مخطط إسقاط المنطقة العربية
-إعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية وتفكيكها
يرى “ألفين توفلر” في كتابه السلطة الجديدة أن “ديناميكية العولمة بقدر ما تقرب أرجاء المعمورة بعضها من بعض وتفسح المجال أمام هوية كونية غير مسبوقة، تستهدف في الآن نفسه وحدة الكيانات الوطنية” ، لكنها قد ارتدت مسوح براقة.. حقوق الإنسان وقبول الآخر والدفاع عن الأقليات والعرقيات..، بينما هى تحمل بقوة البث الفضائي والبث الرقمى الأوبئة القاتلة من الأكاذيب والإباحية وثقافة العنف والسخرية والاستهزاء من القيم والأخلاق التى تمييز الأمم عن بعضها البعض.
ويضيف إلى ذلك غازي الصورانى فى رؤيته عن تأثيرات العولمة فى العلاقات الدولية الراهنة بأنه تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية ، بدءا من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى ، وصولا إلى تفريغ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي من مضامينهما الموضوعية الحيادية، يشهد على ذلك عجز “الأمم المتحدة” عن وقف العدوان والتدمير الأمريكي الصهيوني في العراق وفلسطين وسوريا وليبيا ولبنان بل أداة مبررة لفرض الحصار وتدمير البنية التحتية للدول كما حدث فى ليبيا من قبل حلف شمال الاطلنطى بحجة دعم الثورة الليبية ضد القذافى ، في مقابل تواطؤ وخضوع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان للهيمنة والتفرد الأمريكي في رسم وإدارة سياسات ومصالح العولمة الرأسمالية في معظم أرجاء هذا الكوكب ، وفي بلداننا العربية والإقليم الشرق أوسطي خصوصاً ، لإعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية وتفكيكها وإخضاعها بصورة غير مسبوقة للسيطرة الأمريكية ، وعبر دور متجدد تقوم به دولة العدو الإسرائيلي في محاولتها لضرب وتصفية قوى المقاومة في فلسطين ولبنان بصورة إجرامية بربرية ، وتحت مسميات حقوق الإنسان والدفاع عن الإقليات يدخلون الآن لتوظيفها لتفتيت الشعوب العربية ودعم حركات التطرف.
-استخدام الأقليات فى تدمير المنطقة العربية
ويبين الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي الصهيوني تسيفي مزائيل سفير تل أبيب السابق لدى القاهرة فى دراسة إسرائيلية ونشرها المركز الأورشليمي للدراسات السياسية والإستراتيجية ، عن السعى الصهيونى فى تفكيك الدول العربية وتهديدها بالأقليات مثل قضية الأكراد في العراق وتركيا، باعتبارها مجالاً خصباً للتدخل الإسرائيلي، في ملف الأقليات بمنطقة الشرق الأوسط وفي قضية الأقباط في مصر، باعتبارها الورقة الرابحة للضغط على مصر للالتزام باتفاقية “كامب ديفيد” التي تقييد مصر وتمنعها من ممارسة كامل سيادتها على أرضها وكذلك على قرارها السياسي، والأمازيج في دول شمال أفريقيا , حيث أشار فى دراسته، إلى أن هؤلاء عاشوا طوال القرون الماضية تحت (الاحتلال) العربي، على الرغم من أنهم “السكان الأصليون” في شمال أفريقيا، التي تضم الجزائر والمغرب وليبيا، وفى دعوة لتأييد سعيهم للاستقلال والانفصال.
-الأمم المتحدة ــ اليوم ــ لا دور لها
ولقد أدى إفراغ ميثاق الأمم المتحدة من مضامينه التي أجمعت عليها دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية على أثر هزيمة النازية، إلى أن أصبحتالأمم المتحدة -اليوم- غير قادرة على ممارسة دورها السابق الذي تراجع بصورة حادة لحساب التواطؤ مع المصالح الأمريكية ورؤيتها السياسية، بحيث أصبحت هذه العلاقات محكومة لظاهرة الهيمنة الأمريكية المعولمة، أو لهذا الفراغ أو الانهيار في التوازن الدولي الذي أدى إلى بروز معطيات جديدة في هذا الكوكب من أهمها:
– سيطرة الولايات المتحدة الأمركية على العلاقات الدولية
1- تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية، حيث دخلت هذه العلاقات تحت الإشراف المباشــر وغير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الأحادية.
– العالم مسرح مفتوح لسياسات التدمير الإمبريالية
2- تحولت أقاليم عديدة في هذا الكوكب إلى مسارح إستراتيجية مضطربة، بدأت أو أنها في انتظار دورها على البرنامج، وهي مسارح أو أزمات مفتوحة على جميع الاحتمالات وفي جميع القارات كما جرى في يوغسلافيا أو البلقان وألبانيا والشيشان وبعض بلدان العالم العربى الآن، وما أصاب هذه البلدان من تفكك وخراب أعادها سنوات طويلة إلى الوراء، وكذلك الأمر في إندونيسيا وأزمة بلدان آسيا الاقتصادية والسياسية، وفي الباكستان والهند وبنجلادش وسيريلانكا، وفي أفريقيا: الصومال وجيبوتي وموريتانيا والكونغو وغيرها، وصولا إلى بلدان أمريكا اللاتينية وتزايد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيها، بدءاً من المكسيك إلى كوبا إلى الأرجنتين وكولومبيا والبرازيل.
