مطامع الغرب في الدول العربية مسلسل مستمر لا ينتهي على مر التاريخ
نزيف من الثروات العربية المهدرة لا يتوقف على مر التاريخ، ورغم سرقة الكثير منها لا تزال محط أطماع و فريسة لمخططات غربية تهدف إلى انتزاع هذه الثروات من شعوبها من خلال ادخالهم في دوامات لا نهائية من الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية، ومن الدول التي كانت محط للاطماع منذ اندلاع الثورة بها هي “ليبيا”، والتي حُصدت ثرواتها المنهوبة بما يقرب من بلايين الدولارات التي هي حق الشعب الليبي وأجياله المتعاقبة، وعلى الرغم من ذلك لا زالت محط صراع غربي، والتي أتخذ منها الغرب بوابة لتوتر الأوضاع بها وبدول الجوار العربي الذي يحيط به من خلال أخطر تنظيم إرهابي “داعش”.
خيانة المجتمع الدولي لـ”ليبيا”
بعد وفاة الراحل معمر القذافي، سرعان ما تنصل الغرب سرعان عن مساعدة ليبيا ماليا وسياسيا كما وعد، بل إنه رفض إعادة الأرصدة المالية الكبرى المودعة لديه ليستفيد منها الشعب الليبي ويعيد بناء دولته، علمًا بأن هذه الأرصدة كفيلة بأن تجعل من الشعب الليبي من أغني شعوب المنطقة، خاصة وان التقديرات الدولية تشير إلى أن إجمالي الأموال والأصول الليبية بالخارج يتراوح بين 350 – 500 مليار، منها 170 على شكل استثمارات في البنوك الغربية.
فوفقا لما كشف عنه الصحفي الأرجنتيني إدواردو فيبو في مقاله المعنون ب ‘كنوز القذافي التي سرقها الغرب” فأن الوعود التي قدمتها الدول الغربية للشعب الليبي في إحلال الديمقراطية في ربوع البلاد حال التخلص من نظام القذافي، لكن تلك الوعود ذهبت مع الريح، حتى تلك التي تتعلق بإعادة الأرصدة المالية الضخمة التي زعمت بأن عائلة القذافي تحتفظ بها في بنوك الغرب”.
ووفقا لهذا المقال ذاته، أوضح”فيبو”، أن 27 دولة في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى كندا والولايات المتحدة وسويسرا وأستراليا قامت بتجميد الأصول الليبية طبقا لقراري مجلس الأمن 1970 – 1973، إلا أنها بعد سقوط نظام القذافي لم تف بوعودها في إعادة الأموال المجمدة لأصحابها.
فضيحة “ساركوزي” وتمويل حملته الانتخابية بأموال ليبية
فضحت شهادة رجل الأعمال اللبناني زياد تقي الدين، صاحب الأصول الفرنسية، واقعة تسلم الرئيس الفرنسي السابق “ساركوزي” للأموال من ليبيا والتي كانت مخصصة لتمويل حملته الانتخابية عام2007، حيث أكد على لقائه الرئيس الفرنسي وقت تلقي الأموال بليبيا.
ولا يمكن لعاقل ان تقبل فرنسا بأن تهتز سمعتها الدولية ويوجه قضائها الاتهام إلى الرئيس نيكولا ساركوزي بتهمة التمويل الليبي لحملته الانتخابية بمعزل عن وجود براهين علي فساده الأخلاقي والمالي، فلماذا تضر دولة بمكانة فرنسا بسمعتها الدولية وتضع ساركوزي تحت المراقبة القضائية الا اذا كانت هذه الاتهامات مؤكدة.
فبعد سبع سنوات علي جريمة تضييع ليبيا خرجت عائلة القذافى و كبار رجال دولته ليوجهوا الاتهامات المباشرة لساركوزى بتلقى أموال من القذافى ليصبح رئيسا لفرنسا بأموال الليبيين و أنه خطط لضرب ليبيا لإخفاء هذه الجريمة.
التواطؤ الدولي ومطامعه النفط الليبي
تلخص مشهد التدخل العسكري الاروبي في ليبيا، بأنه من أجل وضع اليد علي كنوز النفط الليبي، وقد برهنت السنوات الماضية علي هذه الحقيقة بتحويل شرق ليبيا لمستنقع للإرهابيين، وتوظيفها الي ساحة لتهريب السلاح ونشر الفوضى العارمة امنيا وسياسا في ربوعها.
وبرغم أن بريطانيا لم تكن بمعزل مخططات الإفادة من النفط الليبي، لكنها علي ما يبدو لم تكن تتخيل أن تصل الأوضاع فيها الي اللا دولة، فقد صدر تقرير برلماني بريطاني قبل عامين أدان فيه تدخل بريطانيا وفرنسا عسكريا للإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، وأوضح التقرير أن التدخل العسكري البريطاني لم يستند لمعلومات استخباراتية دقيقة.
