الحكومات العربية و”تجريس” المواطن 11 مرة
- لا تعرف حكوماتنا من المؤشرات سوى فقر وحرمان وبطالة وعجز وتضخم وضرائب وزيادة أسعار وديون!
- حكومات “تُجرّس” المواطن وتعايره بالإنفاق عليه رغم أنه غير منتج وأنه عالة على الدولة.
بقلم: مصطفى عبد السلام
المواطن في المنطقة العربية هو الحائط المائل والضعيف الذي تميل عليه كل الحكومات، بما فيها حكومات الدول الثرية التي تتدفق إلى خزائنها العامة مئات الملايين من الدولارات صباح كل يوم من بيع النفط ومصادر الطاقة.
بل وتقوم هذه الحكومات أحياناً بـ”تجريس” هذا المواطن ومعايرته، والتأكيد في وسائل إعلامها على أنها تنفق عليه ليل نهار رغم أنه لا ينتج ويعمل لمدة دقائق كل يوم، موحيةً بأن المواطن أصبح عالة على الدولة.
في المقابل لا تترك الحكومات الغربية فرصة لتخفيف العبء المعيشي عن مواطنيها وإسعادهم، لنأخذ بعض المؤشرات، ونقارن بين حالنا في المنطقة وحالهم في الغرب:
1
ترتفع أسعار النفط في الأسواق العالمية، فتسارع الحكومات الغربية إلى تطبيق إجراءات لتخفيف هذا العبء عن المواطن. مثلاً، تلجأ إلى سياسة تخزين النفط لمدد تصل لنحو 6 أشهر وربما لعام خلال فترة تراجع الأسعار، وتبرم تعاقدات استيراد لصفقات طويلة الأجل.
كما تلجأ لآلية خفض ضريبة الكربون الخاصة بتلوث البيئة، أو توفر طاقة رخيصة ونظيفة وبديلة، مثل الغاز والطاقة الشمسية، كما تمارس حكومات هذه الدول ضغوطاً على الدول النفطية لحثها على زيادة الإنتاج حتى تتراجع أسعار المحروقات.
2
في المقابل، ترتفع أسعار النفط، فتسارع الحكومات العربية، بمن فيها حكومات الدول المنتجة للنفط والطاقة، نحو تحميل المواطن الزيادة الجديدة عبر رفع أسعار المحروقات، من بنزين وسولار ومازوت وغاز وغيرها.
وذلك بزعم أن الموازنة العامة تعاني من عجز حاد ولا تستطع تحمل أعباء الكلفة الإضافية الناتجة عن زيادة الأسعار عالمياً، كما تزعم الحكومات أنه ليست لديها موارد أضافية لتحمل هذه الكلفة بديلاً من المواطن المطحون.
والملفت هنا أن دولاً عربية تصنف على أنها أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم هي التي تبادر إلى زيادة أسعار المحروقات وبنسب تزيد عن 100% مرة واحدة.
3
في بعض الأوقات، يحدث العكس، فتنخفض أسعار النفط عالمياً، كما حصل في الفترة من عام 2014 إلى عام 2016، حيث تراجع سعر البرميل من 115 دولاراً إلى أقل من 30 دولاراً.
وكذا ما جرى خلال الأيام الماضية التي تراجع السعر فيها من 86 دولاراً في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 إلى 66 دولارا حالياً، فتسارع الحكومات العربية أيضاً نحو زيادة أسعار كل المحروقات وخفض الدعم الموجه إلى منتجات الوقود، كما تصر على خفض دعم الوقود في موازنات العام المقبل.
وكأن هذه الحكومات لا تريد أن يلتقط المواطن أنفاسه لبعض الوقت، أو أن يتمتع بميزة خفض الأسعار حتى ولو كان الخفض لأسباب خارجية ولا دخل لها فيها.
4
فقدت أسعار النفط في الأسواق العالمية 25% من قيمتها في فترة لا تتجاوز 40 يوماً، ولم نسمع عن حكومة عربية خفضت أسعار المحروقات بهذه النسبة، أو حتى بنسبة 5%. كما لم نسمع أن حكومة عربية خفضت أسعار الكهرباء، بخاصة أن الطاقة تُعد الكلفة الأعلى لدى شركات إنتاج وتوزيع الكهرباء، أو أنها خفضت تكاليف خدمات لها علاقة بسعر الوقود.
5
يحارب دونالد ترامب العالم لإسعاد المواطن الأميركي وتوفير المحروقات بأسعار أرخص أو تناسب دخله، ويمارس ضغوطاً شديدة على السعودية و”أوبك” لخفض أسعار النفط عن طريق زيادة الإنتاج، بل ويهدد المنظمة بتشريع يتهمها بالاحتكار حتى ترضخ وتستجيب لطلباته. وفي المقابل، لا تترك الحكومات العربية مناسبة لخنق حياة مواطنيها وابتزازهم مالياً ومعنوياً وزيادة الأسعار باستمرار.
