البشير وعباس وبوتفليقة: ظلام العرب مستمر
- هل للجريمة والسقوط الأخلاقي والخيانة والتعاون مع العدو وإذلال الشعب وإهانته ونهب موارد، والتفريط بالوطن وكرامته مبرر؟
- أغلب مؤيدي الأصنام ينحدرون من أجهزة أمنية تخشى التغيير السياسي خوفًا على مستقبلها وانتقام الشعب منها.
- يرى الناس الفشل والهزائم والفساد والقمع وكيف تتغلب شهوات الحاكم على مصالح الأمة والدولة.
بقلم: عبد الستار قاسم
الظلام العربي مستمر وبقوة بخاصة هذه الأيام التي تشهد مسيرات جماهيرية تتحدى استمرار ثلاثة حكام عرب في مواقعهم القيادية وهم:
– عمر حسن البشير الذي يستمر في الحكم مدة ثلاثين عاما ويرفض إجراء انتخابات حرة.
– محمود عباس المستمر في الحكم منذ عام 2005 ولا يجنح نحو إقامة انتخابات فلسطينية حرة.
– عبد العزيز بوتفليقة الذي يصر مؤيدوه وحاشيته على ترشيحه لفترة رئاسية خامسة.
عمر البشير سجل خيبات متواصلة في حكم السودان، وكان انقسام السودان أكبر خيباته. لقد خرج عن الدولة ما مساحته حوالي 600 ألف كيلومتر مربع وهو ما يزال يرى أنه هو سر وحدة السودان وقائدها نحو الخير والبركات.
اقرأ/ي أيضا: خفايا الحملة الصليببية لترامب
أما عباس فدمر المجتمع الفلسطيني، وانقسمت الفصائل في عهده، وألحق دمارا هائلا بالقضية الفلسطينية وما يزال يرى أن الشعب الفلسطيني سيضيع في لجج التيه إن هو غادر موقعه، وطبعا معه جمهور من المنافقين الذين يؤيدونه في انتهاك القوانين التي وضعوها هم بأنفسهم.
أما عبدالعزيز بوتفليقة المناضل العربي الكبير فقد بلغ من العمر عتيا، وما زال المستفيدون من حكمه يصرون على ولاية خامسة له. السنوات تمضي وهؤلاء الذين من المفروض أن يكون لديهم الحد الأدنى من الفهم والمعرفة يتمسكون بالكرسي ويرفضون إفساح المجال لغيرهم الذين من الممكن أن يكونوا على كفاءة عالية.
اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة
العتب الأكبر على الرئيس الجزائري من حيث أنه مناضل عتيق، ويعرف مصلحة الشعوب، وسبق له أن تبوأ مواقع على المستوى العالمي، وكان يوما من قادة العالم الثوريين المدافعين عن حقوق الفقراء والمضطهدين. المفروض أن يتصرف بطريقة مختلفة تحفظ للمناضلين قاماتهم وتاريخهم.
إذا كان الرئيس لا يفقه، ولا يتمتع بحصافة ومعرفة وعلم، ولا يعي أبعاد استمراره في الحكم لسنوات أبلته وأبلت قدراته إن كانت له قدرات أصلا فكيف بالذين ترعرعوا على فساده وقطفوا ثمار إذلاله للشعب أن يفقهوا؟
القيمة العليا لدى حكام العرب، ولدى أغلب الذين يتسلمون مسؤوليات عامة هي المحافظة على الكرسي، والبحث الدؤوب عن لاصق قوي لكي يبقى الكرسي ملتحما بجسد المسؤول. ومن أجل المحافظة على الحكم تهون الموبقات وكل الممارسات الشنيعة المنحطة.
اقرأ/ي أيضا: «المؤرخ» ضاحي خلفان يندد باحتلال المسلمين للأندلس!
الجريمة لها ما يبررها وكذلك السقوط الأخلاقي، والخيانة الوطنية والتعاون مع العدو، وإذلال الشعب وإهانته واستغلاله والاعتداء على أمواله وممتلكاته، والتفريط بالوطن وعزة الناس وكرامتهم.
الخيرات فقط للحاشية المنافقة الكاذبة، ولأولاد الحاكم وأزواجه وعشيقاته وشهواته. لا قيمة لشيء قد يؤثر على لصق الكرسي، وليذهب كل شيء إلى الجحيم من أجل المحافظة على القيمة العليا القميئة.
أغلب مؤيدي هؤلاء الأصنام ينحدرون من الأجهزة الأمنية التي يخشى أفرادها التغيير السياسي خوفا على مستقبلهم وانتقام الشعب منهم. الأجهزة الأمنية هي التي حافظت وتحافظ على استمرار أنظمة الحكم الفاشلة الخائبة.
اقرأ/ي أيضا: أسئلة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية
وهي التي تنهب أموال الناس، وهي التي تمارس القمع والجشع والابتزاز والاستعباد والاستبداد باسم الحاكم الذي لا يتسع سجن لخطاياه وأعماله القبيحة المشينة.
يخشى أفراد الأجهزة الأمنية الناس بسبب إساءاتهم وغطرستهم وظلمهم وهمجيتهم واعتداءاتهم المتواصلة. هم يدركون أن الناس ينتظرون يوما تنقلب فيه الأمور لكي يسحلونهم في الشوارع انتقاما لما ارتكبوه من جرائم بشعة وانتهاكات للحقوق.
ولهذا لا يتورعون عن ممارسة القمع ضد الناس تثبيتا للحاكم واستمرار حكمه. مستقبله معلق بهذا الحاكم، وقد تكون حياتهم معلقة به بخاصة إذا استلم الحكم بعده شخص يؤمن بالانتقام.
اقرأ/ي أيضا: قيادات فلسطين هم الخطر الأكبر على القضية الفلسطينية
المفروض أن يدرك هؤلاء الثلاثة أن العالم قد تغير، وأن قطيع الغنم الذي كان يقاد بيسر وسهولة قد اكتسب وعيا ومعرفة ولم تعد تنطلي عليه الأحاديث البراقة.
الناس يرون ما يجري في ساحاتهم، ويقيمون الحاكم وفق الإنجازات والمنظومة الأخلاقية وقيم العدالة والمشاركة.
هم يرون الإخفاقات والفشل والهزائم وسوء الإدارة ويخبرون الظلم والقمع والاستهتار وتبذير الأموال. وهم يرون كيف تتغلب شهوات الحاكم على مصالح الناس والدولة.
لم يعد الناس أغبياء إلى الحد الذي يتم التلاعب بهم بسهولة. الغباء لم ينته تماما، وما زالت السذاجة ذات حيز واسع، لكن ما كان ينطلي على الناس قبل عشرين عاما، لم يعد يمر الآن.
اقرأ/ي أيضا: الإمارات والسردية الصهيونية
من الأولى أن ينتبه الحاكم إلى أنه لو كان بقدرته أن يقدم خدمات جليلة للشعب الذي يجلس على صدره لقدمه في سنوات حكمه الأولى. وهو يفقد قدرته على التحديث والتجديد بعد بقائه في الحكم سنوات مديدة لأنه يكون قد اعتاد على أنماط متخلفة في الإدارة مثل وجهه بالضبط. العالم يجدد دماء الحكم باستمرار، فهل يدرك حكام العرب أن سر تخلفهم بوجودهم؟
اقرأ/ي أيضا: عن مؤتمر وارسو وإيران و«التطبيع»
* د. عبد الستار قاسم كاتب وأكاديمي فلسطيني
المصدر: رأي اليوم – لندن
عذراً التعليقات مغلقة