قيادات فلسطين هم الخطر الأكبر على القضية الفلسطينية
- إذا كانو يتوصلون إلى اتفاق كل مرة ولا ينفذون فمن هو المسؤول عن هذا الخذلان؟
- أي مبادرة سياسية بشأن قضية فلسطين تتغذى على وحدتنا الفلسطينية مرفوضة قطعا مهما كانت فوائدها السياسية.
- الجهاد الإسلامي استند في مواقفه إلى مواثيق ومقررات وعهود فلسطينية كتبتموها أنتم وباقيكم استند إلى التميع والتنطع.
بقلم: عبد الستار قاسم
يتهمون الغير وينسون أنفسهم، ألا ساء ما يصنعون. تنبري الأقلام والتعليقات والتصريحات والشروحات حول الأخطار التي يفرضها رئيس أمريكا على القضية الفلسطينية، والأخطار القديمة الحديثة التي يسببها حكام العرب لفلسطين وأهلها، لكن قلما نسمع عن الأخطار التي تصنعها قيادات فلسطينية لفلسطين وأهلها. والمجاملات في التعليقات والتحليلات تبقى سيدة الموقف، ومنها للمحاباة والنفاق، ومنها عن جهل بما تتطلبه المصلحة الفلسطينية.
ترامب وكل الدول الغربية الاستعمارية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا يشكلون خطرا محدقا بالقضية الفلسطينية ومنذ اتفاقية سايكس بيكو وتصريح بلفور وصكوك الانتداب على بلاد الشام والعراق. ومواقف الحكام العرب مؤذية جدا وكارثية وهي على مدى عشرات السنين تصب في مصالح الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني.
اقرأ/ي أيضا: الإمارات والسردية الصهيونية
لا جديد في مواقف حكام العرب وفي سياسات أهل الغرب سوى أنها أخذت تتكثف بالمزيد بعد اتفاق أوسلو وتتكشف بوقاحة وصلافة وحقارة. حكام العرب يقيمون علاقات مع الصهاينة منذ عشرينات القرن الماضي، وهم الذين تعمدوا خسارة حرب عام 1948 من أجل أن يتوسع الكيان الصهيوني في الجغرافيا الفلسطينية.
أما أهل الغرب فلم يتوانوا لحظة واحدة عن تقديم كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني ليبقى القوة الأعظم في المنطقة العربية ويتمكن من تحقيق الانتصارات على كل العرب منفردين ومجتمعين. حكام العرب هم الذين تآمروا دوما على الأمة العربية، وصغروها لخدمة الطغاة البغاة الاستعماريين الغربيين والصهاينة من أجل المحافظة على عروشهم وكراسي حكمهم.
اقرأ/ي أيضا: اجتماع وارسو: جحا وأهل بيته!
وهم الذين بذروا الأموال وأنفقوها على شهواتهم ونزواتهم ورغباتهم. لا ثقة بهم ولا مهرب إليهم. وهم دائما عوامل هدم وليسوا عوامل بناء. لقد أذلوا الأمة وأبقوها ضحية الجهل والفقر والمرض والانحطاط.
وعينا بالمخططات الاستعمارية والصهيونية وحكام العرب يفرض علينا الآن ومستقبلا كما كان يفرض علينا بالماضي المحافظة على وحدتنا الوطنية وتماسكنا الأخلاقي واكتساب القوة لكي نكون قادرين على مواجهة التحديات.
والمقولة الفلسطينية الخالدة تنص على أن أي مبادرة سياسية بشأن حل القضية الفلسطينية تتغذى على وحدتنا الفلسطينية مرفوضة قطعا مهما كانت الفوائد السياسية المترتبة عليها.
اقرأ/ي أيضا: خفايا الحملة الصليببية لترامب
كل الفوائد السياسية والاقتصادية والمالية التي يمكن أن يجنيها الشعب الفلسطيني لا توازي أبدا خسارته للوحدة الوطنية. خسارة الوحدة الوطنية هي خسارة القوة الفلسطينية.
قبل عام 1948، أشغلنا آل الحسيني وآل النشاشيبي بأنفسهم ووجاهاتهم وقيادتهم للشعب، وقسموا الناس إلى مجلسيين ( أي مع الحاج أمين الحسيني) ومعارضين (أي مع دار النشاشيبي). الصهاينة كانوا يسرقون الأرض ويبنون المستوطنات، ويقيمون جيشا واقتصادا خاصا بهم، ونحن كنا نتلهى بالصراعات الداخلية بين العائلات التي انقسمت إلى نشاشيبي وحسيني. وضاعت البلاد، وجلّ همنا انصب على الوجاهة والزعامة الزائفة.
نحن الآن منقسمون إلى قبائل فصائلية، وغالبا إلى آل فتح وآل حماس. الصهاينة يستولون على الأرض والمقدسات ويبنون المستوطنات ويكتسبون المزيد من القوة، ونحن ننشغل بالمصالحة بين دار فتح ودار حماس.
اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة
الوحدة الوطنية غير موجودة. المجتمع غير متماسك بتاتا والمنظومة القيمية الأخلاقية منهارة. ومثلما وقفت قيادات سياسية عام 1936 ضد الثوار وآثرت الاستمرار في طريق الفساد والإفساد والحشد القبلي المقيت، تفعل القيادات الآن، وتلاحق المقاومين للاحتلال والمستوطنين.
بل نحن الآن في وضع أسوأ من وضع عام 1936 من حيث أننا ننسق مع الاحتلال أمنيا ونقدم له المعلومات التي تجعله أكثر قدرة على النيل منا.
اتفاق أوسلو تجاوز كل المحرمات الفلسطينية وداس على دماء الشهداء، ودنس كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني من أجل إنقاذ وطنه، وانتهك كل المقررات الفلسطينية والعهود والمواثيق والأيمان التي أُطلقت عبر الزمن لتحرير فلسطين.
ورغم كل الصرخات التي أطلقها فلسطينيون وما زالوا يطلقونها، ورغم كل الأضرار التي ألحقها الاتفاق بشعب فلسطين إلا أن القيادات ما زالت تصر على تمزيق الشعب الفلسطيني وتحشيده بعضه ضد بعض.
اقرأ/ي أيضا: فى مواجهة التهويد العنصرى للقضاء على الحضارة الفلسطينية
تمزق الشعب وانقسم على نفسه وانهارت المنظومة الأخلاقية، والإصرار على الاستمرار في طريق الهاوية ما زال سيد الموقف. ومنذ سنوات والقيادات تشغل الشعب الفلسطيني بالحوارات بين دار فتح ودار حماس. وكل مرة تجتمع فيه هذه القيادات تمني الشعب باتفاق لا يتم تنفيذه. إنهم يكذبون على الناس، ويكسبون صمتهم بتمنيات لا تتحقق.
والسؤال المطروح على هذه القيادات البائسة: إذا كنتم تتوصلون إلى اتفاق في كل مرة، ولا تنفذون، فمن هو المسؤول عن هذا الخذلان؟
لا أظن أنه الشعب الفلسطيني، ولا أمريكا ولا الصهاينة. أنتم المسؤولون، وما دام الفشل الذريع هو نتاج قياداتكم فلماذا تبقون في مواقعكم؟ ألا تريحون الشعب الفلسطيني من شروركم؟ أنتم المأساة، وأنتم العقبة الكأداء في طريق الشعب الفلسطيني.
أنتم تسيئون للشعب والقضية، بل أنتم الخطر الحقيقي على القضية الفلسطينية، ولولاكم أنتم الذين اعترفتم بالصهاينة، وسرتم معهم يدا بيد ضد شعب فسطين، لما تجرأ حكام العرب على التهافت نحو الصهاينة وإقامة علاقات معهم، ولما تجرأ العرب على تبني المبادرة العربية البيروتية عام 2002. أنتم الخاسئون المارقون الكاذبون المتآمرون، والتاريخ سيسجلكم في قوائم الخائنين.
اقرأ/ي أيضا: مادورو العربي.. القائد البوليفاري الصلب
بالأمس ذهبتم إلى موسكو لتتحاوروا، وطبعا كلفتم الشعب الفلسطيني الشيء الكثير، وكان من الأجدى أن تقدموا ما أنفقتم من مال لفقير فلسطيني لا يجد ما يأكل. أنتم فقط تبذرون الأموال، ولو كان لديكم الكثير لما اختلفتم في تبذيركم واستهتاركم عن حكام الخليج. وعدتم تلومون الجهاد الإسلامي أن مواقفه حالت دون إصدار بيان.
الجهاد الإسلامي استند في مواقفه إلى المواثيق والمقررات الفلسطينية والعهود الفلسطينية التي كتبتموها أنتم، وباقيكم استند إلى التميع والتنطع. وكم من بيان مشترك أصدرتم في السابق، وماذا كان الحصاد. ألم تكتبوا أنتم القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ هل تطبقونه على أنفسكم؟
اقرأ/ي أيضا: هل زيارة البابا للإمارات هي استمرار لأساسيات وسياسات الحروب الصليبية الغربية
الخدمة الأكبر التي يمكن أن يقدمها قيادات فلسطين البائسة هي الغروب عن وجه الشعب الفلسطيني. إنهم يقودون العباد نحو المزيد من الانقسامات والاقتتال والإفساد. وغروبهم عن وجوهنا يوفر علينا الكثير من الآلام والأحزان. والمأساة أن أحدهم لا يخجل وهو يتحدث التلفاز عن الالتزام الوطني ويكيل التهم للآخرين.
* د. عبد الستار قاسم كاتب وأكاديمي فلسطيني
المصدر: رأي اليوم – لندن
عذراً التعليقات مغلقة