المقاومة مقاومتنا (1)
ستظل المقاومة الشعبية سلوكا وطنيا مهما كانت السلطة وبكل أدوارها المتعددة والمركبة والممتدة رأسيا وأفقيا داخل المجتمعات العربية والإنسانية وبأدوارا المؤثرة والمشكلة لفاعلياتهت وماهيتها، وبما تمثله وتشكله السلطة من أنواع متداخلة وبما يصعب الفصل بينها، مابين السياسة والدين والفكر والاقتصاد والقوة العسكرية والاحتلال الأجنبى والسلطة الاجتماعية بمكوناتها المعقدة والمركبة ومن خلال ممثليها أفرادا وجماعات وأنظمة مركبة ومتنوعة، وفوقية وتحتية.
وبما جعل سلطة الحكم تؤدى دورا فى أغلبه -إلا ماندر- على مر مراحل التاريخ يتمثل فى أدوار الطغاة والجبروت والإذلال وصياغة مستويات السلوك الفردى والجمعى والتحكم فى فاعلياتها وبالتالى التأثير فى تشكيل العقل الفردى والجمعى والوطنى وبما يحقق الخضوع للسلطة الحاكمة بداية من الحاكم /الملك / السلطان / الأمير / الوالى / الدولة / الحكومة / السياسى وإلى درجة سعى هذه السلطة الوصول للتقديسها والتعامل معها بكونها الحاكم الإله وكما فى التراث المتداول شعبيا من خلال “ألف وليلة ” فكلما دخل الملك إلى محل حكمه وجلس على سريره “ولى وعزل وأمر ونهى” وبقيام آلته القهرية “مسرور السياف” لتنفيذ أوامر القهر والطغيــان وكنمــوذج مازال يحكم الواقع العربى.
وتعرف المقاومة بأنها: ” بذل الطاقة ضد اتجاه ما بحيث تقف نحوه موقف عكسيا، كما أن المعارضة تتضمن الجهود التى تبذل لمقاومة أفكار شخص آخر أو جماعة أخرى ويقال المقاومة الاجتماعية للتفاعل الاجتماعى الذى يتضمن المنافسة والصراع، والمعارضة فى السياسة هى االجماعة التى تعمل متضامنه لتعارض الحزب الذى يتولى الحكم وتحاول دخول الانتخابات للفوز بالحكم.
والمقاومة من الناحية السياسة رفض الأوامر وصد القوة، وقد تكون المقاومة سليبة وهى المقاومة التى لا تقوم على العنف والمقاومة السلبية تعنى رفض التعاون و المقاومة من الناحية السيكلوجية عبارة عن معارضة غريزية بالمعنى الديناميكى لأية محاولة لنقل موضوع من اللاشعور إلى الشعور أو إلى تجريد اللاشعور وبذلك يستبعد الشعور الموضوعات المكبوتة أو الميول التى تكدر.
ولقد مرت الحياة العربية فى كافة أنحاء واقعها الجغرافى الممتد بعمق التاريخ بكافة أنواع السلطة والحكم بداية من الحاكم/الملكة الإله المطلق الذى يمثل الإله ويدعى الإلوهية أو الذى يستمد سلطة من الإله، والأنظمة الفردية والتى لا قيمة فيها لرأى الشعب ومرتكنا إلى شرعية الوراثة الملكية أو إدعاءات المصلحة الوطنية أو الدينية وحيث يجمع الحاكم جميع الاختصاصات ويمارسها وحده أو من خلال جماعاته الخاضعة له وهيمنة رجال الإقطاع والرأسمال على مقدارت الوطن ولأجل ذواتهم ولأجل رجال الحاكم وزوال مصلحة الوطن والشعب والفرد وحريته فى سبيل الحاكم وبدون رقابة وباستخدام طرق القهر والعنف.
والأنظمة التى تدعى الديمقراطية وتؤسس لتمركز سلطات دستورية مطلقة للحاكم تمنع من مراقبته ومحاسبته وتؤسس لخضوع الوطن وأفراده له ولجماعاته وعلى اعتبار أنه وحده الذى يمثلهم وليتأسس الحكم على القوة السلطوية وبتفعيل كافة أجهزة القهر والسيطرة ومن أجل استمرارية سيادتهم وشرعيته وبأنظمة تؤسس لهذه الممارسات تحت مسميات الحكومة والبرلمان والوالى والأمير والعمدة والمحافظ والبكوات والبشوات وبما لهم من سيادة تتشكل من امتلاك سلطة استعمال القوة داخل حدودها وكممثلة للحاكم وامتلاك الحق أو السلطة في إصدار وتنفيذ الأحكام أو القوانين.
وعلى الرغم من هذه السطلة الديكتاتورية والإحتلالية الإجرامية التى شهدها تاريخ العالم العربى وواقعه الآنى المعاش وعلى سبيل المثال للمقاومة الشعبية العربية فقد أثبت المصرى الشعبى طوال تاريخه مقاومته للغزاة وللمحتل فردا على جرائم الاحتلال الإنجليزى البشعة فى حق أهالى أسيوط قام شهيد الوطن المصرى مأمور بندر أسيوط البكباشى محمد كامل والذى أعدمه الاحتلال الإنجليزى فى 10 يونيو 1919 رميا بالرصاص داخل أحد معسكرات الاحتلال الإنجليزى.
حيث رفض الشهيد الجرائم الإنجليزية ضد الأهالى العزل الذين ثاروا ضد نبأ إعتقال الزعيم سعد زغلول ونفيه إلى مالطة وخرج طلبة المعهد الدينى ومدرسة الأمريكان ومدرسة إخوان ويصا والمدرسة الثانوية فى أسيوط فى تظاهرة وهم يرددون “الاستقلال التام أو الموت الزؤام” فأطلق الإنجليز عليهم الرصاص مباشرة وفى وحشية وتساقط مئات الشهداء والجرحى وسالت الدماء فى الشوارع.
واعتقلوا الزعماء المحليين بهمجية ووحشية وتمسك الأهالى بالمقاومة وانتقلوا نحو معسكرات الاعتقال وتصاعدت المقاومة مع قيام قوات الاحتلال بقصف المدينة الباسلة بطائرات حربية فى غارات وحشية وبدون أية تفرقة وازدادوا مقاومة ففتح الشهيد البكباشى محمد كامل غرفة “السلاحليك” على مصرعيها للثوار ليقاوموا إجرام المحتل الإنجليزى ، وأعلن رافضا تسليم نفسه موجها رسالته للقائد الإنجليزى: “لن تدخلوا المدينة إلا فوق على أشلائنا” فأمطرت قوات الاحتلال المدينة بالقذائف المدفعية وقاوم الأهالى المحتل حتى وصلت من القاهرة التعزيزات الهائلة السافرة فاعتقلته وأعدمته وتناسى الكثير من مثقفى مصر وفى إطار مهاجمتهم للشعب المصرى تاريخ المقاومة الشعبية والتى ضحى فيها الشعب المصرى بحياته وكل ممتلكاته من أجل الوطن.
وتمثل مدينة السويس الباسلة المقاومة الشعبية المصرية للمحتل عبر تاريخ المقاومة الممتد عبر التاريخ المصرى، ورفض أبناء السويس تسليم المدينة فى أكتوبر 1973 للعدو الصهيونى والاستسلام أو تدمير المدينة بالطيران الصهيونى فتعرضت المدينة لحصار شديد من القوات الإسرائيلية وقصف مستمر من الطائرات وتقدمت إلى المدينة 200 دبابة وكتيبة من جنود المظلات وكتيبتين من جنود المشاة بعربات مدرعة، وأقتحمت قوة من الجيش الإسرائيلي مبنى قسم شرطة الأربعين وحاصرته بدباباتها ومدرعاتها إلا أن رجال المقاومة تصدوا لها مع عدد من رجال القوات المسلحة في معركة دامية، كانت نتيجتها تدمير جميع دبابات العدو ومدرعاته التي اقتحمت المدينة، وسقوط عدد من رجال المقاومة شهداءا.
