ترشيد القرار السياسي في العالم العربي
- هناك عدد لا متناهٍ من العوامل التي يجب احتسابها من قبل متخذ القرار السياسي.
- اتخاذ القرار بحاجة لإجراءات وعمليات تحصنه قدر الإمكان من الأخطاء.
- نحن بحاجة لمراكز تفكير تجمع الأكاديميين والمسؤولين السابقين وأهل الاختصاص.
- في إدارة ترمب، القرار في واشنطن اليوم يتخذ أولاً ثم تبدأ هذه العجلة في العمل لتدارك القرار وتداعياته.
بقلم: ماجد الأنصاري
اتخاذ القرار على المستوى السياسي هو من أعقد عمليات اتخاذ القرار، فعلى عكس القرار التجاري مثلاً لا يحدد عاملا واحدا فقط مثل الربحية تجاه القرار. فهناك عدد لا متناهٍ من العوامل التي يجب احتسابها من قبل متخذ القرار السياسي:
التأثير الداخلي على الرأي العام، والخارجي على العلاقات مع الدول الأخرى، كيف يتأثر التفاهم بين أطراف اللعبة السياسية بهذا القرار وكيف تكون ردة فعل جماعات الضغط والإعلام، إذ على السياسي أن يتخذ القرار بشكل يحقق التوازن بين كل هذه الأمور وغيرها ولذلك نقول إن القرار السياسي ليس كغيره.
في الدول ذات الأنظمة السياسية الناضجة يعتمد القرار السياسي على مجموعة الأجهزة المساندة من داخل وخارج النظام السياسي، فحينما يتطلب الأمر اتخاذ قرار سياسي معين يعتمد صانع القرار على توصيات من الأجهزة الحكومية المختلفة ذات الصلة والتي يتم تنقيحها من قبل المستشارين لدى صاحب القرار بشكل مباشر.
ثم يمضي القرار في جولات ذهاب وإياب بين راسم السياسة والجهات المعنية، وفي خضم ذلك كله يطلب من مراكز الفكر والأبحاث المختلفة تقديم توصيات حول موضوع القرار كلٌ واختصاصه.
وفي نهاية المطاف تقوم دائرة اتخاذ القرار بتصميم القرار السياسي مع احتساب كل تلك المشورة، لا يعني هذا أن القرار في هذه الدول يكون محصناً من المصالح الشخصية والرؤى الضيقة، ولكنه بلا شك يكون مدروساً.
هنا ننوه إلى أن ما يحدث حالياً في إدارة ترمب لا يعكس هذا على الإطلاق، فالقرار في واشنطن اليوم يتخذ أولاً ثم تبدأ هذه العجلة في العمل لتدارك القرار وتداعياته.
الثقافة السياسية في المنطقة العربية لا تحتوي حتى الآن على آليات ناضجة في اتخاذ القرار السياسي، فرغم عقود طويلة وتحولات مختلفة مرت بها الدولة في المنطقة العربية، إلا أن القرار مع استثناء نماذج محدودة هو نتاج عمل دائرة صغيرة من أهل الثقة وليس بالضرورة أهل الاختصاص.
صحيح أنه في العديد من الدول العربية تمر عملية اتخاذ القرار بممارسة طلب التوصيات من الجهات المختصة، لكن غالباً ما تكون القرارات في النهاية فردية لا نتاج تحليل شامل لمعطيات كاملة.
وعلى الأخص تفتقد المنطقة العربية مراكز الفكر والأبحاث ذات الصلة بالمؤسسات الرسمية والتي تساهم بشكل فاعل في اتخاذ القرار.
غياب هذه المؤسسات التي تكون خارج المؤسسة الرسمية وبالتالي تتمتع باستقلالية كافية في التفكير وقريبة من مؤسسات الحكم بحيث تكون قادرة على إيصال توصياتها يؤثر سلباً على قدرة صانع القرار في الحصول على معطيات شاملة غير متأثرة بالحسابات السياسية الضيقة والخلافات بين الأجهزة الحكومية حول القضية المعروضة أمامه.
المعادلة ليست صعبة، اتخاذ القرار بحاجة لإجراءات وعمليات تحصن قدر الإمكان من الوقوع في الأخطاء، وهذا التحصين يتم من خلال وضع كافة المعطيات في آلة تحليلية تنتج توصيات واضحة.
هذه التوصيات قدر الإمكان يجب أن تكون خالية من تأثير العمل اليومي والصراعات المؤسسية وبالتالي تحتاج إلى تواجد أجسام للتفكير.
في السياق الغربي أوجدوا لذلك مؤسسات تحت عنوان خزانات الفكر، وهي مراكز التفكير التي تجمع بين الأكاديميين والمسؤولين السابقين وأهل الاختصاص المهنيين وتنتج أوراق السياسات والتقارير حول مختلف القضايا.
هذه المراكز بعضها يقوم على أساس تقديم التوصيات المستقلة والبعض الآخر قد يمثل مصالح مجموعات معينة ويدفع بها، لكن على مستوى اتخاذ القرار السياسي تساهم هذه المؤسسات بشكل كبير في ترشيد القرار وتوفير تحليل متوازن للمعطيات، يعطي ذلك على الأقل صانع القرار ثقة في الاتجاه الذي يريد أن يأخذه ومعرفة بتداعيات قراره تحصنه من التبعات.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر
المصدر: الشرق – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة