اليمن: متى تنتهي الحرب الملعونة؟
- هل يضبط اجتماع ستوكهولم بين الطرفين اليمنيين المتحاربين تصعيدها ويحل الشؤون الانسانية والحياتية..
- اليمن الذي استُخِفَّ بالحرب فيه وعليه باعتباره طرفياً وهامشيا، تحول الى امتحان قاس للضمائر في العالم.
- رأت الإمارات نفسها امبراطورية عظمى تنافس الصين بأفريقيا أو “أسبارطة” الخليج وتشتري المرتزقة كما تفعل اليوم باليمن. ولم تعرف يوماً الكد والاجتهاد والانضباط الأسبارطي الاسطوري.
نهلة الشهال
دعْكم من ضحايا القصف والقتال، وهم رسمياً حوالي 7 آلاف انسان نصفهم من الاطفال (و15 الف جريح ومعاق، نصفهم كذلك من الاطفال): هناك 85 ألف طفل دون سن الخامسة ماتوا نتيجة الجوع والأمراض.. بحسب منظمة “أنقذوا الاطفال” (“Save the Children”) الخيرية العالمية. وهناك 15 مليون يمني مهدد بالمجاعة.
وما يجري من محادثات في ستوكهولم هذه الأيام بين حكومة عبدربه منصور هادي “الشرعية” المقيمة في الرياض وبين جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء متواضع الأهداف لو قيس بالسياسة!
لكنه عظيمها بكل المقاييس الاخرى: تجنب استمرار القتال حول ميناء الحُديدة على البحر الأحمر، أكبر موانئ البلد وشريانها لإمدادات الطعام والدواء والمواد الاساسية الاخرى، وكذلك لوصول المساعدات الانسانية.
والفكرة هي تدويل الميناء أي وضعه بإشراف الامم المتحدة، للتخلص من أطماع الإمارات والسعودية فيه، باعتباره نقطة استراتيجية يقولان إن حسمها (لصالحهما!) هو ما سينهي الحرب في البلاد، فيما يستميت الحوثيون في عدم خسارته كلياً للاعتبار نفسه مضافاً اليه أنه مصدر دخل ريعي كبير لهم، ستخنقهم تماماً خسارته.
على أن السعودية والامارات، اللتان تخوضان هذه الحرب الشرسة، غائبتان عن محادثات السويد. كما تغيب إيران بالطبع. وتغيب أيضا الولايات المتحدة التي تزود السعودية والإمارات بالسلاح وتدافع عن حربهما باعتبارها وسيلة لمضايقة إيران و”للتصدي للإرهاب” (الله وحده يعلم كيف).
والرئيس الامريكي لا يتورع عن القول إن أولويته إنما هي توفير الشغل لليد العاملة الامريكية وللمصانع (يقصد مصانع السلاح).. وللعلم، فقد كانت القنبلة التي اسقطتها طائرة سعودية على باص مدرسي في آب الماضي فقتلت 40 طفلاً، أمريكية الصنع وخريجة مصانع “لوكهيد مارتن”.
على ذلك، فجهود المبعوث الدولي تكون قد حققت نجاحاً لو أثمرت تبادل آلاف المعتقلين لدى الاطراف المتنازعة – وهو ما صدر كوعد – والاستمرار بنقل جرحى الحوثيين الى مسقط للعلاج، وقد غادرت الدفعة الاولى منهم فعلا بينما كان السيد غريفيث في صنعاء قبل الاجتماع لاصطحاب الوفد الحوثي إليه.
كما أطلقت السعودية والإمارات سراح 200 مليون دولار من البنك المركزي (الذي كان قد نقل الى عدن لتحقيق سيطرتهما عليه) ما سمح بتثبيت سعر صرف الريال الذي كان ينهار بسرعة جعلت من شراء الخبز مهمة شاقة على الناس، كما تعهد البلدان بمنح اليونيسيف 70 مليون دولار تتولى المنظمة الدولية بواسطتها سداد أجور المعلمين التي لم تدفع لهم منذ صيف 2016!
وكل هذا اسمه “تثبيت للنوايا الحسنة ولاستعادة الثقة”، بينما شهدت هذه الحرب أبشع الممارسات وأكثرها انحطاطاً وإشاعة للفظائع وانفلاتاً لشتى الغرائز وتضخماً للأطماع التي وصلت الى مناطق نائية كجزيرة سقطرى وكمنطقة المهرة القصية الوادعة (ضغطاً على عُمان؟).
حتى خالت الإمارات نفسها إمبراطورية عظمى تنافس الصين في افريقيا (!) وهي ترى أنها “أسبارطة” الخليج على ما تقول، بينما تشتري المرتزقة في زمني السلم والحرب – كما تفعل اليوم في اليمن – ولم تعرف يوماً معنى الكد والاجتهاد والانضباط الاسبارطي الاسطوري.
ويستجدي محمد بن سلمان وساطة الجزائر (التي زارها في طريق عودته من الارجنتين) مع إيران بغاية التهدئة، بعد عزلته نتيجة قتل جمال خاشقجي بتلك الطريقة البدائية وبتلك الوحشية المجانية التي كادت أن تكون استعراضية، فأحرجت حلفاءه قبل ان تُشمت به أعدائه وما أكثرهم.
.. على كل ذلك، فقد انعقدت هذه الدورة من المباحثات، وهو ما يُرى كنقطة ايجابية بحد ذاتها بعد فشل متكرر لسابقاتها، منذ حزيران/ يونيو 2015 في جنيف وهلم جرا. ويخطط للاستمرار بها عبر ما وصف بالتدرج في إعلانات وقف إطلاق النار على جبهات متتالية.
لكن وفي الاثناء، ما زال القصف قائماً وما زالت الأرواح تزهق والخراب يتسع. وهكذا فاليمن الذي استُخِفَّ بالحرب فيه وعليه باعتباره طرفياً وليس بذي شأن، تحول الى امتحان قاس للضمائر في العالم.
فراحت صحف كبرى كالتايمز وسواها تدعو الى وقف تلك الحرب فوراً، وسيبحث الكونغرس الامريكي خلال فترة انعقاد اجتماع السويد مشروع قرار يهدف الى وقف الامدادات العسكرية عن الرياض، كما بدأت تتشكل في مختلف انحاء العالم حركات للمطالبة بوقف الحرب..
* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير السفير العربي
المصدر: السفير العربي