6
يبتز الرئيس الأميركي السعودية ويرغمها على إبرام صفقات سلاح بنحو 500 مليار دولار في يوم واحد بهدف تشغيل مصانع السلاح الأميركية وخلق وظائف جديدة وفرص عمل لمئات آلاف الأميركيين والحد من البطالة في الاقتصاد وزيادة الصادرات الخارجية، وبالتالي تقوية الدولار وجعله أكثر جاذبية، وهو ما ينعكس في النهاية على حياة الأميركي.
في المقابل، تضع الحكومات العربية يدها في جيب المواطن للسطو على ما تبقى لديه من مال، حتى وإن كان ما بحوزته يكفي بالكاد لتغطية متطلباته المعيشية ومصروفات مأكله ومشربه ومسكنه وعلاجه.
7
تتجه معظم حكومات دول العالم نحو خفض الضرائب والرسوم الحكومية، لأن ذلك يحقق عدة أهداف، منها تنشيط الاقتصاد، وتحريك الأسواق، وخفض كلفة الأموال والقروض داخل المجتمع، وبالتالي دفع رجال الأعمال نحو توسيع مشروعاتهم الاستثمارية عن طريق تأسيس مصانع جديدة أو إضافة خطوط إنتاج، لأن أموال الضرائب التي يوفرونها تتم إعادة ضخها في المشروعات القائمة أو مشروعات جديدة.
في المقابل، تحرص معظم الحكومات العربية على فرض مزيد من الضرائب والجمارك وخنق النشاط الاقتصادي بالرسوم والأعباء الجديدة ورفع كلفة الإنتاج عن طريق زيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه والغاز وغيرها.
8
تقاتل الحكومات الغربية للحد من ظاهرة الفقر والتضخم داخل مجتمعاتها عن طريق توفير فرص عمل لمواطنيها وخلق وظائف وتأسيس مصانع ونشر شبكة التأمين الاجتماعي والصحي، وتوفير الخدمات من كهرباء ومياه وعلاج بأسعار مناسبة للدخل.
كما تقدم رواتب شهرية للعاطلين من العمل تفوق رواتب العاملين في بعض الأحيان، كما تحرص هذه الحكومات على جذب الاستثمارات الخارجية التي تتجه لإقامة مشروعات إنتاجية وخدمية، وهو ما يساهم في زيادة المعروض من السلع داخل الأسواق.
في المقابل، تعاير الحكومات العربية المواطنين بفقرهم، وتطبق سياسات تقشفية تساعد في نشر الفقر والبطالة حتى ولو امتلكت احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، بل وتحرص هذه الحكومات على إيداع أموالها في بنوك خارجية، وبالتالي تحرم مواطنيها من التمتع بثروات بلادهم.
9
ترتفع إيرادات الدول الغربية العامة، فتنفق حكوماتها أكثر على التعليم والصحة والبحث العلمي والبنية التحتية والمواصلات العامة والحدائق ووسائل الترفيه، وتحرص على توفير خدمات بأسعار مناسبة.
في المقابل، ترتفع إيرادات الحكومات العربية، فتنفق أكثر على حروب ومغامرات في دول أخرى، وعلى شراء وتخزين السلاح والمدافع والدبابات حتى تصدأ، وعلى مشروعات سياسية ودعائية للنظام، مشروعات لا تعود بالنفع على المواطن، وكذا على قتل المعارضين السلميين وملاحقتهم.
10
تُحابي حكومات الغرب المواطن وتدلعه، وحتى لو مُنح رجال الأعمال مزايا ضريبية ومالية، فإنها تكون بهدف مساعدتهم على زيادة الإنتاج، وبالتالي خفض أسعار السلع في الأسواق، وهو ما يفيد المواطن في النهاية.
أما العرب فيُحابون رجال الأعمال وكبار المستثمرين ويحمونهم ويمنحونهم امتيازات ضخمة، وأحياناً تُمنع ملاحقتهم قضائياً في حال ارتكاب تهم خطيرة مثل الاحتكار والفساد والتهريب.
11
الحكومات الغربية تُسعد المواطن، ومن هنا خلقت مؤشرات السعادة والرفاهية والنمو الاقتصادي لتقيس بها مدى رضا هؤلاء، بينما انتزعت حكوماتنا العربية السعادة من على وجوه مواطنيها، ولذا لا تعرف من المؤشرات الاقتصادية سوى مفردات الفقر والحرمان والبطالة والعجز والبؤس والتضخم والضرائب وزيادة الأسعار والديون والسِلَف.
فهل يأتي اليوم الذي تستورد فيه المنطقة العربية حكومات من الخارج لإسعاد مواطنيها، على غرار استيراد مديري أندية الكرة الأجانب الذين يُسعدون الجماهير العربية بالفوز في المباريات الرياضية وتحقيق الأهداف؟
* مصطفى عبد السلام كاتب ومحرر صحفي اقتصادي.
المصدر: العربي الجديد