سراب الخليج
- الخطاب الشعبي الخليجي يتحول من إحباط إلى عداء مما يشير لمستقبل مظلم للهوية الخليجية.
- بدا البيان الختامي للقمة من عالم آخر بحديث حول تعزيز مسيرة المجلس نحو الوحدة والتكامل الاقتصادي والتعاون الدفاعي.
بقلم: ماجد الأنصاري
منذ يومه الأول كان مجلس التعاون الخليجي محدود الفاعلية لأسباب عديدة، منها الخلافات بين أعضائه وطبيعة الأنظمة السياسية في المنطقة ومحدودية أدواته، ولكن رغم ذلك بقي المجلس ليكون كما قال سمو أمير الكويت آخر معاقل العمل العربي المشترك.
ورغم الإخفاقات السياسية المتكررة للمجلس، نجحت الشعوب الخليجية في تحقيق الإنجاز الأكبر للمجلس من خلال تشكل هوية خليجية ثقافية اجتماعية، من الأغاني والأهازيج إلى الإنتاج البرامجي المشترك والمناهج الموحدة.
كانت الشخصية الخليجية حاضرة، أفرز وجود هذا البناء الخليجي تعزيزاً للترابط الاجتماعي الموجود أصالة ووفر غطاءً هوياتياً للخليجيين يعرفون أنفسهم به في مواجهة الآخر وعاملا مشتركا يجعل الخليجي مستشعراً وجوده في وطنه أينما ذهب في حدود الدول الست، نتفق أو نختلف حول طبيعة هذه الهوية ولكن لا شك أن وجود المجلس دعم تشكلها.
اليوم يواجه المجلس التحدي الأكبر ولكن ليس الأول في تاريخه، الخلافات بين أعضائه عصفت بالمجلس مرات عديدة، لكنها لم تصل يوماً إلى حد تجاوز الرسمي إلى الشعبي وتوظيف المجلس وأدواته في الصراع كما هو الحال اليوم.
في القمة السابقة ضربت السعودية والإمارات ومعهما البحرين المجلس أولاً من خلال خفض التمثيل في القمة وثم عبر إعلان تحالف ثنائي بين أبوظبي والرياض في نفس يوم انعقاد المجلس.
وفي هذه القمة تخفض قطر من تمثيلها حيث لا يتصور أن يزور سمو أمير قطر الرياض وهي تحاصر بلاده جواً وبراً، لكن رغم ذلك لم تتخلف قطر عن الحضور وأوفدت وزير الدولة للشؤون الخارجية وهو تمثيل لائق في ظل الظروف الراهنة.
عقدت القمة هذه المرة دون اجتماع وزاري وجاءت كلمات السعودية والأمين العام متجاهلةً تماماً للأزمة الخليجية بل إن الأمين العام أسهب في امتداح الدور السعودي في الحفاظ على «وحدة المجلس»، باختصار بات واضحاً أنه لا أمل في تمكين المجلس من لعب دور أياً كان في مستقبل الخليج.
وفي إطار التهميش السعودي الإماراتي للمجلس وانعدام الثقة في المجلس قطرياً والموقف الكويتي العماني الذي ينادي بالمحافظة على كيان المجلس ومواجهة التحديات التي يواجهها يبقى القلق من أن يذوب المجلس في صفحات التاريخ كما ذابت مبادرات عربية وحدوية أخرى.
لقد بدأنا نلمس في الخطاب الشعبي الخليجي التحول من الإحباط إلى العداء مما يشير لمستقبل مظلم للهوية الخليجية، ولجيلنا الذي نشأ على ترانيم «خليجنا واحد» تلك مسألة مؤلمة بشكل خاص، لأن جزءًا من هويتنا ينتزع ويتكسر على صخرة السياسة.
البيان الختامي للقمة كان يبدو كأنه من عالم موازٍ، حديث حول تعزيز مسيرة المجلس نحو الوحدة والتكامل الاقتصادي والتعاون الدفاعي.
كل ذلك والحدود مغلقة بين قطر وجيرانها الثلاثة وأزمة تستفحل حول المنطقة المشتركة الكويتية السعودية ونشاط إماراتي سعودي في المناطق الحدودية المتاخمة لعمان يستهدف المصالح العمانية.
وفي النهاية ثناء على دعم الملك السعودي لمسيرة المجلس، وينفض الجمع على أصوات النشاز في الإعلام تطالب بطرد قطر من المجلس.
المواطن الخليجي اليوم يواجه مستقبلاً قد لا يكون خليجياً، لا ندري ما إذا كان الجيل الذي ينشأ اليوم على ما نراه من مشاحنات وعداء وتوظيف لكل أداة متوافرة سياسية أو ثقافية أو شعبية في تعميق الخلاف سيتقبل فكرة الخليج الواحد أم أنها ستكون ذكرى طيبة ودرساً في كتب التاريخ، الخليج كان فكرة وحلما فهل سيتحول إلى سراب؟
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر.
المصدر: الشرق – الدوحة