هل انتصر بشار الأسد؟!
- الطرف الذي ينتصر عسكرياً انتصاراً حاسماً قد يُهزم سياسياً هزيمة مطلقة!
- هناك هذيان بالعظمة وشعور بالنصر في دمشق، وعلى ذلك مؤشرات.
- الانتصار يعني إزالة مظاهر الحرب وعودة الحياة المدنية وعدم تعليقها على شماعة إعادة الإعمار، وليس سلوكا انتقاميا عسكريا.
بقلم: ظافر محمد العجمي
في مقابلة له قبل سنوات، قال الرئيس السوري رداً على سؤال عن كيف يريد التاريخ أن يشير له، فقال: «سيكتب التاريخ أنني الرجل الذي أعاد توحيد سوريا».
ورغم إيماننا العميق بأن علينا التسليم للزمن بحقه في توضيح الرؤية في سوريا، وأن شخصيات بالغة الصغر قد مرّت وسيمر غيرها أمام نافذة التاريخ الواسعة دون أن تترك اسمها، إلا أننا لا نستطيع تجاوز أن هناك هذيان بالعظمة وشعور بالنصر في دمشق، وعلى ذلك ثلاثة مؤشرات:
– تحركات حزب البعث العربي الاشتراكي عبر مؤتمرات ليست لكبار كوادره فحسب، بل لمنظمات طلائع البعث الصغار بنغمة الثورية والمقاومة والصمود بإزالة الآثار الفكرية والإرهابية المفروضة على الشعب السوري.
- عودة تماثيل حافظ الأسد من المخازن والصناديق – بعد أعوام على إزالتها خوفاً من تحطيمها- إلى ساحات محافظات سوريا الخاضعة لسيطرة النظام بانتظار تطويع الناس لتقديسها.
- إعلان النظام عن لائحة تمويل الإرهاب التي ضمت 615 شخصاً و105 كيانات من جنسيات عربية وأجنبية في غالبيتهم سوريون، يليهم السعوديون وعددهم 67، ويليهم في المرتبة الثالثة اللبنانيون وعددهم 42 شخصاً، في حين جاء الكويتيون في المرتبة الرابعة وعددهم 30 كويتياً، فيهم نواب ووزراء حاليون وسابقون وسفراء ودعاة.
لكن دمشق تتجاهل واحدة من أعمق الجدليات في التاريخ، فالمكوّن الذي ينتصر عسكرياً انتصاراً حاسماً قد يُهزم سياسياً هزيمة مطلقة، فقد انهزم سياسياً بوش الأب وهو المنتصر في عاصفة الصحراء، وقبله تشرشل وهو المنتصر في معركة بريطانيا بالحرب العالمية الثانية، ثم ديغول وغيرهم كثير.
فبشار الأسد قد أثبت أنه قادر على العمل على كل أنواع فرضيات الصراع، وفي ذلك مقتله، فلديه مخزون من العنف يكفي جيلاً كاملاً، والقراءات التي شكلت معجمه هي المقاومة والصمود والحرب والإرهاب والقتل.
وفي محاولة جادة تلتزم الحياد في مقاربة المشهد السوري بعد انتهاء العنف، نعيد التذكير أنه أعاد بناء تماثيل والده بدل إنشاء مجالس محلية لنشر ثقافة السلم والسلوك المدني، ونشر مفاهيم التعايش المجتمعي بعد الصراع.
وبدلا عن وضع قوانين بلدية تحد من عودة السكان لتغيير التركيبة الديموغرافية، وتهدف إلى تعقيد عودة النازحين إلى منازلهم، فإن انتهاء الحرب في العرف الدولي وفي الحروب الحديثة، يعني إزالة آثار الحرب فوراً، بدل تعليقها على شماعة خطط إعادة الإعمار!
وذلك بإرجاع الخدمات الأساسية وتعبيد الطرق وطمر حفر انفجار الألغام والقنابل، وإزالة السيارات المحترقة، وإعادة المياه الصالحة للشرب والكهرباء بعد هدم الأبنية الآيلة للسقوط، وترميم ما يمكن ترميمه بطرق مهنية لمساكن كل فئات المجتمع، ثم فتح المستشفيات والمدارس مع استبدال المناهج الدراسية القديمة التي لا تواكب ما يجري في العالم.
يعني الانتصار إزالة جميع مظاهر الحرب وعودة الحياة المدنية إلى طبيعتها، وعدم تعليقها على شماعة خطط إعادة الإعمار، وليس توجيه الحكومة جميع جهودها ومواردها نحو الأغراض الانتقامية العسكرية بدل إقامة وزارة إزالة آثار الحرب.
* د. ظافر محمد العجمي أكاديمي كويتي، المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة أمن الخليج.
المصدر: العرب – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة