بشكل طارئ كسالفتيها، القمة الاسلامية. وهي محاولة لتحشيد الموقف على هذه المستويات للتصدي لـ”الخطر الايراني”.
ومن دون التصريح بذلك، إلا أن هذه “القمم” تبدو أيضاً وكأنها تمهيد لـ”ورشة البحرين” التي يُفترض أن تعقد في 25 و26 حزيران/ يونيو، وهي مخصصة لبحث سبل الوصول الى “الازدهار والسلام في الشرق الاوسط”، أو ما يسميه الفلسطينيون بتهذيب جَم “السلام الاقتصادي”.
وقد سبق لهم تجريب مخططات له أكثر تأسيساً على قواعد جدية منها الاجماع الدولي، وفشلت، لأن الأمر لا يتعلق بتجويعهم ثم اطعامهم (في صيغة أشبه بقانون بافلوف، معطوفاً على الحقن بالتيئيس التام).
ورغم ذلك، فالرئيس الامريكي واثق من نجاحه بشراء سكوتهم ورضاهم على “الحل” الذي هندسه زوج ابنته، وأسماه هو “صفقة القرن” (وكأن الموضوع هو تخيّل مخططات عبقرية والصراخ أنْ “وجدتها”!).
والمرجح ألا تنعقد ورشة البحرين لانشغال الحليف الإسرائيلي (وهو بالأحرى صاحب الأمر)، الذي يواجه “صعوبات” في تقعيد صيغة حكومية قابلة للعيش، ما أدى الى حل الكنيست والتخطيط لانتخابات نيابية في تشرين الاول/ اكتوبر، أي الدخول في نفق، سيليه نفق إنطلاق التحضيرات للانتخابات الرئاسية الامريكية بدءاً من مطلع 2020.. وهكذا “تقدِّرون وتضحك الاقدار”.
الاحتماء بالقدر وليس بالإمكانات المبنية لصون القضية الفلسطينية، ليس بالطبع ما ينبغي أن يكون عليه الحال، لكنه في شروط اليوم يتيح إبقاء الصراع قائماً، وهو المهم.
واستطراداً وإمعاناً في المهزلة، فترامب ونسيبه كانا بنويان إتمام الصفقة بمال غيرهم، فيدفع الخليجيون الكلفة المالية للمشاريع والتي يقال عنها “استثمارية”. وربما يُمنح “الفلسطينيون الجدد” بئري غاز مكتشَفين قبالة غزة تقدر قيمة حجم الغاز فيهما بأكثر من 100 مليار دولار وذلك لـ”رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي في غزة”…
مصالح كثيرة في العالم وفي المنطقة لا تُطابق هذه السذاجة الامريكية، ولديها مخططات أخرى: “طريق الحرير الجديد” الصيني، واستعادة التعددية القطبية الروسية، ومصالح إقليمية متعددة..
هذا علاوة على أن حلفاء أمريكا الاخرين وعلى رأسهم مصر لا ينظرون بعين الرضا الى فكرة انشاء “ناتو عربي”، اللصيقة بخطط صفقة القرن ومحاربة إيران. هو “فياسكو” إذاً!
وأما إيران التي يُنوى إخافتها بالقمم الثلاث الحالية، فقد سبق لها أن أجابت على تصريحات ترامب التهديدية بالسخرية منها باعتبارها جعجعة. وأما من تراجع بعد ذلك فالرئيس الامريكي الذي راح يؤكد أن موقفه لا يتعدى الضغط على طهران للقبول بمباشرة مفاوضات معه تناسب واشنطن أكثر من الاتفاق النووي الذي ألغاه العام الفائت.
وهو راح يوسِّط معها من يمكن توسيطه، وآخرهم اليابان التي زارها يوم الاربعاء، قبيل تلك القمم بيوم واحد، لمعرفته بوطود علاقات طوكيو بطهران.. وصرح هناك بالتالي:
“لقد حادثني رئيس الوزراء (الياباني) عن هذا (يقصد التوسط)، واعتقد ان إيران سترغب بالكلام ونحن بالتالي نرغب كذلك بالكلام. سنرى ما سيحدث.. فلا أحد يريد لأشياء رهيبة أن تقع وبالاخص أنا”، مضيفاً “أعتقد أننا سنصل الى اتفاق. لإيران إمكانات اقتصادية هائلة.. ونحن لا نتطلع الى تغيير النظام، نحن نتطلع الى لا-اسلحة نووية. انا لا اتطلع أبداً لإيذاء إيران”. Yes!
وبمقدار غرابة التصريحات الاخيرة لترامب، يأتي البيان الختامي الذي أعقب لقاء صهره كوشنر مع ملك الاردن مطلع الاسبوع، قاصداً اقناعه بـ”صفقة القرن” فإذا به يوقع على:
“ضرورة مضاعفة الجهود للوصول الى سلام شامل ودائم مؤسَس على حل الدولتين الذي يضمن انشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”! اي والله هذا ما ورد في البيان.
ألم يكن بامكانكم يا قوم ابلاغ حلفائكم الخليجيين بهذا كله حتى يأخذوه بالاعتبار؟ ألم يكن بامكانكم ارسال مستشار إعلامي اليهم يجعلهم يكفون عن التصريحات الخرقاء حول الأذى الذي يلحقه الإيرانيون بهم.
لكنهم يستمعون الى جون بولتون أكثر وهو يطابق هواهم: “طبعا هم الذين خربوا ناقلتي النفط قبالة الفجيرة، وإلا فمن يكون غيرهم؟ نيبال مثلاً”.
هذا التصريح لمستشار الرئيس الذي كان هو الآخر يوم الاربعاء – قبيل القمم بيوم – في أبوظبي، ربما لشد عضد الحلفاء إزاء تراخي رئيسه.. وهو الذي قال فيه الكوريون الشماليون (الذين يغازلهم ترامب ويغتاظ هو من ذلك) أنه “مؤجِج حروب” و”مُنتَج بشري معطوب”!
هؤلاء يحكمون العالم، ثم يستغربون ألا تسير الامور وفق هواهم.
* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير “السفير العربي”.
المصدر | السفير العريي
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة