دموع تيريزا ماي
- بلغ فشلها حدّ العجز عن إقناع نواب حزبها بالتصويت لأكثر من صيغة تقدّمت بها لتأمين خروج آمن لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- القناعة السائدة لدى نواب حزبها أن تظل بمنصبها فقط لإكمال الـ«بريكست» ثم التخلص منها ببديل أقدر على كسب أصوات الناخبين.
- كان على ماي التي اعتدنا رؤية تعابير أخرى على وجهها أن تذرف الدموع أمام وسائل الإعلام وهي تعبر عن الأسى لأنها لن تستطيع مواصلة «العمل الذي تحبه».
* * *
بقلم | حسن مدن
يتذكّر أصدقاء تيريزا ماي القدامي حلمها وهي لما تزل شابة صغيرة، في أن تصبح أول رئيسة وزراء في بريطانيا، ولكن الأقدار حملت إلى هذا المنصب، قبلها، امرأة أخرى بكاريزما أقوى وصرامة أشدّ هي مارجريت تاتشر.
وربما تلبس ماي الوهم، ولو لحين، ولو في حدودٍ ما، أنها مارجريت تاتشر الجديدة، أو أنها سعت لذلك، محاولة تقمّص سمات الصرامة التي كانت عليها المرأة الحديدية، لكن الشخصيات صاحبة البصمة المميزة في تواريخ البلدان لا تتكرر كل سنة أو كل عقد أو عقدين، أو حتى كل قرن، وربما لا تتكرر إطلاقاً.
إن كان من أوجه شبه بين ماي وتاتشر، فهي تنحصر في كونهما امرأتين حملتهما الأقدار إلى زعامة حزب المحافظين، ومن ثم إلى رئاسة الحكومة البريطانية، فرئيس الحزب الفائز في الانتخابات يصبح بشكل تلقائي رئيساً للحكومة.
لكن شتّان بين الطريقة التي وصلت بها تاتشر إلى زعامة الحزب ومن ثم الحكومة، والطريقة التي وصلت بها ماي، إثر استقالة سلفها ديفيد كاميرون، بعد إعلان نتيجة الاستفتاء الذي دعا له حول الخروج من أو البقاء في الاتحاد الأوروبي.
لم يقتصر الأمر، بالنسبة لماي، على فشلها في بلوغ تفاهمات مع حزب العمال المعارض وبقية الأحزاب الممثلة في مجلس العموم، وإنما بلغ حدّ عجزها عن إقناع نواب حزبها نفسه بالتصويت لأكثر من صيغة تقدّمت بها لتأمين خروج آمن، أو بخسائر أقل، لبريطانيا من «بريكست».
وهي أثارت حفيظة هؤلاء أكثر بالتعديلات التي تضمّنتها آخر خطة تقدمت بها، وبينها منح النواب فرصة للتصويت بشأن إمكانية إعادة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما اعتبر حزب العمال خطتها الجديدة «مجرد إعادة» للخطة السابقة.
طوال فترة رئاستها للحكومة واجهت تيريزا ماي تحديات كبيرة في تعاملها مع ملف «بريكست»، خاصة مع إدراكها القناعة السائدة لدى العديد من النواب بأن تظل في منصبها فقط حتى تكمل مهمة الـ«بريكست»، ومن ثم يتخلصون منها لصالح بديل أقدر على كسب أصوات الناخبين.
ورغم سعيها لطمأنة هؤلاء بأنها ستستقيل في حال مرّر مجلس العموم خطتها للانسحاب، إلا أنها أخفقت في نيل رضاهم، ما اضطرها في النهاية للاستسلام، ومغادرة «10 دواننغ ستريت»، قائلة إنها بذلت كل جهدها من أجل تفادي هذا السيناريو، لكن دون جدوى.
وكان على المرأة التي اعتدنا رؤية تعابير أخرى على وجهها أن تذرف الدموع أمام وسائل الإعلام وهي تعبر عن الأسى لأنها لن تستطيع مواصلة «العمل الذي تحبه».
* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر | الخليج – الشارقة
موضوعات تهمك:
المأزومون الثلاثة: ترامب وماي وماكرون
بعد 50 عاما: بريطانيا تعود إلى شرق السويس
عذراً التعليقات مغلقة