وبدأت أعداد القتلى والجرحى الإسرائيليين في التزايد بأيدى رجال الجيش المصرى ورجال ونساء وأطفال السويس حتى تم اندحار القوات الإسرائيلية عقب أكبر هزيمة لمعركة الدبابات حيث فقدت إسرائيل فيها 76 دبابة ومصفحة بأسلحة المقاومة، ولم تكن المقاومة الشعبية فقط بالسلاح والجسد ولكن بالفن الشعبى من خلال أغانى الصمود والمقاومة حيث تشكلت فرقة أولاد الأرض والتى قدمت أغاني المقاومة والنصر والعبور ورفعت بقوة من الروح المعنوية للشعب المقاومة.
وغنى الشعب المصرى كله مع محمد حمام لبيوت السويس: استشهد تحتك وتعيشى أنت، وحينما حاول القوات الصهيونية حصار الناس والبيوت فى السويس بعد الثغرة، وغنى الشعب المقاومة مع الكابتن غزالى عندما أعلن بقوة :وعضم إخواتنا.. نلمه.. نلمه.. نسنه.. نسنه.. ونعمل منه مدافع وندافع وندافع.. ونجيب النصر هدية لمصر، وضربت السويس نموذجا للشعب المقاوم المناضل فقد تنازلت مدينة السويس راضية عن مخزون المياه لأبناء جيشها الباسل لتمكنهم من الصمود والمقاومة.
وأخذت المدينة تبحث فى تربتها عن الماء حتى وجدته مالحا قرب سطح الأرض أحيانا وفى مواسير المياه أحيانا أخرى، أو فى بئر تفجرت مياهها بقدرة الله ليخفف الشدة فى وقت عصيب، كما تحملت المدينة جنود المؤخرات وسكان القطاع الريفى والزراعى فى المناطق التى اخترقها العدو، واكتفى الفرد فيها برغيفين من الخبز وقبلها كان البحث جاريا فى المخلفات عن كسرة خبز جافة تسد الرمق، فقد شهدت المدينة أثناء الحصار احتراق جميع مخازن السلع الغذائية بالجملة وبها كميات من الأرز والسكر والخضراوات، بجانب أزمة نقص الوقود فقد توقفت المخابز عن العمل بسبب قيام العدو بالاستيلاء على المواد البترولية بدائرة المحافظة وبالرغم من كل ذلك حافظ السوايسة على صمودهم وكفاحهم ليضربوا بذلك اكبر معانى النبل والتضحية من اجل الدفاع عن مدينتهم وحمايتها ( حوار مع مؤرخ المقاومة حامد محمد حسب حوار سيد ون، دوت مصر، 23 أكتوبر 2014).
وتمتد المقاومة الشعبيبة من كافة السلوكيات المقاومة بداية من الكتابة على جدران المنازل والأبنية الحكومية والاجتماعية وارضية الشوارع والمحال التجارية والمدارس وكما فى ثورات الشعب المصرى فى انتفاضة يناير 1977 وفى ثورة 25 يناير ” إرحل إرحل ” و” قولوا عيش قولوا حرية يا أولاد مصر العربية” و” عيش حرية كرامة إنسانية”.
وكما الثورة السورية: “الثورة مستمرة” و”الموت ولا المذلة” و” ارحل ارحل هو هو هو ” و”مش خايفين مش خايفين” وإلى انتقاد السلوك السلبى: “يا للعار يا للعار عا الشب القاعد بالدار” ومن شعارات أيام الجمعة المقاومة “بخطوطكم الحمراء يقتل السوريون” ومن شعارات الانتفاضة الفلسطينية ضد المحتل الإجرامى الصهيونى: “نموت نموت وتحيا القدس والشهادة احلى عرس” و”يا جنود الاحتلال قتلتو النسوة والاطفال.. ليل الظلم مهما طال بدو يزول لا محال” و”مهما تهدم من بيوت بنبقى هونا حتى نموت” ولتظل المقاومة الشعبية تمثل الحياة الحقيقة للشعوب العربية التى تتعرض للقهر والظلم والاحتلال .. فالمقامة مقاومتنا.
عذراً التعليقات مغلقة