المحتويات
جمهوريات مصر المستقلة.. الجزء الاول انفصال مملكة فارسكور
شهدت مصر مع قيام ثورة 1919 والتي تحلّ موعد ذكراها المئوية هذا العام، تجربة استقلال اربعة مناطق هامة عن مصر، سواء مصر الملكية او الجمهورية، وفي الحقيقة “لم تكن محاولات انفصال عن مصر” بل هي تعبير شعبي عن رفض ظلم السلطة سواء من السلطان فؤاد الاول، او من الاحتلال الانجليزي ، او من رفض التبعية لحاكم ظالم عجز عن حماية شعبة ، من صور الظلم سواء من الحكومة او من الاحتلال، انفصال يهدف إلى الاستقلال والحرية عن النظام السلطوي من السلطة الإنجليزية اوالسلطان فؤاد الأول، الذي عجز عن الدفاع عن رعاية من الشعب.
حكاية ملك فارسكور حافظ دنيا
قصّ “ملك فارسكور” ووجيه المدينة حافظ دنيا قصة هذه المملكة على صفحات صحيفة “اللطائف المصرية” عام 1935، من منفاه في باريس، حيث روى ان الفكرة وُلدت في ميدان الحديدي، بعد اعتقال سعد زغلول، حين قاد تظاهرة نحو مركز الشرطة فهددهم المأمور قائلاً: “سأدعو الإنكليز ليضربوكم بالقنابل ويهتكوا أعراضكم”، ما أثار الأهالي فقاموا باقتحام المركز واعتقلوا المأمور وقطعوا أسلاك الهاتف وخلعوا قضبان السكة الحديدية.
ويروي احمد دنيا حفيد شقيقه، ان حافظ دنيا، وكان ضابطاً في الشرطة، أعلن المملكة لأن السلطنة في القاهرة خذلته “عندما عاقبته على قطع قضبان الديزل الإنكليزي (قضبان السكة الحديدية)، بفصله من البوليس”.
مواقف طربفة في مملكة فارسكور
وفيما يروي من مواقف طريفة، أن حافظ دنيا، عندما اقترب الإنكليز من فارسكور، أصدر فرماناً يقضي بتلطيخ النساء أجسادهن بالروث، حتى لا يعتدي الجنود عليهنّ.
حيث عقد وجهاء المدينة اجتماعاً في منزل شيخ البلد محمد قرين وأعلنوا الاستقلال ونصّبوا حافظ دنيا ملكاً على فارسكور، وشكلوا حكومة ضمت وزراء للحربية والبحرية والحقانية وقطع المواصلات والمالية، كما أنشأوا لجاناً مدنية لتنظيم الإدارة والقضاء، وأصدروا فرماناً حددوا فيه حدود المملكة من البحر المتوسط وبحيرة المنزلة، حتى النيل ومدينتي المنصورة ودكرنس.
لتشكيل قوات، فرض حافظ دنيا التجنيد، وكان الشباب يأتون حاملين مؤونتهم لأسبوع، وبلغ حجم سلاح مملكته 14 ألف بندقية، و3000 طبنجة (مسدس).
وشكلت قيادة “المملكة” فريق استخبارات، وأصدرت موادَّ قانونية معيّنة لمكافحة المضاربات والسرقات، وحمت الأجانب وممتلكاتهم، باستثناء الرعايا الإنكليز الذين صادرت ممتلكاتهم.
وكانت فارسكور منطقة ثرية، حيث توضح رسالة دكتواره بعنوان “فارسكور بالقرن الـ19” لعبد الرحمن البكري إلى أن أرباح منسوجاتها السنوية بلغت 15 ألف قرش عثماني. ولكن تجربتها ولّدت أزمة مالية اضطرت “الملك” إلى بيع أملاكه، كما نُفّذ كمين لشحنة نقود من المديرية لسداد المرتبات.
وظهرت قوة فارسكور عندما اعتقل محافظ دمياط 200 متظاهر، فطالبه “الملك” بإطلاق المسجونين وتسليم المدينة، وعندما لم يستجيب، قطع المياه عن دمياط، فجاءه وفد رسمي ضم محافظها ونائبيها في البرلمان للتفاوض، وخضعوا لمطلب إطلاق سراح المعتقلين.
ونقل محمد التلباني، في كتابه “فارسكور الخالدة”، حكاية انهيار المملكة عن شهادات الأهالي. دخل الإنكليز براً بقوات فصدتهم قوات “المملكة” فتدخلت البحرية الإنكليزية وغيّرت الموازين وحوصرت قوات “المملكة” بين القطع البحرية والقوات البرية.
فاوضت إنكلترا الملك وطالبته بالسماح بدخول قواتها فقبل بتسليم المدينة شرط إبعاد الإنكليز لمسافة ثلاثة كيلومترات عنها. ولكن بعد قتل الإنكليز لطفل اقترب من معسكرهم، ثار أهالي فارسكور وحرقوا المعسكر، فدخل الإنكليز المدينة واعتقلوا “الملك” وحكم عليه بالإعدام قبل أن يُخفف الحكم إلى النفي للقاهرة.
ويروي “الملك” حافظ دنيا أنه رفض أن يقبض المأمور عليه، فقدّم إليه قائد القوات الإنجليزية التحية العسكرية وقال له: “وردت تعليمات من قائد القوات البريطانية بالمنصورة لاستدعاء جلالتكم للاستئناس برأيكم ببعض المسائل”، ونقلوه في قطار فخم أمام 15 ألفاً من مناصريه ظلوا يهتفون باسمه حتى أمرهم بالرحيل.
العالم الجليل محمود حافظ دنيا
والجدير بالذكر ان البطل حافظ دنيا هو والد العالم الجليل العالم المصري محمود حافظ دنيا،وهو أول مصري يتخصص في علم الحشرات، وأول شخصية مصرية عالمية يحتفظ بوظفته الرسمية على درجة وزير حتي وفاته وهو في سن الـ100عام.
العالم المصري محمود حافظ دنيا، شكَّلت طفولته ملاحم البطولة التي قادها والده، ورسخت في شبابه معاني الكرامة وعزة النفس، فهو ابن حركة “مملكة فارسكور” التي دشنها “والده حافظ دنيا” الخطيب المفوَّه، بتجميع ثوار البلدة بمحافظة دمياط، مكونًا بهم مجلس وزراء به 26 وزيرًا لخدمة كل مرافق الدولة، ومواجهة الاحتلال الإنجليزي، والتي نمت سريعًا حتى شملت جزءًا من شمال الدلتا، واستولوا على القطار الإنجليزي المُحمَّل بالأسلحة والمواد الغذائية لمواجهة ثوار فارسكور.
عذراً التعليقات مغلقة