أحلف بسماها وبترابها
المقال الرابع من سلسلة مقالات: المقاومة مقاومتنا، المقال الأول هنا، المقال الثاني هنا، المقال الثالث هنا.
تتمييز المجتمعات الإنسانىة العربية بأقدميتها التاريخية، والتى شكلت مع المراحل التاريخية التى مر بها استمرارية القبول لسلطات القيم والعادات والتقاليد والأعراف العربية، والتى حافظ على الكثير من فاعلياتها ومحتواها وتأثيراتها والقبول بها، وعلى الرغم مما مر به ظروف قهر متنوع ومتعدد ومركب جعلت أيبور الحكيم الفرعونى يتسائل: لماذا تمكث التماسيح طويلا تحت الماء؟ ويجيب أيبور من كثرة ما يلقى إليها من المصريين من اليأس…، وجعلت الإمام جمال الدين الأفغانى يقول: عجبت لك أيها الفلاح الذى تشق بطن الأرض بفأسك ولا تشق بطن ظالمك، ويقول أبو القاسم الشابى: فمالك ترضى بذل القيود وتحنى لمن كبلوك الجباه.
وتميز تأثير هذا النوع من السلطة فى خلق فاعليات وماهيات ديناميات الرضى والتسامح والقبول والتعايش والتكييف والمرونة مع الواقع على مستوياته وسلطاته المتنوعة إجتماعيا واقتصاديا ودينيا، راسيا وأفقيا بدءأ من الأسرة والسلطة الأبوية وكبير العائلة والعزبة والقرية والحى والقبيلة والشيخ الإمام والقسيس والجامع والكنيسة والأمير والسلطان والملك والرئيس، ووصولا إلى سلبيات الرضى والقبول ، ومما شكل على مر التاريخ مرونة حاضرة قادرة على التكييف مع متغيرات الحياة وفاعلياتها، وعلى الرغم التحولات التى شهدتها المجتمعات العربي الحديثة نحو التحرر من سلطة هذه الفاعليات من خلال عمليات التحديث والتحرر والعقلانية التى مرت بها نحو التحرر من العبودية والخضوع للحاكم ومن خلال الثورات المصرية ضد الحاكم الطاغية والمحتل الاستعمارى والتغييرات التى عملت على إحداثها وتحقيقها هذه الثورات.
وعلى الرغم مما يدعيه بعض الباحثون من أن هزيمة 5 يونيو 1967 ميزت ديناميات هذه السلطة بالسلبية، وعبر الباحث الساسيى محمد السنوسى الداودى محمد عن ذلك قائلا: “كان لنكسة 1967 أثر كبير في تغير الشخصية المصرية حيث ظهرت فيها سمة التعبير عن خداع الذات والتسليم لزعامات كاريزمية بعيدة عن التخطيط السليم” ، إلا أن حقيقة الواقع الشعبى المصرى بعد الهزيمة أكدت تماسكه بقوة شديدة فى مواجهة النكسة.
وساهم كل الشعب بكافة مستوياته ودينامياته رأسيا وأفقيا فى حماية الوطن بدءا من تبرعاته بقوة شاملة للمجهود الحربى وتشكيل الكتائب الشعبية والمقاومة الشعبية ووصولا لحرب الاستنزاف التى خاضها الشعب بقوة الإيمان بالوطن وبقوة تضامنه الجماعى وبلا أية استثناءات وحتى نصر أكتوبر المجيد عام 1973.
اقرأ/ي أيضا: السلطة الدينيّة أعلى..
وكنموذج للتكاتف الجماعى والجمعى الإيجابى وبإرادة شعبية خالصة والذى يعبر عن قيم وعادات الوجدان والشعور والتماسك والتضامن الجماعى الإيجابى المصرى الفعلى :ــ رأينا الأطفال والشباب والفتيات والفتيان الوطن يساهمون فى حفر الخنادق وعمل دوريات الحماية الليلية لشوارع ومؤسسات الوطن ومن خلال قناعة وإرادة ذاتية وجماعية دفاعا عن الوطن، ومن هنا وجب التخلص من إبداع هذه الروح الجمعية المقاومة وتسييد قيم الفردانية والأنانية وتعزيز الفوارق الطبقية إجتماعيا واقتصاديا راسيا وأفقيا وإنهاء السلوك الحركى الجماعى والجمعى وتهميش الطبقة الشعبية المقاومة وأدوارها ووجودها بمختلف مستوياتها العليا والوسطى والدنيا حضريا وريفيا وصحراويا وساحليا.
