المرأة المصرية نموذجا للمقاومة العربية
المقال السادس من سلسلة مقالات (المقاومة مقاومتنا)، لمطالعة المقال الأول، المقال الثاني، المقال الثالث، المقال الرابع، المقال الخامس.
على الرغم مما شهدته المرأة العربية عبر تاريخ الوطن العربى من التمييز وصولا للعنصرية والنظرة الدونية لها وما تعرضت له من قيود قهرية بداية من وأد البنات والعبودية للذكور ومع دخول الإسلام كما يرى الفيلسوف وليام مونتوجمرى أعطى النبى محمد “صلى الله عليه وسلم ” الحقوق للمرأة فى الملكية والتعليم والحق الطلاق والمكانة الاقتصادية والامتيازات فى الحياة الأسرية، ورغم تاريخ التمييز والعنصرية.
فقد قادت المرأة العربية النضال من أجل تحررها وقد كانت المرأة السورية عربيا أول من حصلت حق التصويت للمرأة عام 1949 ، وكانت المرأة المصرية نموذجا للمقاومة ونضال المرأة العربية فلم تكن المرأة المصرية طوال التاريخ المصرى بعيدأ عن المشاركة فى الحياة المصرية الوطنية.
ومن قبل حتشبسوت (1508-1458 ق.م) كانت المرأة المصرية تمارس أدوارها الاجتماعية المتعددة فمنذ ما يقرب من 4800 عام فى مصر القديمة مارست مرت بتاح الطب لتصبح أول طبيبة يذكرها التاريخ بل وربما أول عالمة ايضاً كما عملت المرأة بالقضاء مثل نبت وهى حماة الملك بيبى الأول من الأسرة السادسة، وتكرر المنصب خلال عهد الأسرة السادسة والعشرين.
لم تكن حتشبسوت أول أمرأة حكمت مصر قديماً فنيتوكريس من الأسرة السادسة وسوبكنفرو من الأسرة الثانية عشر كانتا ضمن اخريات حكمن مصر قبل حتشبسوت المنتمية للأسرة الـ18، وقادت الجيوش وتركزت جهودها على رخاء مصر بالثراء والفن والقوة ، ولعبت الملكة تى (1398-1338 ق.م) زوجة الملك أمنحتب الثالث ووالدة الملك إخناتون دورا كبيرا فى الحياة السياسة والاجتماعية المصرية.
اقرأ/ي أيضا: الحقيقة الغائبة: مابين تناقضات التصريحات الإسرائيلية والحاخامات
ودعمت كليوباترا (69-30ق.م) اقتصاد مصر بالتجارة مع بلاد الشرق فساعد هذا على تقوية وضع مصر فى العالم القديم مما جلب السلام للبلاد بعد ان اضعفتها الحروب الداخلية.
وتشير المصادر التاريخية المعاصرة لعصر كليوباترا، انها كانت محبوبة جداً من شعبها.
ولعبت شجرة الدر (127م) سلطانة مصر دورا مؤثرا فى السلطة التى تسيطر على الحياة المصرية فى ذلك الوقت، وحتى لقت مصرعها.
ومن سدة الحكم إلى الأدوار الثقافي والعلمية الرائدة والتى لم يتعودها المجتمع المصرى فقد استثمرت المرأة النهضة الصحفية في أواخر القرن الـ 19 في تأسيس صحافة نسائية تتبنى القضايا النسوية وتدافع عن حقوق المرأة ومكانتها ضد جمود التقاليد ، فأصدرت “هند نوفل” أول مجلة مصرية هي “الفتاة” في ( 20 من نوفمبر 1892م) بالإسكندرية.
كما أصدرت “جميلة حافظ” مجلة نسائية مهمة هي “الريحانة”. فهدى شعراوى (1879-1947) قد اقترن النضال النسائى فى مصر بها وكرست مجهودها فى الدفاع عن حقوق المرأة خاصة الحقوق السياسية والتعليم وفى ثورة 1919 تقدمت صفوف النساء فى المظاهرات التى تطالب بالإستقلال جنباً الى جنب مع الرجال لأول مرة، وقد خرجت أول تظاهرة نسائية فى العصر الحديث احتجاجا على نفى سعد زغلول وكانت تضم 300 سيدة وذلك فى 16 مارس 1919.
