التفكير التصوري عند المراهق (2)
إن قدرة المراهق على التفكير المنطقي في أشياء مفترضة، وعلى القيام بالاستنتاج من هذه الافتراضات، هي التي تمكنه من التفكير العلمي التجريبي، فقد صار بمقدور المراهق أن يفترض فرضية ما، ثم أن يفكر فيما ينتج عنها لو كانت صحيحة، ثم أن يلجأ إلى التجربة للتأكد من تلك النتائج المتوقعة، فإن جاءت نتائج تجاربه مطابقة لما يستنتجه المنطق من الفرضية دل ذلك على أن الفرضية صحيحة أما إن كانت مخالفة له دل ذلك على خطأ الفرضية.
والعلم الحديث قائم على هذا التفكير الفرضي الاستنتاجي، الذي يتقنه الإنسان مع البلوغ.وفي أحد اختبارات التفكير الصوري المجرد يطلب من المفحوص أن يكتشف مدة نوسان بندول يشبه الساعة، وذلك عندما ينوس جيئة وذهاباً.
ويقدم للمفحوص خيط معلق بخطاف، وعدة أوزان، يمكنه أن يربطها بنهاية ذلك الخيط ليصنع من الخيط والوزن المعلق البندول الذي يريد، وهو يستطيع التحكم بطول الخيط المتدلي كما يشاء، ويمكنه أيضاً التحكم بمقدار الارتفاع الذي يشد البندول إليه قبل أن يفلته ليتركه حراً ينوس.
فالمفحوص في هذه التجربة قادر على التحكم بالمتغيرات الثلاث في البندول: طول الخيط، ومقدار الثقل المعلق، وطول المسافة التي سيقطعها البندول عندما يبدأ بالنوسان.والمعروف علمياً: أن المتغير الذي يؤثر في سرعة النوسان، وبالتالي في مدة كل نوسة، هول طول الخيط، إذ كلما كان الخيط أقصر كان النوسان أسرع، وكلما كان الخيط أطول كان النوسان أبطأ، واستغرقت النوسة الواحدة زمناً أطول.
لقد أظهرت التجارب: أن الأطفال في سن التمييز (مرحلة العمليات العقلية المجسدة) يجربون، ويغيرون بعض المتحولات، (مثل طول الخيط، أو مقدار الوزن المعلق، أو ارتفاع الثقل قبل إفلاته) ولكنهم لا يفعلون ذلك بطريقة منهجية منظمة، وإنما محاولاتهم عشوائية، ولا تغطي كل الاحتمالات في الأغلب.أما المراهقون فيضعون سلسة من الفرضيات، ويقومون باختبارها بشكل منظم، فهم يفكرون على النحو التالي: إن كان متحول معين كوزن الثقل المعلق هو العامل المؤثر، والتحكم في زمن النوسان وبالتالي في سرعة البندول، فإن أثر هذا المتحول سيظهر إذا قمنا بتثبيت المتحولين الأخرى (طول الخيط، والارتفاع الذي نفلت منه البندول) وقمنا بتغيير المتحول الذي نفترض أنه المؤثر.
ثم إن تبين أن تغيير الوزن لا يؤثر على سرعة البندول، قام المراهق باختبار متحول آخر (طول الخيط مثلاً) مثبتاً المتحولين الباقيين وهما الثقل والارتفاع الذي نفلت منه البندول، وهكذا حتى يكشف المتحول الذي تتغير سرعة البندول كلما تغير.
وهذا النوع من التفكير هو برأي العالم (بياجيه) جوهر التفكير بالعمليات العقلية الصورية المجردة، إذ فيه تتجلى القدرة على إدراك الاحتمالات، والممكنات العقلية، حتى لو لم تكن قائمة في الواقع، كما تتجلى القدرة على أخذ عدة متغيرات في الاعتبار في وقت واحد.ومن المظاهر الهامة للتفكير المجرد التي يكتسبها المراهق: أنه يصبح قادراً على إدراك الزمن التاريخي، والفضاء الكوني، وعلى فهم الفلسفة، وغيرها من الموضوعات المجردة، وكذلك على فهم المقصود من العبارات التي تقال لتعطي معنى غير المعنى الحرفي لها، كالأمثال الشعبية، والنكات القائمة على اللعب بالألفاظ، ومثلها الاستعارات الأدبية، والتشبيهات البليغة، وأساليب الهجاء، والقصص الرمزية، والمغزى الخلقي من قصة تحكى له، والفكاهة عموماً.لقد صار المراهق قادراً على إدراك أكثر من معنى لعبارة واحدة، أما قبل ذلك فالأمر صعب جداً عليه، أو حتى مستحيل عندما كان في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية.
إن إدراكنا لهذه الحقائق هام جداً، كي نعرف الأفكار التي يمكن للطفل المُمَيِّز أن يفهمها، والأفكار التي يجب علينا الانتظار إلى مرحلة المراهقة لتقديمها له، حتى تكون مخاطبتنا له على قدر عقله وفهمه، ولا يخفى على أحد أهمية ذلك لجعل خطابنا لأولادنا ناجحاً مبلغاً لرسائلنا إليهم، ومبيناً لا يجدون فيه أي غموض.
موضوعات تهمك:
كنز من المعلومات في قسم بنون حول تربية الاطفال والمراهقين، بقلم المفكر الاسلامي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد كمال شريفة ننصح كل أب وكل أم ان يطلعوا عليه الرابط هنا
عذراً التعليقات مغلقة