العلاقات الخليجية – الخليجية
- لم تكن الكيانات الخليجية قادرة على ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه انسحاب بريطانيا من الخليج.
- أخذت خلافات دول الخليج منحى جديدا بوصول أجيال للسلطة برؤى مختلفة عن السردية السعودية.
- انزلقت أنظمة عربية للتطبيع مع إسرائيل خاصة السعودية التي بات فريق فيها يرى إيران عدوا استراتيجيا وليست إسرائيل.
- تتسم الاتجاهات التطبيعية بقصور منهجي وضيق أفق استراتيجي بعد فشل تجارب تطبيع دول عربية وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل.
بقلم: حسن البراري
صدر للتو كتاب جديد يحمل عنوان «العلاقات الخليجية – الخليجية: معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة، 1971-2018» للمؤلف الدكتور محمد صالح المسفر يتناول فيه العلاقات بين دول الخليج منذ إعلان بريطانيا الانسحاب العسكري والسياسي من منطقة الخليج في نهاية الستينيات من القرن الماضي.
ولعل النقطة المركزية التي انطلق منها الكتاب هي أن الكيانات الخليجية لم تكن قادرة بمفردها على ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه الانسحاب الفعلي لبريطانيا من منطقة الخليج في عام 1971.
هذا العجز كانت له أسبابه الموضوعية، وهنا يقدم الكتاب السياق التاريخي الذي يفسر لنا كيف تبلورت العلاقات الخليجية صعودا وهبوطا ما مكّن الباحث من تقييم العلاقات الخليجية في ظل التداخل ما بين ما هو إقليمي وما هو دولي ومن تقديم رؤية استشرافية لما ستؤول عليه هذه المنطقة في قادم الأيام.
بطبيعة الحال، لا ينسى الدكتور المسفر – وهنا ينسجم كليا مع مواقفه السياسية المشهودة والتي تعلي من قيمة العمل العربي المشترك – أن يوجه النصح لمستقبل أفضل لمنطقة الخليج تعود بالنفع على أبناء المنطقة بشكل عام.
اقرأ/ي أيضا: المأزق السعودي الجديد بين قطر والقضية الحقوقية
أفرد الكتاب مساحة كبيرة للبحث في الخلافات الخليجية ومسارها في الألفية الثالثة، وهي خلافات ليست جديدة بين دول الخليج لكنها أخذت منحى جديدا في ظل وصول أجيال جديدة للسلطة في بعض الدول الخليجية امتلكت رؤى قطرية مختلفة عن الرؤى السابقة التي كانت لا تتحدى السردية السعودية.
فمثلا، وصول سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة إلى سدة الحكم في قطر عام 1995 كانت نقطة تحول وكأنه القى بحجر في مياه الخليج الآسنة، فلم تتقبل السعودية هذا التغيير.
لأنها كانت تدرك أن مقاربة مختلفة للأمير حمد بن خليفة من شأنها أن تكون سابقة لا تريدها السعودية التي كانت ومازالت تسعى لفرض هيمنتها على كل دول الخليج باعتبارها الدولة الأكبر والأٌقوى.
يهدف الكتاب من التركيز على العلاقات الصراعية بين دول الخليج إلى ابراز حقيقة في العلاقات الدولية تفيد بأن المصالح هي من يحرك الدول، فعلى الرغم من التشابه الاجتماعي الكبير لمجتمعات دول الخليج إلا أنها تبقى دولا لها مصالح متضاربة أحيانا وهذا أمر طبيعي.
اقرأ/ي أيضا: من «الناتو العربي» إلى «حلف وارسو الجديد»
لكن ليس من الطبيعي أن تقبل هذه الدول بهيمنة دولة بعينها، لذلك سعت قطر من خلال تركيزها على القوة الناعمة وسياسة خارجية مستقلة إلى إيجاد موازين قوة جديدة في منطقة الخليج تساعدها على تحقيق أهدافها بمعزل عن أي هيمنة متخيلة لدول مجاورة.
لا يمكن مراجعة كتاب الدكتور المسفر بهذه العجالة، لكن اعجبني الفصل المتعلق بدول الخليج من المنظورين الأمريكي والإسرائيلي وتركيزه على الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي للسعودية.
الكتاب يجادل بأن هناك اهتماما إسرائيليا سابقا حتى لقيام دولة( إسرائيل)، ونلاحظ هذه الأيام اندلاق بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل وبخاصة السعودية التي بات فريق فيها يرى بأن إيران هي العدو الاستراتيجي وليست إسرائيل.
والدكتور المسفر لم يكتف بتحليل الاتجاهات التطبيعية بل يوجه سهام نقده لها لقصورها المنهجي وضيق أفقها الاستراتيجي وبخاصة بعد فشل تجارب التطبيع لدول عربية أخرى وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل.
فالأخيرة لم تتغير واستمرت في سياسة فرض الأمر الواقع والاجهاز على ما تبقى من فلسطين وفق رؤية مسيانية لاهوتيه وتوارتية لا تعترف أصلا بالجانب الفلسطيني.
وينتقل الكتاب إلى موقف دول الخليج من الربيع العربي، وبتقديري أن هذا الفصل في غاية الأهمية لأن الدول الخليجية انقسمت، وشكلت الإمارات والسعودية رأس حربة الثورة المضادة.
اقرأ/ي أيضا: النظام العربي الإقليمي.. كنت شاهدا
في حين كانت قطر تنحاز فيه لخيارات الشعوب في التحرر من نير الاستبداد. وكان للموقف من الربيع العربي أن دفع بالخلافات القديمة على السطح ما خلق انقسام واضح في مجلس التعاون الخليجي.
بطبيعة الحال لا يكفي مقال لتغطية المقولات الرئيسية التي وردت في الكتاب وهنا اكتفيت بالتعليق على أبرز ما جاء فيه ولا غنى للقارئ المهتم بالشأن الخليجي من اقتناء هذا الكتاب لأنه يضع دينامية الصراع والتعاون في الإقليم بسياقها التاريخي والاستراتيجي الصحيح.
* د. حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية.
المصدر: الشرق – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة