تفكيك الوهم: الأصولية بين فكر الخلاص وفكر الخلافة
- (1-1) صناعة الخطر، سلسلة مقالات حول الوهم الذي تعاني منه الشعوب من الأنظمة الحاكمة
لابد من صناعة الخطر والعدو وممثل الشيطان ومحور الشر ومصدر الشر الذى يجب أن يتم التخلص منه وتحرير الكون منه والقضاء عليه لأنه مضاد للقداسة ومضاد للإله ومضاد لكتاب الله ولممثلهما السلطان الحاكم الإمام الخليفة صاحب القداسة، ومن هذا منطلق يتم تسييد أدوات القتل والقهر والطغيان والاستبداد والاحتلال والاستيطان والتهجير والتخوين وقتل وتشريد وطرد وترويع الآلف والملايين من الآمنين من العرب والمسلمين.
وفى تحالف لم يعرفه التاريخ من قبل بمثل هذا الحجم والتركيب والتنوع والتداخل بين أنظمة ديكتاتورية استبدادية وأخرى ترفع رايات الديمقراطية وجماعات ترفع رايات الإله وتتحدث باسمه وقوى استعمارية غربية وصهيونية وتتراكب معها وبداخلها التعاقدات والتحالفات الدينية وغير الدينية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
وفى كل بقاع الأرض المعمورة وغير المعمورة، وما بين اليمين المتطرف وغير المتطرف وما بين اليسار المتطرف وغير المتطرف، وفى إطار الإلتقاء بين كراهية الآخر الحضارى والآخر الداخلى والخارجى والتحالف مع هذا الآخر فى حروب ومواجهات دموية ومسلحة تحت مزاعم متنوعة منها الانتصار للديمقراطية، والحرب على الإرهاب بل وفى ذات الوقت تحالف مع الإرهابيين، وللتتصاعد بقوة صناعة الخطر منذ التفكير فى تنفيذ مخططات إنشاء الكيان الصهيونى ومنذ إقامته وإلى وضعنا الحاضر حيث العدو وممثل الشيطان ومصدر الشر ومنذ عصور ممتدة تاريخيا أصّلت للبغى والإضطهاد والظلم والعدوان والاحتلال، ومع ثورات الربيع العربى والصراعات الدموية التى انطلقت من المجتمعات التى طالتها الثورات، وفى تلاقى وتداخل وتحالف واسع النطاق بين كافة أنواع الاستبداد من الاستبداد الدينى والاستبداد السياسى والاستبداد الاقتصادى والاستبداد الاجتماعى، وتحالفاته وارتبطاته بالقوى الاستعمارية والرأسمالية العالمية، لتكون الذروة هى الاحتكار للماهية الدينية والسياسبة والثروة الاقتصادية والتحكم فى مصالح ومقدرات المواطن والأوطان.
ومن قبل قلة تتدعى تمثيلها للإله الدينى أو للسلطان الحاكم أو كلاهما معا ليصبح المواطنيين ولتصبح الأوطان ملكية خاصة يتحكمون فيهما كيف يشاؤون وكيف تشاء مصالحهم وسيطرتهم، ولتصير ماهية التحكم هذه أيا كان الانتماء الدينى نوعا من الإقامة التعبدية التى تستهدف تحقيق الوعد الإلهى بالتمكين أو إقامة حكم الله الأرض كإرادة إلهية واجبة التحقق من أجل نعيم جنة الإله وبالتالى تصير عمليات القتل والتخليص والخلاص والتعذيب والحرق والعنف جهادا بإرادة الإله وللإله وعلى نحو استعادة مملكته و إقامةهيكله، أو إقامة الخلافة وقتل الشرك وتحقيق منهج النبوة، وكلاهما عند الاتباع حقيقة واحدة مطلقة يمتلكونها وحدهم وبالتالي فإن عقائد الآخرين باطلة وهم كفار مشركون بالله، فليس هناك مجالا للتعايش التسامح والتواجد مع الآخر، فهم يشكلون الجاهلية والباطل ويتبعون خطوات الشيطان ولا يريدون الحق، ووجب محاربتهم ونصرة الحق الذى يمتلكونه ويمثلونه وحدهم.
وكعملية ممنهجة ومنظمة، تجري رعايتها وحمايتها ودفعها من كل هذه التحالفات المتعددة والمركبة والمتنوعة هدفها الأساسي تزييف الوعي، وقلب الحقائق وإشعال الصراع والاقتتال وتفكيك الأوطان والسيطرة على مقدراتها وهدم ماهيتها الحضارية وتراثها الإنسانى الشعبى والعمرانى والأثرى، ومن خلال هذه العملية الممنهجة تم القضاء على ثورات الشعوب العربية ونجاحاتها فى القضاء على الأنظمة السياسية الديكتاتورية وتطلعات شعوبها إلى تغيير وجه الحياة والتحرر من الطغيان وفتح أبواب المستقبل وآفاقه واكتساب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والديمقراطية ووصولا إلى حد تشكل قناعة لدى الكثير من المواطنين تتمثل فى الترحم على أنظمة الأستبداد التى قامت الثورة من أجلها، والذين أصبحوا يواجهون زيادة مع الفقر والتخلف والاستبداد، التكفير والتطرف والقتل والطرد والاستبداد العقائدى والمذهبى والاستعباد العقلى وإخضاعهم تحت فوهات البنادق والرشاشات والقنابل والصواريخ، للآلهة الجدد.
ولتدار المجتمعات الخاضعة بآليات وفعاليات دموية مركزية فوقية شمولية احتكارية للسلطة والثروة والبشر والعقيدة والهوية، وليتحول العداء الوطنى والشعبى للسياسات الاستعمارية الغربية والصهيونية وكصورة ذهنية ومرجعية وقيمية شكلها النضال الوطنى فى مراحله التاريخية المختلفة إلى عداء داخلى متصاعد بين أفراد الوطن وجماعاته ومكوناته ومستوياته رأسيا وأفقيا، ولتتقاسم التحالفات المركبة ما بين الغرب الاستعمارى والكيان الصهيونى ومع ممثليهما وأعوانهما فى المنطقة انتهاك الأوطان وحرية الأفراد، وتحويل قيمة المقاومة للآخر الاستعمارى وأعوانه إلى قيم الصراع والاقتتال بين الأنا والآخر داخل الوطن الواحد والذى أصبح فيه لا معنى لكلمة وطن بل أصبح المناداة بها خيانة لله والدين ونفيا لخلافة الله الأرض فلا وطن ولاهوية إلا إلى العودة الماضوية المتمثلة فى إعادة دولة الخلافة.
ولتتحول الديانة سواء كان أنصارها يسعون للخلاص وإقامة مملكة الإله الموعودة فى الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات، أو يسعون إلى تحقيق سيطرة الطبقة المنصورة على الأرض وإقامة الخلافة الإلهية على الأرض، إلى كينونة منغلقة ثابتة لا تتجاوز شكلياتها وتتعداه إلى التمييز العنصرى مع الأخر وبين من تشملهم المملكة أودولة الخلافة، وهو ما تنفيه سماحة الدين ذاته، ولتتأكد فى إطار استراتيجية السياسات الدعائية الغربية والصهيونية الصورة النمطية عن العرب بأن العرب همج وبرابرة وقتله لا يعرفون التمدن والحضارة ولا الديمقراطية وأنهم خطر على الغرب والحضارة الغربية، وبالتالى تبرير وتفعيل كل السياسات الغربية والصهيونية الإجرامية من التهويد والتفتيت والتفكيك والسيطرة الاقتصادية على مقدراتهم.
عذراً التعليقات مغلقة