وسقطت فى 10 إبريل أول شهيدات ثورة 1919 برصاص الإنجليز وهى الشابة شفيقة محمد والتى غدر بها المندوب السامى البريطانى والتى توجهت بقوة إلى مقرة ثابتة رافعة الرأس تطالبه بإيقاف الوحشية ضد التظاهرات السلمية وتحتج على اعتقال الزعماء الوطنيين ونفيهم ومعلنة والعلم المصرى فى يدها، أنها ستكون فى كل تظاهرة.
وما أن خرجت من عنده بعد أن سلمته وأبلغتة رسالة الرفض للإجرام الإنجليزى وأغلق الحارس ورائها الباب حتى انهمرت طلقات الرصاص لتضرج فى دمائها الشريفة الزكية ولتهتف زميلاتها: تحيا ضحايا الحرية … فى ذمة الله يا شفيقة.
وكانت نبوية موسى (1887-1951) رائدة تعليم البنات والدفاع عن حقوق المرأة وداقعت عن حرية وطنها من القهر السلطوى واصبحت اول ناظرة مدرسة واول كبيرة مفتشين فى وزارة المعارف، واول عضوة فى نقابة الصحفيين، ومن أهم ما نشر لها كتاب “المرأة والعمل” و”ثمرة الحياة في تعليم الفتاة” الذى ادخلته وزارة المعارف كجزء من المقررات الدراسية.
وكانت عزيزة أمير (1901-1952) ممثلة ومنتجة ،واتجهت من التمثيل الى الإنتاج السينمائى واشتهرت بإنتاجها لأول فيلم روائى مصرى طويل عام 1927 هو فيلم “ليلى وقد اشاد بها الإقتصادى الكبير طلعت حرب وقال لها “لقد حققت يا سيدتي ما لم يستطع الرجال أن يفعلوه”، وحملت المصريات السلاح وشاركن فى حرب الفدائيين التى بدأت عام 1950 ضد قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة.
وتشكلت كتائب “بنت النيل” عام 1951 وهى أول كتيبة نسائية والتى شكلتها المناضلة درية شفيق أبنة مدينة طنطا (1908 ــ 1975) والتى تعد من رواد حركة تحرير المرأة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين وشمل اول طريق لكفاحها لصالح المرأة قامت بتأسيس حركة للقضاء على الجهل و الأمية المتفشية بين الفتيات والنساء في عدة مناطق شعبية من القاهرة فأسست مدرسة لمحو الأمية في منطقة بولاق.
اقرأ/ي أيضا: لماذا يخاف المستبدون؟
وينسب لها الفضل في حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب و الترشح في دستور مصر العام 1956 ومؤسسة لدوريات أدبية وباحثة ومناضلة ضد الوجود البريطاني في مصر وكانت ضمن أول فوج طالبات من قبل وزارة المعارف المصرية للدراسة في جامعة السوربون في باريس على نفقة الدولة، و هي نفس الجامعة التي حصلت منها على درجة الدكتوراة في الفلسفة العام 1940.
وكان موضوع الرسالة “المرأة في الإسلام” حيث أثبتت في رسالتها أن حقوق المرأة في الإسلام هي أضعاف حقوقها في أي تشريع آخر و أسست في أواخر الأربعينيات حركة (التحرر الكامل للمرأة المصرية) والتى عرفت باتحاد بنت النيل وعند تشكيل اللجنة التأسسية عام1954 لوضع دستور جديد للبلاد.
احتجت لأن اللجنة لم تضم بينها امرأة واحدة فأضربت عن الطعام هي وبعض زميلاتها في نقابة الصحفيين لمدة8 أيام ولم توقف الإضراب الا بعد أن ذهب اليها محافظ القاهرة حاملا اليها رسالة شفوية من الرئيس محمد نجيب يعدها بأن الدستور الجديد سيكفل للمرأة حقها السياسي… وبدأت أصعب معاركها وهي الكفاح ضد العزلة والوحدة لمدة18 عاما بسبب الأوضاع السياسية المتغيرة في البلاد بعد الثورة وعدم وجود نشاط سياسي حقيقي.
