أثارت تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أمس بأن «روسيا لا تعتبر بقاء (الرئيس السوري بشار) الأسد في السلطة شرطا مسبقا لتسوية النزاع في سوريا»، ردود فعل دولية مرحبة، لما اعتبر تغيرا نوعيا في السياسة الروسية تجاه حليفها الوحيد بالمنطقة. وقالت عواصم غربية ودبلوماسيون إنه بمثابة «بداية للانفتاح والتحول» في الموقف الروسي عقب طول تعنّت، وإنه مؤشر لبداية حل الأزمة السورية، وبخاصة بعد إعلانه قبيل زيارة مرتقبة لوفد من الخارجية الأميركية إلى موسكو خلال الأسبوع الحالي لبحث الوضع السوري.
وقال غاتيلوف غداة لقائه الموفد الدولي كوفي أنان في جنيف: «لم نقُل قط إننا فرضنا شرطا بأن الأسد يجب أن يبقى بالضرورة في السلطة عند انتهاء العملية السياسية في سوريا»، وأضاف كما نقلت عنه الوكالة الروسية من جنيف: «هذه القضية يجب أن يعالجها السوريون بأنفسهم».
وعلق مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأميركية على التصريحات الروسية قائلا: «إن ما نتحدث عنه هو الحاجة إلى وقف العنف وتنفيذ وقف إطلاق النار ثم البدء في حوار يقود إلى عملية انتقال سياسية في سوريا»، مضيفا أن روسيا وافقت أن الرئيس بشار الأسد لن يكون جزءا من مستقبل سوريا، وأن «أي عملية انتقالية لن تتضمن الأسد.. ومن المهم أن يأتي الطرفان إلى حوار، ونعتقد أن روسيا ستعلب دورا هاما في ذلك».
وأضاف تونر: «إن هناك تقدما في الموقف الروسي، وأيضا في موقف المملكة العربية السعودية». وجاءت تصريحات المتحدث الأميركي بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده امس وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والذي دعا فيه روسيا الى تغيير موقفها لايقاف القتال في سوريا وحل الوضع بنقل السلطة سلميا (تفاصيل ص 10). وقال تونر وما زلنا ملتزمين بالعمل لمساندة خطة أنان ونعمل بشكل وثيق مع الروس، ولدينا معركة متعددة الأطراف، حيث سنستمر في مساندة خطة أنان وسنستمر في فرض العقوبات على الرئيس الأسد ونظامه، وفرض العقوبات على إيران لمساندتها للأسد وتدخلها في سوريا، كما سنستمر في المشاورات مع الشركاء الدوليين».
واعتبر المحللون تلك التصريحات الروسية تغييرا واضحا في موقف موسكو الداعم للرئيس الأسد وخطوة أولية للتوصل إلى تسوية بعد الضغوط الدولية المتزايدة على روسيا. واعتبروا ذلك نصرا للدبلوماسية الأميركية قبل ساعات من بدء اجتماعات هيلاري كلينتون في إسطنبول حول سبل حل الأزمة السورية.
من جهة أخرى، قال متحدث باسم الخارجية البريطانية أمس لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نريد العمل بشكل وثيق مع روسيا من أجل رؤية تقدم سريع في عملية الانتقال السياسي، على النحو المبين في خطة المبعوث الدولي كوفي أنان ذات النقاط الست»، وأضاف: «ما زلنا نرى أنه بعد الكثير من سفك الدماء فإن الأسد قد فقد الشرعية ويجب أن يتنحى من أجل السماح بالدخول إلى المرحلة الانتقالية للتغيير.. وبالطبع فالشعب السوري هو صاحب القرار في كيفية إدارة شؤون هذه المرحلة الانتقالية».
وأشاد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، بالمواقف الإيجابية الأخيرة لكل من روسيا والصين تجاه الوضع القائم في سوريا، مؤكدا على أهمية دعم مبادرة أنان من كل الأطراف وبكل الطرق، قائلا: «الوقت ليس في صالحنا لأن تأخير تطبيق هذه المبادرة سيزيد من صعوبة حل الأزمة في سوريا». وقال بن زايد، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي في أبوظبي أمس، إنه «من الأهمية أن تنجح هذه المبادرة في أقصر فترة ممكنة، وإلا ستكون عواقبها وخيمة، خصوصا على أصدقاء سوريا».
وبدورها أكدت مصادر فرنسية رسمية أن الأسد «لا يمكن أن يكون جزءا من مستقبل سوريا».. وهو ما أكده وزير الخارجية لوران فابيوس في برلين أول من أمس، قائلا إن نظام الأسد «سينهار ويرحل بفعل الأزمة».. ولا تعارض باريس حلا في سوريا على «الطريقة اليمنية»، وتؤكد على «التواصل» مع كل شركائها ومع الأطراف المعنية بالمسألة السورية.
ويبدو من المنظار الفرنسي أن التصريحات التي أدلى بها نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف «بداية الانفتاح والتحول الذي كانت تنتظره باريس». وتذهب أوساط أخرى إلى اعتبار الكلام الروسي الأخير، إذا تبين أنه يعبر عن الموقف الروسي الرسمي الجديد، «بداية تخلٍّ» عن نظام الأسد، في الوقت الذي يتوقع فيه وصول مبعوث رسمي أميركي هو فريدريك هوف إلى موسكو لإجراء جولة من المناقشات مع الجانب الروسي حول «السبل» التي تقترحها واشنطن للخروج من الأزمة السورية عن طريق الترويج لحل على الطريقة اليمنية.
ويأتي ذلك بينما تتبنى باريس حتى الآن موقف المجلس الوطني السوري، الذي يرفض الجلوس إلى طاولة الحوار مع الأسد، ويشترط لقبول التفاوض تنحيه عن السلطة. كما يبرز التشدد الفرنسي من خلال تمسك باريس بأمرين متلازمين: الأول أنها تعتبر تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة «شرطا مسبقا» للسير في الحل السياسي، والثاني عدم استبعادها الحل العسكري شريطة أن يكون تحت مظلة الأمم المتحدة وبقرار من مجلس الأمن الدولي.
ويرى دبلوماسيون في باريس أنه إذا تبين أن كلام غاتيلوف يعكس آخر تحولات الموقف الروسي، فإن ذلك يعني أن موسكو تريد «التفاهم مع واشنطن» على المخرج في سوريا، وليس مع أي طرف آخر.. الأمر الذي تعكسه مواقف بوتين المتشددة في برلين وباريس الأسبوع الماضي.
وبحسب هؤلاء الدبلوماسيين فإن استمرار باريس على نهجها المتشدد سيضعها على «مسافة» من شركائها داخل الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأميركية، بحيث تظهر بمظهر الطرف المتشدد بينما الآخرون يتلبسون لباس «الواقعية السياسية»، التي تعني أنه «لا حل في سوريا من غير روسيا»، وأنه «عوضا عن التصادم معها يتعين العمل معها والاقتراب منها»، وهو ما أشارت إليه كلينتون أمس بدعوتها موسكو وبكين إلى «المشاركة في الحل».
وطالبت الخارجية الفرنسية أمس على لسان الناطق باسمها برنار فاليرو بأن تقوم اللجنة الدولية التي انتدبها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجلاء الظروف التي أحاطت بمجزرة الحولة التي أوقعت أكثر من مائة قتيل. وحملت باريس سوريا مسؤولية وضع العوائق التي تحول دون قيام اللجنة بعملها، وطالبت بتمكينها من أداء مهمتها.
وتترقب باريس ما سيقوله كوفي أنان لمجلس الأمن في التقرير الذي سيرفعه يوم غد الخميس عن مهمته. وبحسب باريس فإن الدول الأوروبية والغربية بشكل عام «لم تطرح بعد مسألة قطع العلاقات الدبلوماسية» مع سوريا بالنسبة لتلك التي أغلقت سفاراتها في دمشق وطردت السفراء السوريين أو كبار الدبلوماسيين من أراضيها، لكنها ترى أن قطع العلاقات «إمكانية واردة» ولكن ليس في الوقت الحاضر.
وفي غضون ذلك كشفت موسكو عن استعدادها للتعاون مع الشركاء الدوليين لمناقشة الخيارات الممكنة لتقديم المساندة الخارجية لتطبيق خطة كوفي أنان لتسوية الوضع في سوريا. وأعلنت الخارجية الروسية في بيانها الذي أصدرته أمس حول لقاء غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسية مع كوفي أنان في جنيف أن «الجانبين تناولا الأوضاع في سوريا وآفاق التسوية السياسية للأزمة هناك».
وقالت الخارجية إن «غاتيلوف ركز على أن خطة أنان تمثل المنصة التي لا بديل لها للتوصل إلى تسوية دبلوماسية – سياسية في سوريا. وإنه يتوجب على المجتمع الدولي تطبيقها عبر تنسيق التحركات. ولهذا الغرض يجب على جميع اللاعبين الخارجيين، المنخرطين في الوضع السوري، العمل في اتجاه واحد، مكملا بعضهم بعضا».
وأوضح البيان أن «روسيا الاتحادية تقوم من جانبها باتصالات مكثفة مع السلطات السورية والمجموعات المعارضة، وتحثهم على بدء الحوار السياسي لإصلاح النظام السياسي في البلاد. وعلى ما يجب أن تقوم به الدول التي لها تأثير على المعارضة». ونقلت وكالة أنباء «ايتار تاس» ما كتبه المسؤول الروسي غاتيلوف في موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي قائلا: «لقد أجريت لقاء مفيدا في جنيف مع كوفي أنان.. هناك تفاهم مشترك على ضرورة المساندة الدولية لجهوده السلمية».
من جهة أخرى نقلت وكالة «نوفوستي» الروسية عن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي المسؤول عن ملف البلدان العربية، قوله: «نحن نبحث مع شركائنا لتفعيل المجتمع الدولي من أجل تنفيذ خطة كوفي أنان وعمل المراقبين الأمميين في سوريا بأكبر قدر من الفعالية للخروج من حلقة العنف في هذا البلد».
وأضاف بوغدانوف أن موسكو تعرب عن خيبة أملها تجاه قرار «ما يسمى بالجيش السوري الحر» الذي أعلن رفضه تطبيق خطة أنان، قائلا: «إنه محزن طبعا وفي غاية السلبية». وأشار إلى أن روسيا تبحث مع المعارضة السورية هذه القضايا، وأن خطة أنان أساس متفق عليه لتسوية الوضع في سوريا.
وأكد بوغدانوف أن قضية إعادة تنظيم بعثة المراقبين في سوريا لم تطرح، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن النقاش يجري في الوقت الراهن حول مسألة تقديم مروحيات لبعثة المراقبين، معيدا إلى الأذهان أن هذه النقطة كانت قائمة منذ البداية. وأضاف: «إن المباحثات بين أنان والسلطات السورية جارية في هذا الصدد، وإنه جرى توفير بعض وسائل النقل لخدمة المراقبين».
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يعتزم بحث سبل تطبيق النموذج اليمني في سوريا في لقاء يجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة دول العشرين في المكسيك الشهر المقبل. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد أوضحت أنها تريد مشاركة روسيا في البدء في مرحلة انتقالية في سوريا بشكل يؤدي إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وأشارت إلى أنها قدمت صورة واضحة جدا إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وقالت له: «علينا أن نركز على الطريق إلى الأمام نحو عملية انتقال سياسي».
وقالت كلينتون خلال زيارتها باتومي غرب جورجيا أمس: «إن على كل من روسيا والصين حليفتي دمشق المساهمة في التوصل إلى حل النزاع في سوريا وتكثيف الجهود لتسريع العملية السياسية الانتقالية بحيث يكون ذلك هو الأساس في اهتمام الدبلوماسية وتحركات الأسرة الدولية والأمم المتحدة»، ودعت إلى أن تكون روسيا والصين جزءا من الحل.
إلى ذلك، ظهرت بعض المرونة أيضا في الموقف الصيني بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، حيث قال سفير الصين لدى الأمم المتحدة لي باو دونغ للصحافيين أمس إن الصين لا تسعى لحماية الرئيس السوري بشار الأسد، وإنها تحترم إرادة شعب سوريا، وقال: «الصين تدعو جميع الأطراف في سوريا إلى التنفيذ الفوري لخطة المبعوث الدولي للأمم المتحدة كوفي أنان ووقف عمليات القتل، والبدء في عملية سياسية شاملة لاستعادة السلام والاستقرار في البلاد». وأضاف: «ليس لدينا نية لحماية أي شخص ضد أي شخص، وما نريده هو الحفاظ على سيادة سوريا، وأن يكون مصيرها في يد الشعب السوري».
وأوضح باو دونغ الذي ترؤس بلاده مجلس الأمن هذا الشهر أن الوضع السوري يمر بلحظة حرجة للغاية، وأن العملية السياسية لحل تلك الأزمة أصبحت في مفترق طرق، محذرا من أن تنزلق سوريا إلى حرب أهلية شاملة تنتشر فيها جرائم القتل الطائفية بما يؤثر على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وفي جنيف أعلن أحمد فوزي المتحدث باسم كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية أن أنان سيطلع مجلس الأمن والجمعية العامة في نيويورك على تطورات الوضع السوري يوم الخميس، مشددا على أن خطة أنان هي الخيار الوحيد على المائدة.
وقال فوزي للصحافيين أمس: «أنان يشعر أن الوقت قد حان، حيث يتعين على المجتمع الدولي أن يقوم بمراجعة الوضع والأزمة في سوريا، وما يجب القيام به لضمان تنفيذ الخطة». وأكد فوزي أن مجزرة الحولة في محافظة حمص التي راح ضحيتها أكثر من مائة شخص، نصفهم من الأطفال، هي «نقطة تحول في الأزمة وضربة قاضية لوقف إطلاق النار».
وأضاف المتحدث باسم أنان أن «كثيرا من الناس يتشككون في ما إذا كانت خطة أنان قد فشلت، وأن هذا هو نهاية المطاف، لكننا سنستمر في متابعة هذه الخطة لأنها هي الخيار الوحيد على الطاولة في هذه اللحظة.