بقلم: حسين شبكشي
ظهرت دراسة نشرت في صحيفة “نيويورك تايمز” أن الجيش السوري بلغت فيه الطائفية حدا خطيرا جدا، فهي توضح أن هناك ألف منتسب في كل دفعة بالكلية الحربية من الطائفة العلوية (التي تنتمي إليها عائلة الرئيس بشار الأسد) مقابل 100 من الطائفة السنية و100 آخرين يمثلون كافة المزيج المتنوع المتبقي من الطوائف والأقليات.
ليس سرا أن الجيش السوري، وخصوصا المراكز القيادية فيه كانت دوما ولا تزال من نصيب الطائفة العلوية، وأن من ينصبون في مراكز قيادية من الطائفة السنية لا يوجد معنى حقيقي للمنصب، لأنه دون صلاحيات تنفيذية جادة.
حافظ الأسد الذي جاء إلى الحكم من رحم جيش وطني غير طائفي أدرك أن عليه «تمييع» هوية الجيش للحفاظ على الحكم، فبدأ بترويج فكرة أن الجيش قومي وعروبي ومنتم لحزب البعث عقائديا، وخلال تلك الفترة بدأت الكثير من الأسر المهمة توجه أبناءها نحو التجارة والأعمال المهنية وبعيدا عن الخدمة العسكرية والسلك العسكري.
والتفت حافظ الأسد لهذه المسألة جيدا وبدأ في إغراء العشرات ثم المئات ثم الآلاف من أبناء طائفته للانخراط في السلك العسكري والاستفادة من ذلك الأمر بشكل ملموس.
ولكن لغة الأرقام تتحدث وبعنف وقوة الثورة السورية التي تجاوزت مدتها السبعة عشر شهرا وحصدت أكثر من 17 ألف قتيل، والجيش السوري النظامي المقدر حجمه بـ400 ألف عنصر أنهكته الحرب على الشعب، وبدأت علامات الانشقاقات بين عناصره في التأثير عليه، وكذلك هناك مسألة أخرى متنامية الأهمية آخذة في التأثير وهي أن هناك 80 ألف شاب أغلبهم من الطائفة السنية تخلفوا عن تسليم أنفسهم للجيش وذلك لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وهناك أعداد أخرى متزايدة ترفض تنفيذ أوامر قيادتهم العليا بتنفيذ عمليات محددة ضد السكان في المدن المحاصرة.
حتى داخل هذا الجيش الذي كان يروج للناس أنه ينتمي لفكر علماني قومي ولا يميز بين أبناء القطر الواحد، يكتشف الناس هناك وجود طبقات من التميز والأفضلية؛ فالفرقة الرابعة تضم نخبة النخب من الطائفة العلوية، ومعنية بحماية النظام والدائرة المقربة جدا منه، وكذلك الأمر بالنسبة للحرس الجمهوري الذي تقول التقديرات إن عدد المنتسبين إليه يبلغ الـ60 ألف عنصر، وهناك تقديرات مهمة تفيد بأن عدد أفراد أجهزة الاستخبارات الأربعة يتجاوز عددها الـ150 ألف عنصر، وهناك قناعة واعتقاد كبير أن الجيش تم تنظيمه بهذه الهرمية الدقيقة المتنافسة والمعقدة لكي يتفرغ لدوره الأساسي وهو حماية النظام من الشعب.
فحافظ الأسد كان دائما يدرك أن وصوله للحكم وتمكنه من السلطة يجب أن يكون ضمن مخطط طويل الأجل يضمن فيه ولاء المؤسسة الأهم في البلاد، وهي الجيش، لخدمة هذه الفكرة، وظهر الأمر جليا وبوضوح إبان مرحلة تسليم السلطة لبشار الأسد بالتدريج عبر تدرجه الصاروخي في المناصب المختلفة حتى وراثته لمنصب الرئيس بعد وفاة والده.
ولذلك جاء خبر انشقاق مناف طلاس العسكري المقرب والمسؤول عن إحدى الفرق الحيوية في الجيش السوري بمثابة الخبر الصادم جدا لمؤيدي بشار الأسد، وذلك لأن مناف طلاس تربطه بالرئيس السوري بشار الأسد علاقات صداقة وزمالة طويلة الأمد، وكان يعتبر من عناصر النظام وأهمها.
ولكن لم يكن التعليق الذي صدر من وسائل إعلام نظام بشار الأسد بعيدا عن الواقع هو ايضا، إذ أوضح أن مناف طلاس لا قيمة له في المنظومة العسكرية للجيش السوري، وأنه ليس له وزن حقيقي، وهذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن تعرف الآن أن هذا النظام ما هو إلا آلة تفريخ واضحة للطائفية بامتياز وجه موارده عبر الزمن منذ أن تمكن من السلطة لتكريس الفكرة الطائفية، وأن يكون الحكم والمصلحة المصاحبة للحكم مرتبطين تماما بقوة الطائفة، وعلى أن يكون الولاء والأولوية لذلك، وتم تسيير الأنظمة والمصالح لأجل تحقيق هذا الهدف، وقد كان لهم ذلك، ولكن لكل أجل كتاب وللظلم نهاية.
هذه المشاهد التي نراها في فصول الثورة السورية هي نتاج طبيعي للظلم والتمييز والتفرقة العنصرية والطائفية التي دفع ثمنها لسنوات هذا الشعب الكريم الغاضب.