العالم في أمسّ الحاجة إلى قادة «إنسانيين»
- برهنت جاسيندا ارديرن أن إبداء إنسانيتها لا يظهرها ضعيفة ولا يتناقض مع ممارسة السلطة بل يعزّزها
- ألم يكن جنود الاحتلال ينتهكون المسجد الأقصى يوم هاجم سفاح نيوزيلندا جموع المصلّين؟
- أي تهاون في إدانة المجزرة كان سيعني تبريراً لها وتعايشاً معها بل تشجيعاً على تكرارها.
- كيف لمكافحة العنصرية أن تنجح فيما تُحصّن “أميركا ترمب” الصهيونية بمنحها القدس والجولان، وتطلق يد القتلة في إسرائيل؟
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
قدّمت رئيسة وزراء نيوزيلندا مثالاً شجاعاً لأي سياسي غربي يمكن أن يتحدّى في هذه الأيام الموجة القومية الشعبوية التي تزداد تعصّباً، وباتت تعبر عن عداء سافر لـ«الغرباء»، ولا سيما المسلمين.
كان البارز في تفاعل جاسيندا ارديرن مع مجزرة المسجدَين أنها رفضت أي تناغم مع اليمين المتطرف، بنمطَيه الأميركي – الترمبي والأوروبي، واعتبرت أن حسن سيرة الجاليات المسلمة في بلادها أمرٌ ينبغي احترامه.
ذاك أن أي تهاون في إدانة المجزرة كان سيعني تبريراً لها وتعايشاً معها، وبالتالي تشجيعاً على تكرارها، وإشارة إلى المسلمين والأقليات أو الجاليات الأخرى، بأنه كلما أراد أي مهووس أن يعتدي عليهم بدافع تفوّقه كأبيض فإن الدولة والقانون سينحازان ضدّهم، وليس لهم أن يتوقّعوا أية حماية أو اعترافٍ بحقوقهم.
برهنت جاسيندا ارديرن أن إبداء إنسانيتها لا يظهرها ضعيفة ولا يتناقض مع ممارسة السلطة بل يعزّزها، كما أنه خطوة قد تبدو مكلفة سياسياً في المدى القصير، لكنها بالتأكيد أكثر كلفة سياسية وأمنية وأخلاقية في حال اعتُمد نهج مكافحة تطرّف بتسويغ تطرّف آخر.
لم يترك موقفها الفوري باعتبار الجريمة عملاً إرهابياً أي مجال للجدل، لكنها لم تكتفِ بذلك بل ذهبت إلى تشريع حظر الأسلحة الآلية ونصف الآلية من الطراز العسكري، ولم تكتفِ بلبس حجاب بسيط لمشاركة ذوي الضحايا فجيعتهم وأحزانهم، بل جهرت بتقزّزها من التلفّظ باسم القاتل.
شاء العديد من الإسلاميين تسليط الضوء على حجابها، لكنه لم يكن في عُرفها سوى بادرة رمزية لمشاركة الناس بما هم عليه من مسالمة ولإشعارهم بالأمان.
لم تكن صدفة أن يضع القاتل أنجيلا ميركل على لائحة من يرشّحهم للاغتيال، فالمستشارة التي كانت سبّاقة إلى مواجهة سياسات دونالد ترمب منذ بداياتها لم تتردّد في فتح حدود ألمانيا أمام اللاجئين، رغم يقينها بأنها ستواجه انتقادات حادة في الداخل، كما في كل بلدان الاتحاد الأوروبي، لكن الدافع الإنساني لديها ظلّ غالباً.
ولئلا يقتصر الاستثناء الحالي على السيدتين الألمانية والنيوزيلندية لا بدّ من الإشارة إلى الحسّ الحقوقي الإنساني الواضح أيضاً عند رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو. أصبح العالم بحاجة ماسة إلى مثل هذه النماذج التي تعطي للعالم روحاً ومعنى لا ينفك يفتقدهما بشكل متسارع.
في زمن دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو والهنغاري فكتور أوربان لا قدرة لميركل وارديرن وترودو على تغيير العالم، لكنهم يؤكّدون أن الانسياق إلى التطرّف اليميني ليس خياراً.
«مرحباً أخي»… هكذا بادر الأفغاني داود نبي القاتل الأسترالي قبل أن يتلقّى رصاصاته. كلمتان قالهما الرجل بعفوية، لتقول صحفٌ يمينية غربية إنهما عبّرتا عن الوجه الحقيقي للإسلام، ولا عزاء لكل المؤتمرات والبيانات والحملات والأموال التي جُيّرت ولا تزال من أجل ذلك «الوجه الحقيقي».
منظمة التعاون الإسلامي تدعو الأمم المتحدة إلى اعتبار الإسلاموفوبيا شكلاً من اشكال العنصرية، ولا جدال في أنها فعلاً كذلك، لكنها لم تأتِ من عدم، فجذورها ضاربة في الصراعات التاريخية التي تبقي سياسات الغرب أسسها قائمة.
كما يساهم متطرفون عرب ومسلمون ومتطرّفون مسيحيون بيض برسم وجه بشع لثقافتيهما سواء بسواء. لا نجاح لمكافحة العداء للإسلام ما لم تكن جهداً دولياً، مشتركاً وشاملاً.
لكن كيف لها أن تنجح فيما تُحصّن “أميركا ترامب” الصهيونية بمنحها القدس والجولان، وتطلق يد القتلة في إسرائيل؟ ألم يكن جنود الاحتلال ينتهكون المسجد الأقصى يوم هاجم سفاح نيوزيلندا جموع المصلّين؟
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر: العرب – الدوحة
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة