قمة العشرين: إدارة التشنّج الدولي بدل الاستقرار
- لم تعُد الأسواق المنفلتة المشكلة، بل سياسات متزمّتة، مراوحة بين «حمائية» فرضها ترامب وبين «توتّرات تجارية» جعلت الأفق الاقتصادي العالمي قاتما.
- ترامب يطيح بقواعد النظام الدولي و«العولمة» التي يعتقد أنها أتاحت للشركاء تحقيق مكاسب عبر أميركا، وراكمت خسائر على أميركا واقتصادها.
عبدالوهاب بدرخان
لم تغامر أي من دول قمة العشرين بالتفاؤل في شأن نتائجها، رغم أن غالبيتها متفقة على أن كثرة المؤشرات والنُذر الخطيرة تستوجب خروج القمة بحلول تهدّئ من المخاوف، إنْ لم تكن قادرة على معالجة المشاكل، فهذه هي الغاية التي وُجدت القمة أصلاً من أجلها، في العام 2008، خلال قمة واشنطن بعد تفجّر الأزمة المالية.
فقد بدا الجميع كأنهم مأخوذون على حين غرّة، باعتبار أن تلك الأزمة كانت مفاجئة وخاطفة، وحاولت كلُّ الحكومات التبرّؤ من المسؤولية بما في ذلك الحكومات الغربية، التي تبيّن لاحقاً أنها كانت على علم بمقدّمات الأزمة، لأن هناك مؤسسات عدة نبّهت إليها بإطلاق إنذارات مبكرة.
في قمة بوينس آيرس لم تعُد الأسواق المنفلتة هي المشكلة، بل السياسات المتزمّتة، مراوحة بين «حمائية» عاد دونالد ترمب ففرضها، وبين «توتّرات تجارية» جعلت الأفق الاقتصادي العالمي قاتماً، بحسب رئيسي الاتحاد والمفوضية الأوروبيين.
المشكلة اسمها «ترمب»، هكذا يعرّفها الأوروبيون والروس والصينيون والأتراك، والآخرون أيضاً وفقاً لدرجة الأضرار التي لحقت بهم من قراراته.
إذ إنه أطاح ويطيح بكل قواعد النظام الدولي قاطعاً مع «العولمة»، التي يعتقد أنها أتاحت لمعظم الشركاء العشرين تحقيق مكاسب عبر أميركا، مستنتجا أنها راكمت خسائر على أميركا واقتصادها.
لذا راح يقيم الحواجز أمام المستفيدين، بسلسلة ضرائب لم يضع لها سقفاً ولا أفقاً، ومن شأنها إضعاف صادرات الحلفاء وغير الحلفاء، وبضغوط سياسية مكشوفة لإبقاء أسعار النفط متدنية، ولإخضاع مسائل الاستراتيجية والدفاع لمعايير الصفقات المالية.
ولعل الفصل الأخير- وهو الأصعب- يتمثّل أولاً بإلغاء معاهدة دولية هي الاتفاق النووي مع إيران، وثانياً بالعقوبات المشدّدة التي ستتسبّب باضطرابات تجارية ومالية، لا للدولة المستهدفة وحدها، بل للعديد من الدول التي تقيم معها تبادلات.
ولا يلزم شرح كثير للقول إن هذه الإجراءات تتناقض مع الأهداف التي ساهمت الولايات المتحدة مع «مجموعة السبع» في صوغها لمجموعة العشرين لدى تأسيسها في العام 1999، وهي «تعزيز الاستقرار المالي الدولي، وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة».
غني عن البيان أيضاً، أن «الاستقرار» و«الحوار» يعانيان منذ أعوام طويلة من سوء إدارتهما بين البلدان الصناعية نفسها، قبل أن يكون بينها وبين بلدان الاقتصادات الناشئة والمتعثّرة.
وليس أدلّ على ذلك من أن مؤتمرات المناخ والاتفاقات المبرمة لمواجهة تغيّراته لا تزال تصطدم بضعف التزام البلدان الكبرى بالقيود التي وافقت على فرضها على صناعاتها بموجب معاهدة باريس.
على هذه الخلفية المتفاقمة، تنعقد قمم العشرين منذ أعوام، من دون أن تبدد أية أسباب للقلق والإحباط حول العالم، بل لعل إخفاقاتها ساهمت في تجميع الغيوم السود لحروب ونزاعات متزايدة ظواهرها سياسية وبواطنها اقتصادية، وعناوينها كثيرة:
الإرهاب، الفقر، الهجرة غير الشرعية، ووسط أجواء التشنج التي التقى فيها القادة العشرون أخيراً، لم يستطع الخبراء توقّع خروجهم برؤية «منطقية وإيجابية» كما تمنى البلد المضيف. ذاك أن الخلافات على التجارة يفترض ألا تستعصي على التسوية، وإذا تعذّرت تفتح الأبواب أمام مخاطر أكبر.
وفي أية حال تبدو الدول الكبرى متحوّطة لهذه المخاطر بخوضها الحروب بالوكالة:
– الصين وأميركا تراوحان بين توتّرات وهدنات عبر كوريا الشمالية،
– روسيا ودول «الناتو» تتواجه عبر أوكرانيا،
– أميركا وروسيا عبر سوريا.
وكل تصعيد في دول التماس يعني أن موازين المصالح باتت تحتاج إلى مراجعة.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر: العرب – الدوحة