أزمة سوريا وهدف ترامب الداخلى
- لا يوجه ترامب تغريداته للرأى العام الأمريكى ككل، بل يهتم بناخبيه والأعضاء المحافظين بمجلسي الكونغرس.
- ليس لواشنطن أهداف استراتيجية بسوريا لذا لم تتحرك إدارة أوباما بجدية هناك رغم استخدام الأسد أسلحة كيميائية.
بقلم: محمد المنشاوي
لا يدرك الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن إقدامه على إعلان انسحاب قوات بلاده من سوريا ليس بالعملية السهلة التنفيذ والعواقب. ورغم محدودية الانتشار الأمريكى فى سوريا والتى لا يتعدى 2200 مقاتل، إلا أن قرار سحبهم أكثر تعقيدا مما يتصور ترامب الذى لم يستشر جنرالاته قبل اتخاذ قراره المثير.
وجاء مقتل عدد من الجنود الأمريكيين فى مدينة منبج والذى تبناه بقايا تنظيم داعش ليثبت لترامب خطأ تقديراته وضرورة عدم تفرده بهذه القرار متجاهلا الواقع المعقد على الأرض.
تضمن خطاب الاستقالة الذى قدمه وزير الدفاع جيمس ماتيس للرئيس دونالد ترامب ما يشير إلى خلافات جوهرية بين أفكار ماتيس وترامب.
اقرأ/ي أيضا: ترامب في 2019.. السؤال الكبير
وجاء قرار ترامب الفردى، الذى لم يستشر فيه كبار مستشاريه العسكريين بانسحاب القوات من سوريا وبدء سحب آلاف الجنود من أفغانستان ليضع نهاية لمهام وزير الدفاع الذى لا يخفى معارضته لهذه السياسيات.
قد يكون نص خطاب استقالة ماتيس الدافع وراء قرار ترامب بالتعجيل بوقفه عن العمل مع نهاية ديسمبر الماضى بدلا من نهاية فبراير القادم. وقد يكون هناك بعد شخصى أثر على قرار ترامب، إلا أن ترامب يبدو مندفعا بحسابات السياسة الداخلية الأكثر أهمية له خلال العامين الباقيين فى فترته الرئاسية.
وتعرض ترامب لانتقادات من أعضاء جمهوريين وديمقراطيين من داخل مجلسى الكونجرس بسبب تحركاته لإنهاء الوجود الأمريكى فى سوريا على عكس ما يراه مساعدوه والقادة العسكريون.
اقرأ/ي أيضا: التركة السورية في صراع القوى الدولية
* * *
تدعم الكتلة المحافظة اليمينية المؤيدة لترامب تحركاته، وكتب السياسى المحافظ المخضرم بات بوكانان مدافعا عن سياسة ترامب قائلا «يقوم ترامب بفعل ما وعد به بدقة خلال حملته الانتخابية. وهدف قراراته الأخيرة هى سحب جنودنا من الحروب التى لا تعرف نهاية فى الشرق الأوسط، والتي كان من الغباء التورط فيها على يد الرؤساء السابقين.
وعلى حكام وشعوب تلك الدول أن تستمر فى حروبها بدون جنودنا الأمريكيين». وأضاف بوكانن أن «أمريكا ليست قوة مطلقة لتحارب حروبهم، عندنا تحديات أكبر تتعلق بالصين وورسيا وكوريا الشمالية وإيران».
وجاء توقيت قرار ترامب وما تبعه من استقالة ماتيس ثم تعجيل ترامب بمغادرته البنتاغون فى الوقت الذى تعرف فيه واشنطن مواجهة حادة بين ترامب والديمقراطيين على خلفية الإغلاق الجزئى للحكومة الفيدرالية.
وخرجت وسائل إعلام محافظة لتضغط على ترامب كى لا يتراجع أمام قادة الحزب الديمقراطى فيما يتعلق بموقفه الحازم من قضية الهجرة غير الشرعية وضرورة تمسكه ببناء جدار حاجز عند الحدود الجنوبية مع المكسيك.
اقرأ/ي أيضا: بين سياسات ترامب ووعوده الانتخابية
وذكرت محطة فوكس أن على ترامب الاستمرار فى تنفيذ وعوده الانتحابية، والتى منها أيضا سحب القوات الأمريكية من سوريا وإنهاء الوجود العسكرى فى أفغانستان.
وشملت تغريدات ترامب التأكيد على موقف شعبوى ينال رضا قاعدته الانتخابية إذ قال «نحن ندعم جيوش العديد من الدول الغنية حول العالم، وهذه الدول تستغل الولايات المتحدة ودافعى الضرائب بها فى التجارة معنا أيضا».
ولا يوجه ترامب تغريداته للرأى العام الأمريكى ككل، بل هو يهتم بناخبيه والأعضاء المحافظين داخل مجلسى الكونغرس.
* * *
وبقرار ترامب بسحب القوات من سوريا، يفتح ترامب جبهة جديدة فى صراعه مع أجهزة الدولة الأمريكية العميقة، وهو ما يلقى رواجا وقبولا بين أوساط قاعدته الانتخابية التى تدين بالولاء له.
ذلك فى الوقت الذى يستعد ترامب فيه لمواجهات كبيرة مع لجان مجلس النواب التى تعهد قادتها بفتح تحقيقات تخص علاقة ترامب وعائلته المحتملة بروسيا والسعودية على خلفية موقفه من التحقيق فى التدخل الروسى والموقف من قتل جمال خاشقجى.
لا تعرف واشنطن ما يمكن أن يطلق عليه «استراتيجية ترامب فى سوريا»، خاصة مع وجود رئيس أمريكى غير تقليدى لا يعترف بالحسابات التقليدية لمنظومة العلاقات الدولية. ربما يكون لترامب استراتيجية بسيطة تتمثل فى الخروج من المستنقع السوري.
لكن أغلب الأمر أن ترامب لا يملك تصورا واضحا حول الأزمة أو أبعادها أو تداعياتها أو طرق إنهائها. لكن الأهم من البحث عن استراتيجية ترامب هو محاولة فهم الإطار الذى يتحرك فيه ترامب ويؤثر على قراراته السابقة وخطواته المقبلة بخصوص الأزمة السورية.
ليس لواشنطن أهداف استراتيجية مباشرة تهمها فى سوريا، ومن هنا يمكن تفهم عدم تحرك إدارة الرئيس الأسبق أوباما بجدية فى سوريا حتى مع تخطى نظام الأسد الخطوط الحمراء واستخدم أسلحة كيميائية.
فقط ترغب واشنطن فى تقليص نفوذ إيران بسوريا، وإعادة النظر فى تداعيات عودة النفوذ الروسى لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط الذى يمثل قلقا كبيرا فى دوائر الدفاع والمخابرات الأمريكية، لكنه لا يزعج ترامب بالضرورة.
* * *
يريد ترامب الظهور بمظهر من ينفذ وعوده الانتخابية مهما كان الثمن. أمام ترامب تحقيقات جادة حول الدور الروسى فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والتى لا يعرف أحد بعد مصير هذه التحقيقات والتى لا يستبعد معها احتمال وصول هذه التحقيقات لشخص الرئيس ترامب.
ولا بديل أمام ترامب إلا الاعتماد على قاعدته الصلبة التى تؤمن بـ«أمريكا أولا». إلا أن أخبار التطورات فى شمال سوريا ومقتل عسكريين أمريكيين من شأنه أن يقلب السحر على الساحر ولا يجد ترامب أمامه إلا الانصياع لتقديرات جنرالاته وتأجيل الانسحاب من سوريا لمستقبل قد يكون قريبا.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن.
المصدر: الشروق – القاهرة
عذراً التعليقات مغلقة