متى تترك ابنك المراهق يختار طريقه؟
من الجوانب الهامة للنضج العقلي، التي تتحقق للإنسان في مرحلة المراهقة: قدرته على إدراك الزمن التاريخي، والزمن المستقبلي البعيد، فالطفل المُمَيِّز في عمر ال7 سنوات مثلاً يدرك بشكل لا بأس به الزمن الساعي، أي يستطيع أن يتصور يوماً كاملاً من بدايته إلى نهايته، ومع تقدمه بالعمر يستطيع أن يتصور الأسبوع، ثم ما هو أطول من الأسبوع كالشهر، والسنة، لكن كلما كانت المدة أطول، كان إدراكها، وتصورها أصعب عليه، فابن التسع سنوات قد يدرك الشهر، أوحتى السنة بسهولة، لكن إدراك القرن، أو الألف، أو المليون من السنين يكون عليه صعباً كثيراً، أو ربما غير ممكن على الإطلاق، فكيف يكون إدراكه للخلود، وهو زمن لا نهائي؟!إن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يدركه الطفل المُمَيِّز، إنما يحتاج إلى البلوغ العقلي لإدراكه، ومثله الزمن التاريخي حيث يقاس بمئات وآلاف، وربما بملايين السنين.هذا الزمن لا يستطيع الإنسان أن يدركه، أو أن يتصوره ما لم يصل إلى المراهقة، وإلى البلوغ العقلي.
وقدرة المراهق على إدراك الزمن التاريخي من جهة، والزمن المستقبلي البعيد من جهة أخرى، تجعله يبحث في أسئلة من قبيل: ما أصل الحياة؟ ومن أوجدها؟ وما هي النهاية؟ وإلى أين نسير في هذا الوجود؟ وما شابه ذلك من تساؤلات.
كما تجعله قدرته هذه على إدراك الزمن البعيد، قادراً على التخطيط للمستقبل، بحيث يستكثر من الخير، ويسعى إلى تحقيق ما يختاره من أهداف حياتية على مستوى الأيام القادمة، والشهور المقبلة، والسنين الآتية، ثم الحياة الآخرة بعد الموت.
إن كل ما ذكرناه من جوانب النضج العقلي، و الانفعالي، التي تتحقق للمراهق، بالإضافة إلى تحرره من المسؤولية (مسؤوليته عن أسرة، أو مسؤوليته عن ثروة يريد الحفاظ عليها، أو جاه، أو سلطة لا يريد المخاطرة بها)، تلك المسئوليات التي تؤثر على الكبار عادة عندما يتخذون قراراتهم، كل ذلك يجعل المراهق البالغ في وضع ممتاز ليختار (أيكفر أم يشكر؟)، (أيؤمن أم يلحد؟).
لقد صار قادراً على الإيمان أو الكفر، وصار متحرراً نفسياً من اتباع الكبار، ولم يتكون لديه بعد من المخاوف، أو المطامع الدنيوية ما يؤثر على حريته في القرار، ولو على المستوى القلبي بينه وبين ربه.
وهذا يرينا بوضوح: أن اعتبار البلوغ الجنسي الذي يترافق مع البلوغ العقلي في الغالبية العظمى من الحالات الطبيعية، اعتباره بداية للتكليف والمحاسبة، لم يكن أمراً اعتباطياً حدده رجل أمي، أي: النبي صلى الله عليه سلم، إنما كان وحياً من اللطيف الخبير الذي يعلم من خلق.
قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق). (رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي وابن ماجه).
وعن نافع، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: عرضني رسول الله يوم الأحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجزْني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز – وهو يومئذ خليفة – فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحدٌّ بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمسة عشرة سنة، ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال) (انظر مسند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه للباغندي).
لكن مع ذلك، يبقى بعد البلوغ مجال لمزيد من النضج العقلي، والانفعالي عند الإنسان، ذلك النضج الذي يصل به إلى مرحلة الرشد، الذي تنتهي ببلوغه مرحلة المراهقة، ويبلغه أكثر المراهقين والمراهقات في حدود الثامنة عشر إلى العشرين سنة من العمر.
ونقص الرشد لدى المراهقين يفسر لنا لم يصطدم المراهقون مع الكبار، حين لا يرى المراهقون الأوضاع والأشياء من حولهم مثالية كما يحبون، ولم لا يلتمسون للكبار الأعذار في تقصيرهم عن مستوى المثالي في كل شيء، إذ ما يزال المراهق؛ الذي لم يبلغ الرشد، غير قادر على إدراك الجهد، والدأب، والمجاهدة النفسية، وأهمية الظروف المواتية اللازمة لتحقيق المثل كاملة في حياة البشر، فالمراهق عاشق للمثل، لكنه قليل الخبرة بالواقع، وبالعوائق أمام تحقيق هذه المثل.
فعلى الرغم من حديث المراهق عن المثل، وانتقاده للكبار، فإنه هو عادة لا يحقق في سلوكه هذه المثل بالقدر الذي يتحدث عنه، ويبقى للأهواء ضغطها على نفسه، كما يبقى أثر الخبرات النفسية التي مر بها خلال طفولته كلها واضحاً فيه، وهذا لا يقلل من قيمة ما يقوله المراهق حول المثل والقيم.
موضوعات تهمك:
كنز من المعلومات في قسم بنون حول تربية الاطفال والمراهقين، بقلم المفكر الاسلامي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد كمال شريفة ننصح كل أب وكل أم ان يطلعوا عليه الرابط هنا
عذراً التعليقات مغلقة