وفي فبراير 1957 بدأت الإضراب عن الطعام في السفارة الهندية بالقاهرة، وأعلنت لأجهزة الإعلام الدولية احتجاجها على (دكتاتورية جمال عبد الناصر) وطالبت بإستقالته وأرسلت بيانا لـ”جمال عبد الناصر” جاء فيه… (نظرا للظروف العصيبة التي تمر بها مصر قررت بحزم أن أضرب عن الطعام حتى الموت .. وأنا كمصرية وكعربية أطالب السطات الدولية بإجبار القوات الإسرائيلية على الإنسحاب فورا من الأراضي المصرية .. وأطالب السطات المصرية بإعادة الحرية الكاملة لمصريين رجالا ونساءا وبوضع حد للحكم الديكتاتوري الذي يدفع بلادنا إلى الإفلاس والفوضى.
وإخترت السفارة الهندية لأن الهند بلد محايد ولن أتهم بأنني فضلت معسكرا، ورغم انعزالها بعد ذلك استمر نضالها وموقفها فى عزلتها طوال 18 عاما فى شقتها بالزمالك وانتجت خلالها 16 كتابا منها دوواين شعر ومذكراتها وترجمة للقرآن الكريم باللغتين الفرنسية والانجليزية ، حتى سقطت من شرفة منزلها في الزمالك بالقاهرة فى 20 سبتمبر 1975 . وسميرة موسى (1917-1952) اول عالمة ذرّة فقد استطاعت سميرة ان تحتل المركز الأول على القطر المصرى فى امتحان البكالوريا سنة 1935، فإستحقت المدرسة منحة التفوق الحكومية واستخدمتها نبوية موسى لإنشاء معمل لسميرة، فأصبحت اول امرأة تحاضر فى الجامعة ثم حصلت سميرة على درجة الماجسيتر وسافرت لإنجلترا حيث حصلت على درجة الدكتوراة فى الإشعاع الذرى.
وآمنت سميرة موسى بالإستخدام السلمى للطاقة الذرية وقالت: “أتمنى ان يصبح استخدام الطاقة الذرية فى علاج السرطان فى متناول الجميع كقرص الأسبرين”، وكانت انجى افلاطون (1924-1989) فنانة تشكيلية وناشطة سياسية وتعد انجى افلاطون من رائدات الفن التشكيلى فى مصر فقد بدأت الرسم فى سن صغيرة وحققت نجاحاً كبيراً.
وقد عُرضت أعمالها الفنية فى بينالى فينيسيا وبينالى ساوباولو سنة 1956 كما كرست حياتها للدفاع عن الطبقات الكادحة و فى عام 1948 كتبت “ثمانون مليون امرأة معنا” وهو كتاب نددت فيه بشدة بالإمبريالية.
وفى العام التالى كتبت “نحن النساء المصريات”، قدمت فيه تحليلاً للإضطهاد فى مصر، واضطهاد المرأة بشكل خاص، وكانت انجى افلاطون قد اصبحت عضواً نشطاً فى الحزب الشيوعى المصرى، تدافع عن حقوق المرأة المصرية وتمثلها فى المحافل الدولية ، وأصبحت سَهير القلماوى إبنة مدينة طنطا (1911-1997) من اوائل المصريات اللاتى تخرجن من الجامعة وحصلن على درجة الماجستير.
وكانت هى اول من حصلت منهن على الدكتوراه ولتصير استاذة جامعية وصحفيه،وأصبحت لطفية النادى (1907-2002) أول كابتن طيار مصرية، وقادت أمينة السعيد إبنة مدينة أسيوط (1914-1995) الدفاع عن المساواة بين الرجل والمرأة . وما ان بلغت امينة عمر الرابعة عشر، حتى انضمت الى الإتحاد النسائى، ثم فى عام 1931 التحقت بجامعة فؤاد الأول ضمن اول دفعة تضم فتيات حتى قادت بشجاعتها العمل الصحفى وأصبحت رئيسة لدار الهلال العريقة.
وكانت مفيدة عبد الرحمن (1914-2002) اول محامية فهى من اولى خريجات جامعة فؤاد الأول وأول من تخرج منهن فى كلية الحقوق ، وفى الفن كانت أم كلثوم أبنة الدقهلية (1898-1975) والتى اطربت واسعدت جماهيرها العريضة من المصريين أغنياء وفقراء، رجالاً ونساء، الجميع عشقوا اغانيها، وقدمت دعمها للوطن طيلة عمرها وعلى سبيل المثال جابت العديد من دول العالم لتقيم حفلات غنائية لصالح المجهود الحربى عقب هزيمة 67.
عذراً التعليقات مغلقة