الشعب السوري
- شعب سورية عملي مدبّر وواقعي وكرامته تتحقق بعمله لا بمنصبه ولا بد أن يستعيد وطنه وكرامته التي هو جدير بها.
- شعب عريق ضارب في الحضارة.. تجار أبناء تجار، وغريزة البيع والشراء والمساومة مزروعة فيهم.
بقلم: جواد العناني
بعض المعلّقين التلفزيونيين في مصر أبدوا إعجابهم الكبير باللاجئين السوريين الذين قادتهم الظروف لاتخاذ القاهرة ومدن مصر الأخرى موئلاً حتى تسترد الحياة طبيعتها في بلدهم الأصل.
ويعقد هؤلاء المعلقون مقارنات بين هؤلاء اللاجئين من ناحية، وابناء الشعب المصري من ناحية أخرى. وقد أثارت هذه المقارنات غضباً لدى بعض الأحزاب والكُتّاب المصريين.
اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة
وأذكر أن مذيعة قد روت على شاشة إحدى محطات التلفزة المصرية أن عدداً من أبناء مصر يأتون إلى سيارتها عند إشارة ضوئية لكي يطلبوا الإحسان إما مباشرة، أو عن طريق التحجج بأنهم يبيعون شيئاً كاللبان، أو المناديل الورقية، أو الفل.
ويقبل على سيارتها شباب أو صبايا سوريات يحملن منتجات منزلية مثل مقدوس الباذنجان، أو حلويات، أو خضاراً مقطعة مكيسة.
وقالت أنها اشْتَرت هذه المنتجات فوجدتها في منتهى الجودة. وأحياناً قالت لم أكن أريد الشراء، فتعرض المذيعة على البائعة مبلغاً من المال، فترفض الفتاة السورية وتقول “أنا أبيع، أنا لا أطلب إحساناً”.
وتمضي المذيعة بالقول أنها رأت الصبية وأخوتها بعد أشهر يعرضون بضاعتهم على عربة واقفة على جانب الطريق. وبعد ذلك بأشهر وجدت أنهم قد استأجروا دكاناً يعرضون فيه بضائعهم. هذا على الجانب الأيسر من الشارع.
أما المصريون بائعو المناديل والفل واللبان فما يزالون كما هم. وتصيح قائلة: كيف يستطيع هؤلاء اللاجئون الجدد على أرض مصر أن يحلوا مشاكلهم، ويتاجروا، والشعب صاحب الأرض راضٍ بما اعتاد عليه؟
اقرأ/ي أيضا: الدعارة سلاح الاسد السري
اما مذيع آخر، فقد كان أكثر مدحاً للاجئين وأقسى انتقاداً لشعبه. فهو يقول أن السوريين قدّموا لمصر خدمات جليلة. فالمحلات التجارية الفارغة في بعض “المولات” الكبيرة استأجرها السوريون وأعادوا لها الحياة والزبائن.
وكثير منهم من بنى صناعات في مدينة (6 أكتوبر) حيث يوجد مبانٍ صناعية فارغة. وقال إنهم يقومون بالتصدير من مصر، ويخلقون فرص عمل لهم. ويتساءل لماذا لا نقوم نحن بذلك؟
والواقع أن الشعب السوري شعب عريق ضارب في الحضارة. وهم تجار أبناء تجار، وغريزة البيع والشراء والمساومة مزروعة فيهم. وقد استمرت عائلات سورية كثيرة تعمل في التجارة أباً عن جد على مدى عشرة أو عشرين جيلاً.
اقرأ/ي ايضا: تجارة البركة في الكنيسة
أما أبناء مصر فمنهم التجار، وهم قلة بالنسبة لعدد السكان، ولكن الغالبية عمالة زراعية وحرفية وخدمية. مع هذا يجب ألا نقلل من إمكانات الشعب المصري.
فالعمال الذين أتوا للأردن وبدأوا حياتهم عمالاً في البناء والزراعة والخدمات، قد تحولوا مع الوقت إلى مقاولين، أو مقاولين في الباطن، أو إلى موزعين، أو سماسرة في أسواق الخضار، أو متعهدي مزارع، أو مديري محلات تجارية يقدمون لصاحب الملك المسجل باسمه الترخيص مبلغاً من المال، ويحتفظون لأنفسهم بالفائض مهما كان (القطاع الريعي).
إقرأ ايضا: تجارة البركة في الكنيسة.
لكن المصري بطبعه يحب بلده، ويفكر دائماً في العودة إليها. وباستثناء أصحاب رؤوس الأموال الكبار، فإن غالبية المصريين يسعون خلف الدخل القابل للتحويل إلى بلدهم.
وبالعودة إلى السوريين، فقد قدّموا إلى البلدان التي هاجروا إليها خدمات قيّمة، ومنها الأردن. فالسوري يبحث عن عمل مستقل بطبعه، وإذا قبل بالعمل لدى الآخرين، فيفضل العمل لدى سوريين آخرين.
كذلك، فإن الجالية السورية في الأردن قد فتحت مئات المحال التجارية، وأقامت بعض الصناعات التصديرية. ومنهم من يعمل في المهن الحرة سباكاً أو ميكانيكياً.
ويكفي أن نتذكر أن معظم أسماء أسر دمشق ومن بعدها حلب كانت أسماء مهن مثل الطحان، والدقاق، والسروجي، والسقا، والصباغ، والحلواني، والشوربجي، والقلعجي، والخياط، والحلاق، والصواف، والنجار، والحداد، والأتاسي، والكحال، والحناوي، والقباني، والنشاط، وغيرها من مئات الأسماء.
وقد برع الدمشقيون والسوريون إجمالا في التجارة والصناعة الخفيفة والمتوسطة، وفي الصناعات التقليدية. وبرعوا في صناعة الطعام. وهو شعب عملي مدبّر، وواقعي. وكرامته تتحقق في عمله لا في منصبه.
اقرأ/ي أيضا: عدنان الأسد جاسوسا لإسرائيل.. كيف أخفى “قصر حافظ” الفضيحة؟
ولا يعيبه طلب العيش بالعرق ويراها خيراً له الف مرة أن يطالب الناس إلحافاً أعطوه أو منعوه. ولا يختبئ وراء قناع الكبرياء وهو يمد يده طالباً العطاء من الآخرين.
اللاجئون عندما يهاجرون ويذهبون إلى بلاد أخرى يشعرون أن إقامتهم في البلد الآخر امتياز لهم، أما أهل البلد فيرونه حقاً.
صاحب الامتياز يريد تبرير حصوله على ذلك الامتياز فيعمل ويجتهد وينتج، أما من يعتقد أنه صاحب حق يتحول إلى شخص مطلبي، يريد أن يأخذ قبل أن يقدم.
شعب سورية لا بد أن يستعيد وطنه وكرامته التي هو جدير بها.
* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني السبق.
المصدر: الغد – عمّان (الأردن)
عذراً التعليقات مغلقة