وهنا ينجلي حقيقة كيف جرت فرنسا حليفتها التاريخية إلى المستنقع الليبي الذي صنعته فرنسا بأطماعها النفطية والمالية في ليبيا، لكنهم يبقون الشراكة والمصالح غرب يتنقدون اليوم ويتحالفون غدا عند تقسيم الغنائم.
الغرب يطلق اسم “القذافي”على الأموال للإستيلاء عليها
وقد برزت مطامع الدول الغربية في الأموال الليبية عبر الترويج لفكرة أن تلك الأموال هي أموال القذافي، ومن ثم يمكن التلاعب بها ومصادرتها او استغلالها تحت اية ذريعة سياسية أو أمنية كما اعتاد الغرب أن يفصل الجرائم ويحيكها بدراما محكمة كما تم من قبل في دراما امتلاك العراق للسلاح الكيماوي ليكون ذريعة لتدميره وتفتيته والاستيلاء علي ثروته النفطية، فان هذه الأموال المجمدة بالخارج قد أثبتت جميع التحريات أن جميعها مسجل باسم الدولة الليبية.
ففي عام 2011، كانت ليبيا وفق محافظ المركزي الليبي المنشق عن نظام القذافي فرحات بن قدارة، قد أكد أن بلاده غير مدينة لأية دولة أجنبية، بينما كانت الأصول الليبية المقومة بالنقد الأجنبي تبلغ قيمتها 168.425 مليار دولارا.
وحسب تقرير لجنة مجلس الأمن الدولي، فان فريق الخبراء المعني بليبيا المنشأ عملا بالقرار 1973’2011’، قد تأكد إثر المشاورات التي أجراها مع عدد من الدول الأعضاء، ومديري الأموال، والموظفين السابقين في المؤسسة الليبية للاستثمار ورئيسها التنفيذي الحالي من أن مبلغ 67 بليون دولار يمثل مجموع أصول المؤسسة، بما في ذلك أصول الشركات التابعة لها، ويقر رئيس مجلس إدارة المؤسسة بأن هذا المبلغ جرى تقييمه في عام 2012، وأنه من الصعب تقييمه في الحالة الراهنة، وفي الواقع كان الفريق قد أفاد بأن مجموع الأصول كان يبلغ 56 بليون دولار في عام 2010.
وتأكيدا لهذه التهديدات أيضا بمستقبل هذه الأموال فقد تناقلت وسائل الاعلام مؤخرا أنباءا عن ضياع أكثر من 10 مليار يورو من أرصدة ليبية مجمّدة تابعة للأذرع الاستثمارية الوطنية مقرها بلجيكا – العاصمة السياسية للاتحاد الأوروبي، وتحويل وجهتها إلى حسابات غير معروفة عبر شبكة من المصارف الدولية في الغرب والخليج وهذا يعني بما لايدع مجالا للشك بأن الثروة المالية الليبية تتعرض لأكبر عملية سطو دولية يصعب كشف لصوصها واثبات جرائمهم.
الجهود الإيطالية والاستعانة بـ”ترامب” لتقويض الجهود الفرنسية
الجهود الإيطالية للتحكم بمسار الأزمة والرغبة بالاستعانة بواشنطن ليس لإحكام السيطرة على ليبيا الغنية بالنفط وحسب وإنما لتقويض الجهود الفرنسية الرامية لعقد الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، فالدعم الأمريكي الذي أبداه ترامب لسياسة إيطاليا حيال الأزمة الليبية يعد تحدياً مباشراً لتحركات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث اعترفت واشنطن بالدور الريادي لروما في المتوسط.
والصراع المحتدم بين إيطاليا وفرنسا على الأراضي الليبية يتصاعد بمباركة الدول الغربية، وبطبيعة الحال ما زالت فرنسا مأخوذة بمطامع تاريخية في الجنوب الليبي الذي كان ضمن مستعمراتها في شمال أفريقيا، في حين ترى إيطاليا أنها أولى بمستعمراتها السابقة، خاصة بعد أن استعادت حضورها فيها مجدداً من خلال اتفاقية الصداقة التي وقعت عام 2008م، واستحوذت روما من خلالها على الجزء الأكبر من استثمارات الغاز وبعض المشاريع التنموية.
العديد من القوى تتخذ من خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة ذريعة للتدخل في الجنوب الليبي، والعمل على التودد لقبائل الجنوب الليبي، على الرغم من إمكانية محاربة خطر الجماعات المتطرفة عبر تقديم الدعم العسكري واللوجيستي ورفع حظر التسليح عن الجيش الوطني الليبي.
