الخليج والسترات الصفراء
- لا قلق من تفاعل الشارع الخليجي مع احتجاجات فرنسا فبذورها لا تنبت في أرضنا.
- هل يبحث الثوار والحكومة عن أهداف خارجية للغضب: رفع الضرائب على استثمارات الخليج والسخط على نفطه؟
بقلم: ظافر محمد العجمي
في كل عطلة نهاية أسبوع، يتجدد السؤال عن إمكانية سقوط «باستيل» ماكرون، وقد قوّى هذا المنحى أن الشرطة الفرنسية تتعاطف مع السترات الصفراء، والتاريخ يقول إن اقتحام سجن الباستيل بباريس تقع مسؤوليته على عاتق قادة العسكر في ساحة دي مارس 14 يوليو 1789، فقد امتنعوا عن التدخل فسقط «الباستيل».
والتاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى مأساة، والمرة الثانية «مسخرة»، لكن ما يخيف المراقب الخليجي هو أن يكون من الارتدادات المتعددة للثورة الجديدة ما يضرّ دول الخليج.
فالثوار يبحثون عن أهداف لتسليط غضبهم عليها، والمطالب لها شعارات زائفة ذات وقع تحرري، وهي محلية الطابع لكن أطرافها عبّروا عن نفس شعبوي.
فاليسار الفرنسي له شعبوية اقتصادية يحمّل المهاجرين القدامى والجدد جزءاً منها، واليمين الفرنسي شعبوي أصلاً في هيكله البنيوي، والعرب والمسلمون هم ضحية الشعبوية، وهو الاسم المهذّب للعنصرية البغيضة.
لقد وضع الرئيس السابق أولوند منطقة الخليج الغنية بالنفط أولوية ضمن توجهات السياسة الفرنسية، ورددنا له التحية بأحسن منها، فمدّت الصناديق السيادية الخليجية بذراعها حول خصر باريس المغرية.
وفي القمة التشاورية لقادة دول المجلس 2015، حضر «أولوند العربي» وفقاً لوصف الصحافة الفرنسية، في امتداد لتقارب فرنسي خليجي بدأه ساركوزي، للاستفادة من فتور العلاقات الخليجية الأميركية أيام «أوباما» الكئيبة.
فألقت باريس بثقلها الدبلوماسي عبر مبيعات السلاح، فتشاركت مع الخليج في الرؤية نفسها في ملفات عدة تتعلق بالتحوّلات السياسية التي شهدتها المنطقة، خصوصاً سوريا.
ورغم أن رؤوس الأموال الخليجية في فرنسا كبيرة، لكن صناديقنا فشلت في ترجمة المبلغ الضخم ليصبح قوة فعّالة تسند الوجود الخليجي في باريس.
فلا «لوبيات» ولا تأهيل لأصدقاء فرنسيين أقوياء في قطاع الأعمال أو الصناعات العسكرية، حتى يخال لي وأنا أتجول في الشانزليزيه، أننا لا نعدو أن نكون أسماء تزيّن قمصان الصبية الفرنسيين الرياضية ولوحات الإعلانات.
فقلقنا مردّه هشاشة العلاقات العامة التي تحمي استثماراتنا، وما دام الثوار يبحثون عن أهداف لتسليط غضبهم عليها، فسنكون بدون شك هدفهم المقبل عبر نقد النظام الضريبي الفرنسي، على الاستثمارات الأجنبية بدل المواطن الفرنسي.
أما الأمر الثاني المرجح، فهو أن يحول ماكرون وحكومته ضربات الثوار إلى العرب الخليجيين، فنحن مصدرو النفط غالي الثمن -رغم نزول الأسعار- فنحن العرب الجشعون منذ منتصف السبعينيات، وهو لم يرفع الضرائب إلا لارتفاع سعر النفط.
أما الأمر المحتمل الثالث، فهو التعرض للسياح المترفين من قبل الغوغاء، جراء حياد الشرطة الفرنسية الأخير.
خاف ماكرون من مصير ماري أنطوانيت يوم حنّت فرنسا لإرثها الثوري، وليس قلقنا في الخليج مردّه الخوف من تفاعل الشارع الخليجي معها، فبذورها لا تنبت في أرضنا، بل لأن الثوار والحكومة سيبحثون عن أهداف لتسليط غضبهم عليها، فرؤوس أموالنا يمكن رفع الضرائب عليها لا على المواطن، ونفطنا هو الذي ارتفع سعره على ماكرون فرفعه على شعبه.
* د. ظافر محمد العجمي المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة أمن الخليج.
المصدر: العرب – الدوحة