التفكير التصوري عند المراهق
يغلب على تفكير الطفل المبين أن يكون تفكيراً حدسياً أي لاشعورياً، أما الطفل المُمَيِّز فيأخذ في السنة السادسة من عمره، أو قبلها بقليل باستخدام المنطق العقلي الواعي غير الحدسي، ويوماً بعد يوم يزداد إتقان الطفل المُمَيِّز للتفكير المنطقي، ويصبح على سبيل المثال قادراُ على القيام بالقياس المنطقي(Syllogism) الذي يتم فيه الوصول إلى نتيجة ما استناداً إلى مقدمتين، وذلك على غرار المثال التالي المشهور في علم المنطق:
المقدمة الأولى: كل إنسان فانٍ.
المقدمة الثانية: سقراط إنسان.
النتيجة: إذاً سقراط فانٍ.
لكن الطفل المُمَيِّز يبقى أسير الواقع في تفكيره، وغير قادر على التجرد عنه إلى عالم الافتراض، إنه يستخدم المنطق، لكنه يستخدمه، ويطبقه على ما هو محسوس، وملموس، سواء كان ذلك الإحساس مباشراً عن طريق حواسه المختلفة، أو كان غير مباشر عن طريق التخيل، والتصوّر.
ثم في أواخر سن التمييز، وبالتدريج تتكون لديه بدايات القدرة على التفكير الفرضي الاستنتاجي، فيصبح قادراً على افتراض أمر ما لا وجود له في الواقع، ثم يستنتج منه منطقياً ما ينتج عنه كما لو كان موجوداً في الواقع.
اقرأ/ي أيضا: كيف نجعل أبناءنا كما نحب أن يكونوا؟
وأيضا: فائدة مشاعر الامتنان في تربية الأبناء
أما قبل هذه المرحلة فإن هذا الطفل يجد صعوبة في أن يفترض ما هو خلاف الواقع الذي يعرفه، فلو قلنا لطفل في الثامنة من عمره مثلاً: (لنفترض أن الحليب أسود)، فإنه سيعترض ويجيبنا: (لكن الحليب أبيض)، أما المراهق فقادر على افتراض ما هو خلاف الواقع، وقادر على إعمال فكره وتطبيق المنطق على هذا الافتراض، وعلى الاستنتاج بطريقة سليمة، بغض النظر عن كون الأمر الذي افترضه حقيقياً أو غير حقيقي.
لقد استطاع المراهق أن يجرد نشاطه العقلي عن الواقع المحسوس وأصبح قادراً على ممارسة هذا النشاط المنطقي على موضوعات، وأشياء افتراضية ليس لها وجود حقيقي؛ لذا يدعى هذا النوع من التفكير : (التفكير المجرد (abstract thinking ويدعى أيضاً (التفكير الصوري، أو الشكلي Formal Thinking) حيث تتجلى القدرة على التفكير المنطقي في عملية التفكير نفسها، وفي الاستنتاج المنطقي السليم، وإدراك العلاقات، على الرغم من أن موضوعات التفكير قد تكون أشياء مفترضه، لا وجود لها في الحقيقة، أو أشياء مجردة غير قابلة للتجسيد في صورة عقلية، كأن تكون رموزاً لرموز أخرى.
فمثلاً يستطيع المراهق أن يتعلم الجبر، وما فيه من معادلات رياضية تستخدم رموزاً مثل: (س) و (ص) ترمز إلى الأعداد (1) (2) (3) التي هي في الأصل رموز للأشياء أما الأطفال فلا يمكنهم التفكير بهذا المستوى من التجريد العقلي، وحتى عندما يحل طفل في المرحلة الابتدائية معادلة بسيطة مثل (س+4=8) ويصل إلى قيمة (س) على أنه شيء محدد، ومجسد، لا على أنه يمكن أن يكون أي رقم. وهذا النوع من المعادلات يشبه الجبر، لكنه لا يحتاج إلى التفكير المجرد؛ الذي يحتاج إليه الجبر؛ ولذلك فإن الطفل قبل مرحلة المراهقة لا يستطيع التعامل مع معادلات متزامنة ذات مجهولين، أو ثلاثة مجاهيل.
ومثل الجبر علم المثلثات، والتكامل ، والتفاضل، وما شابه، كلها لا بد لها من الانتظار إلى المرحلة الإعدادية، والثانوية لتدريسها، حيث تكون قدرة الإنسان على التفكير المجرد قد بلغت مستوى يمكنه من التفكير برموز الرموز.
والأطفال في طور التمييز (في المرحلة الابتدائية) يستخدمون تعابير مجردة، يستخدمونها مرتبطة بأشياء مجسدة، أي بأشياء موجودة في الواقع، يمكنهم رؤيتها، أو تخيلها، أو إدراكها بحواس أخرى، لكنهم عاجزون عن التفكير، والمحاكمة العقلية بلغة رمزية خالصة حتى يبلغوا طور العمليات المجردة حوالي السنة الثانية عشرة من العمر.
موضوعات تهمك:
كنز من المعلومات في قسم بنون حول تربية الاطفال والمراهقين، بقلم المفكر الاسلامي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد كمال شريفة ننصح كل أب وكل أم ان يطلعوا عليه الرابط هنا
متى تترك ابنك المراهق يختار طريقه؟
هل تصلح التقاليد أساسا لأخلاقنا
عذراً التعليقات مغلقة