لا تقتصر آثار الحرب التي تعيشها سوريا منذ سنوات على الموت والدمار، فالأوضاع الأمنية في مناطق سيطرة النظام -وعلى رأسها العاصمة دمشق- لا تعتبر في أفضل حالاتها خلال الآونة
الأخيرة، مع انتشار حالات الخطف والسرقة.
وليست أخبار الجرائم التي يعاني منها سكان دمشق جديدة، لكن الجديد الذي يتحدث عنه أهالي المدينة خلال الأشهر الأخيرة هو ضلوع عشرات المجندين في جيش النظام والتشكيلات الرديفة له في تلك الحوادث.
“مفيد” أحد سكان دمشق، أوقفه ثلاثة شبان في شارع فرعي بحي “ركن الدين”شمال العاصمة مدّعين أنهم عناصر أمن يريدون تفتيش سيارته، وقد أبرزوا بطاقات أمنية تدل على أنهم مجندون في “كتائب البعث”.
ونظرا لمعرفته بتعرض أقارب وأصدقاء له لحوادث مشابهة خلال الأسابيع الأخيرة، وشكّه في أن هذا الحاجز الوهمي والمفاجئ ما هو إلا حيلة لسرقة سيارته أو ما يحمل من نقود، لم يستجب لما طلبه المجندون الثلاثة وقاد سيارته بالسرعة القصوى حتى غاب عن نظرهم.
ولا يعتقد مفيد أن البطاقات التي شاهدها بحوزة الشبان مزورة، ويرى أن عدم لحاقهم به وعدم قدرتهم على الخروج إلى الشوارع الرئيسية دليل على نيتهم السرقة لا التفتيش.
ولا تقتصر تلك الحوادث على الأحياء الواقعة في أطراف العاصمة، بل إن كثيرا من مناطق وسط المدينة -كالبرامكة والمزرعة والتجارة- شهدت ولا تزال وقائع مشابهة بشكل شبه يومي.
فساد
وتقول الناشطة فرح الدمشقية إن العديد من المعتقلين الذين خرجوا من الأفرع الأمنية خلال الأشهر الأخيرة قالوا إن زنزانات تلك الأفرع تغص بعناصر النظام ومجنديه من مرتكبي الجنايات والجرائم بمختلف أنواعها.
وأضافت أنه مع انتشار الفساد وغياب سلطة القانون، و”الأهم مع عدم وجود الدافع لخوض المعارك على الجبهات المختلفة، لم يعد المئات من المجندين في قوات النظام يجدون حرجا في الفرار من خدمتهم العسكرية والعودة إلى المدن التي تسيطر عليها قوات النظام، لارتكاب مختلف أنواع الجرائم من السرقة والسطو والتشليح وصولا للاغتصاب”.
ولا يطول الزمن حتى تتمكن الأجهزة الجنائية من إلقاء القبض على أولئك المجندين، لتبدأ هنا “الكارثة الكبرى” كما تصفها فرح.
وتمضي فرح في تفسير الأمر قائلة إنه بسبب حاجة النظام الماسة للمقاتلين في صفوفه مع تكبده خسائر بشرية فادحة خلال السنوات الماضية، لم يعد قادرا على الاستغناء حتى عن مرتكبي الجرائم والفارين من الخدمة، وبات مضطرا لإعادتهم إلى صفوف تشكيلاته المختلفة مثل “الجيش النظامي والدفاع المدني وكتائب البعث وغيرها، بدلا من معاقبتهم وإحالتهم للمحاكم ذات الصلة لينالوا العقوبات المناسبة”.
وأوضحت أن هؤلاء المتهمين يمضون أياما معدودة في الأفرع الأمنية المختلفة وعلى رأسها الأمن العسكري، ليعودوا للالتحاق بقطعهم العسكرية وينضموا لزملائهم في القتال، وليعادوا الكرة بالفرار وارتكاب الجرائم.
وتؤكد الناشطة الدمشقية أن هذه العملية ستساهم مع الأيام في تحويل شوارع دمشق إلى مرتع للمجرمين الذين باتوا يعلمون أن أقسى العقوبات التي يمكن أن تنزل بهم هي السجن أياما معدودة، ومن ثم إطلاق السراح مستفيدين من حاجة النظام لهم.
وتضيف في ختام حديثها “على إثر كل ما تعيشه العاصمة دمشق وغيرها من المدن في كافة أنحاء البلاد، ليس من المستغرب أن تحتل سوريا المكانة قبل الأخيرة ضمن قائمة الدول الأسعد في العالم”.
الجزيرة