مساعي تركيا في ليبيا لتعزيز نفوذها
مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا بدأت بمغازلة قبيلة الطوارق في الجنوب، وتهدف إلى إنشاء مجموعة جديدة بالوكالة لتعزيز نفوذه بالمنطقة الإفريقية.
حيث كان “أردوغان” بمني نفسه منذ مؤتمر “باليرمو” بلعب دور أكبر على الساحة الليبية، لكن يبدو أن أطماع الرئيس التركي وقدرته على الوصول إلى جماعات الإسلام السياسي تتلاشى تدريجيا بعد أن نجح مؤتمر “باليرمو” في إطفاء نيران الصراع “الليبي – الليبي” الداخلي، والتي لا تصب في صالح الدولة العثمانية، التي تعمل جاهدة على إيجاد حلفاء سياسيين بالدولة الإفريقية مثل “الطوارق” في الجنوب، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج.
تأثير التدخل الغربي في “ليبيا” على دول الجوار
وصلت الفوضى وانعدام الأمن في ليبيا إلى عدد من دول الجوار خاصة مصر وتونس والجزائر، لالتصاقهم بها حدوديا، مما هدد حدودهم وسهل انتقال مقاتلي تنظيم “داعش” عبرها، وتنفيذهم لعمليات انتحارية، وإرهابية تسببت في خلق حالة من عدم الارتياح في منطقة شمال أفريقيا.
مصر
لم تتوانَ مصر في التدخل بالأزمة الليبية، وبذل الجهود الحثيثة لتسوية النزاع، ومساعدة الأطراف المتناحرة على الوصول لاتفاق يُنهي الصراع الطاحن من جهة، والعمل على تأمين حدودها الغربية مع ليبيا من جهة أخرى، بعد تصاعد نشاط ونفوذ التنظيمات الإرهابية هناك.
وعملت مصر منذ بدء الأزمة الليبية على دعم محاولات توحيد الجيش الليبي، واستضافت عدة اجتماعات لعسكريين ليبيين من الغرب والشرق للمساعدة على توحيد الجيش وابعاده عن التجاذبات السياسية وإنهاء حالة الانقسام.
وتعمل مصر على تعزيز تشكيل جيش ليبي قادر على استعادة تماسك ليبيا من الداخل وحماية حدودها والتصدي لمحاولات التسلل التي تقوم بها العناصر الإرهابية على الحدود، كما أنها تحاول التصدي لعمليات تهريب الأسلحة والذخائر إلى الأراضي المصرية، وعلى مدار السنوات الماضية تمكن الجيش المصري من احباط محاولات تسلل إرهابين وافشال عمليات تهريب أسلحة مخدرات، وأعلن الجيش، الخميس الماضي، إحباط محاولة تسلل مسلحين عبر الحدود مع ليبيا، وذلك بالتزامن مع العملية العسكرية الواسعة التي تشنها قوات الأمن المصرية في سيناء منذ يوم الجمعة الماضي.
الجزائر
حملت الجزائر الأزمة الليبية على عاتقها، وبذلت جهودا مُضنية للوصول لتسوية مناسبة، ودفعها الخوف على أمنها واستقرارها لبناء جدار على الجانبين الحدوديين التونسي والليبي. يصل طوله إلى ثلاثة أمتار ويعلوه ستار شائك على خندق يصل عمقه إلى 3 متر، حسب ما ورد في شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية.
تونس
تُمثل ليبيا أهمية كبيرة لدى تونس،حيث تقع ليبيا جنوب شرق التونسية. وبحسب الداخلية التونسية فإن آلالاف من مواطنيها انضموا إلى صفوف التنظيم الجهادي منذ 2011، من أجل القتال في سوريا والعراق، وقاموا برحلتهم عبر الأراضي الليبية.
واستطاع عدد من مقاتلي التنظيم شن هجمات إرهابية في تونس، بعد تسللهم من الحدود الليبية، ونتيجة لذلك بذلت الحكومة التونسية مجهودا كبيرا للمساعدة على نشر الاستقرار في جارتها ليبيا.
تركيا وقطر
تعمل تركيا وقطر حثيثًا باتجاه تصاعد الصراع الليبي، مع تزويدهما للمليشيات المُسلّحة في ليبيا بالدعم السياسي والعسكري، بحسب تقرير نشرته صحيفة المتوسط الليبية.
ووفقًا للجنة من الخبراء بالأمم المتحدة، أرسلت تركيا أسلحة إلى جماعة فجر ليبيا، أما قطر فتجمعها روابط سياسية مع السياسي الليبي والجهادي السابق-عبدالحكيم بلحاج- منذ 2011.