وعبرت انتفاضة يناير 1977 عن كشف التمييز الطبقى الذى أحدثته السياسات المعادية للشعب والرفض الشعبى لها وتجلى ذلك فى هتافاتها: هم بيكلوا حمام وفراح وإحنا الفول دوخنا وداخ، هم بيلبسوا آخر موضه وإحنا بنسكن سبعة فى اوضه… إنزل إنزل من عابدين العمال بياتوا جعانين…. يا حاكمنا من عابدين باسم الحق وباسم الدين إنزل إنزل من عابدين، وفى ثورة 25 يناير:ـيا جمال قل لابوك الشعب المصري بيكرهوك، وحتى توحد الشعب مع أغانيه الوطنية ورددوا بقوة وتعديل ثورى إضافى لها: أغنىة عبد الحليم حافظ :ــ أحلف بسماها وبترابها..الحزب الحاكم الي خربها، وأغنية عبد الوهاب: أخي جاوز الظالمون المدى وكوكب الشرق أم كلثوم للصبر حدود” ونجاة الصغيرة: أسألك الرحيل.. وفى الثورة السورية: ما منحبك ما منحبك ارحل عنا انت وحزبك, وين النخوة العربية، يا مخبر سماع سماع انت الكلب ونحنا سباع، متكوب على جباهنا نفدي الوطن برواحنا، مابدنا يرخص مازوت بدنا الحررررية حتى الموووت، يا للعار يا للعار عا الشب القاعد بالدار، وفى الثورة التونسية: التشغيل استحقاق.. يا عصابة السراق تونس حرة حرة .. بن علي على بره، وخبز وماء، وبن علي لا، أوفياء أوفياء، لدماء الشهداء، الشهيد الشهيد.. على المبادئ لا نحيد. ومن أناشيد الثورة السودانية لمحجوب الشريف:
سجل سجل
أنحن الغضب الواعى
ضمير الثورة على استعداد
وبالمرصاد
سجل سجل
لا أغلال
لا إستقلال مع إستغلال
إستشهاد باستمرار
على استعداد
لا حرية بلا استبسال
وتصاعدت الممارسات والمخططات الخارجية والسلطوية فى تهديد الوحدة الوطنية واستعداء الطبقات الاجتماعية والاتجاهات الإيديولوجية وتأجيج الصراع والمعارك والحشد والتعبئة فيما بينها وعلى حساب الانتماء الوطنى وتمثل ذلك بداية من توجيه التيارات الدينية فى ظل ساسية الانفتاح ضد التيارات اليسارية ووصولا إلى تقسيم المجتمع إلى طبقية أيديولوجية متنوعة من طبقة دينية عليا ترتدى زيها الخاص وتدعى وحدها امتلاك تفسير النص المقدس وطبقة دنيا دينية تابعة لها ومنفذة لقوانين السمع والطاعة ودون إعمال العقلانية، وإلى طبقة عليا رأسمالية تحكمها المصالح الرأسمالية وحسب بغض النظر عن انتماءاتها وادعاءاتها الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية أيا كان نوعها.
اقرأ/ي أيضا: هل انتصر نظام الأسد على الثورة؟!
وعلى الرغم من كل هذه السلبيات والتحولات كانت ثورات الربيع العربى ومنها 25 يناير 2011 كثورة شعبية شارك فيها كل طوائف الشعب المصرى بتنوعها الرأسى والأفقى وعلى الرغم من محاولات تشويهها والاستيلاء عليها وادعاءات أن الشباب وحده هو الذى قام بالثورة وأنها ثورة الخديعة ولم تكن ثورة والترحم على النظام السابق، فقد عبرت فاعليات يوميات الثورة عن قيم التضامن والترابط والتكاتف والتماسك وقيم الشجاعة ورفض الخوف من السلطة والحاكم والعمل الجماعى وقيم الأيجابية فى مواجهة السلبية والفردانية والأنانية وربطت المصرى بوطنه بسلوكيات إيجابية تجاه مقاومة ديكتاتورية النظام القائم.
اقرأ/ي أيضا: لماذا يخاف المستبدون؟
عذراً التعليقات مغلقة