وفي منطقتنا العربية تتفاقم هذه الأزمات، حيث يتفجر صراع الوجود بيننا وبين العدو الصهيوني من جهة، و تتفجر الأزمات الداخلية والصراع الدموى في العراق والجزائر والسودان ومصر وليبيا وسوريا واليمن بين الأوطان والقوى الإرهابية المسلحة والمدعومة من الأمبريالية العالمية، إلى جانب الاحتلال الإمبريالي الإجرامى الصهيونى لفلسطين.
3- إضعاف وتهميش دول عدم الانحياز، ومنظمة الدول الأفريقية، وجامعة الدول العربية، و منظمة الدول الإسلامية، وكافة المنظمات الإقليمية التي نشأت إبان مرحلة الحرب الباردة والتي تفقد اليوم بوصلتها ودورها.
– تجريد المنطقة العربية وإسقاطها داخليا وإقليميا ودوليا
4- إسقاط المنطقة العربية ودورها ككتلة سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي ، و تجريدها من أي دور سوى الخضوع السياسي واستمرار تأمين المواد الخام ، وإقامة القواعد و الأحلاف العسكرية وفق ما حددته التوجهات والمخططات الإمبريالية الأمريكية لمنطقتنا العربية ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى المجالات الرئيسية لهذه التوجهات طالما بقي الوضع العربي على حاله الراهن:
أ- تزيد تفكيك الدول العربية بتأجيج الصراع الداخلى والمسلح وضرب البنى الأساسية للدولة ومقوماتها وتفتيتها كما فى النموذج السورى والعراقى والليبى واليمنى.
ب- استمرار عملية التسوية والتطبيع مع إسرائيل و الدول العربية ، وفق الشروط الإسرائيلية – الأمريكية من “واي بلانتيشن” إلى “خارطة الطريق” وصولا إلى “خطة شارون/أولمرت” الهادفة إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بعد تحطيم ثوابته وأركانه الأساسية ومقوماته التاريخية والشرعية الدولية ووصولا إلى صفقة القرن التى تسييد الكيان الصهيونى فى المنطقة .
ج- وكنموذج استمرار تدمير العراق لضمان السيطرة على ثروته النفطية ، وإخضاعه للسياسات الجديدة وتعريضه لمحاولات التفتت الداخلي، علاوة على إخضاع وتكريس تبعية معظم الدول العربية الأخرى بل وعمالة بعضها الفاضحة للنظام الأمريكي وحليفه الصهيوني المسيطر في بلادنا ، وكما هو متضح بقوة فى إدخال وبناء التنظيم الإرهابى داعش فى المنطقة العربية .
– استمرار الخليج لتفكيك الأنظمة الوطنية لصالح الهيمنة الأمريكية والصهيونية
د- استمرار الهيمنة أو السيطرة المباشرة على الخليج والجزيرة العربية كمنطقة نفوذ أمريكية بصورة شاملة وكلية واستخدامها كمثبط لهمم الأنظمة الوطنية وممول لحركات ضربها وتفكيكها لصالح الهيمنة الأمريكية .
هـ- الوقوف في وجه أي إمكانية لأي شكل من التحالفات أو التكتلات العربية الاقتصادية والسياسية إذا حملت في طياتها حداً أدنى من التعارض مع مشروع الهيمنة الأمريكي والأهداف والمصالح الصهيونية .
– فرض سياسات الخصخصة لسيطرة الغرب الرأسمالى وتجنيد العملاء
و- فرض السياسات الاقتصادية وفق مقتضيات الخصخصة وأيديولوجية الليبرالية الجديدة عبر مركزية دور القطاع الخاص في إطار تحالفه العضوي مع البيروقراطية العليا أو النظام الحاكم المعبر عن الطبقة السائدة في بلادنا، خاصة وأن القطاع الخاص في بلادنا العربية قد تحول- إلى حد كبير- إلى جهاز كومبرادوري كبير في خدمة النظام السائد ونظام العولمة الإمبريالي في آن واحد، بعد أن ألغى هذا القطاع الخاص ـ في معظمه – كل علاقة له بالمشروع التنموي الوطني أوالقومي بل وتفريغه من أية محتوى إنتاجى إستراتيجى إلى المحتويات الاستهلاكية والخدمية بل والأقل جودة وصلاحية عن مثيلاتها الأخرى عالميا واستخدامه كأداة تهريب للنقد إلى خارج الدول وتهريب الممنوعات والنفايات إليها وإعادة تصنيعها بها والقيام بالمشروعات المضرة بالبيئة داخل بلادنا بالإضافة إلى تجنيد العملاء من الداخل وتوطين العملاء من الخارج بداخل البلاد، وأصبح همه الوحيد الحصول على الربح ولو على حساب مصالح وتطور وحياة مجتمعاتنا العربية واستقلاله الاقتصادي.
– دعم دولة العدو الإسرائيلي كركيزة إمبريالية وحصار المقاومة العربية
ى- دعم دولة العدو الإسرائيلي كركيزة إمبريالية متقدمة في المنطقة تضمن استمرار حماية كافة المصالح الأمريكية والغربية في بلدان وطننا العربي، بل وصار هذا الكيان الصهيونى يتمتع بتأييد واعتراف القوى العربية العميلة والدفاع عن مصالحها ومناهضة المقاومة العربية والدعوة إلى حصار هذه المقاومة فى الأوساط العربية المتنوعة الرسمية وغير الرسمية حيث ترى هذه الأنظمة أن المقاومة خطر عليها بالتساوى مع الكيان الصهيونى.
موضوعات تهمك:
مشهد السلطوية العربية.. رتوش جزائرية وسودانية مغايرة
المرجعية النهائية للمجتمع وكيف يتم تحديدها
عذراً التعليقات مغلقة