قبل أن تحكم اليهود نهائياً ـقطعيا وأبدياـ على باقى الأمم يلزم أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلثا العالم ويبقى اليهود مدى سبع سنوات متوالية يحرقون الأسلحة التى اكتسبوها بعد النصر ويأتى المسيح الحقيقى كما يقول التلمود ويحصل النصر وتكون الأمة اليهودية إذ ذاك فى غاية الثروة لأنها تكون قد تحصلت على جميع أموال العالم، وذكر فى التلمود أن هذه الكنوز ستملأ ” سرايات ” واسعة لا يمكن حمل مفاتيحها وأقفالها على أقل من ثلثمائة حمار (6) ويأخذ قديسوا العلى المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين ” ( دانيال 7 : 18 ) ” والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت السماء تعطى لشعب قديسى العلى ملكوته ملكوت أبدى وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون ” ( دانيال 7 : 26 ) ” هكذا تتسلط الأمة اليهودية على باقى الأمم عند مجئ الماشيح، وكل خطوة إحلالية دموية هى خطوة تتحقق فى سبيل عودته وكما يرى الحاخام تسفى كاليشر” (1795- 1814) ” أنه لا مجيئ للمسيح المنتظر ما لم يبدأ اليهود مسيرة العودة إلى فلسطين لتحريرها بأية وسيلة ممكنة والإعداد لمجيئ المسيح (7).
وتصبح العودة خصيصة بنائية من البنى الخاصة بالميثاق الأبدى والعهد الإلهى سواء كانت العودة عودة لقديسى العلى أفراداً وجماعات إلى الأرض الموعودة أو عودة الماشيح، فالعودة تجسيد ” لقصة الحلول الإلهى المكثف الكامل فى إنسان فرد وهو ملك من نسل داود ” (8) ويعود مع قديسوا العلى “يحطم أعداء جماعة إسرائيل ويتخذ أورشاليم (القدس) عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل، ويحكم بالشريعتين المكتوبة والشفوية ويعيد كل مؤسسات اليهود القديمة مثل السنهدرين، ثم يبدأ الفردوس الأرضى الذى سيدوم ألف عام (9).
وخصيصة العودة سواء لقديسى العلى ـ اليهود ـ أو الماشيح الإله ابن الإنسان “تزيد من انفصال اليهود عن الأغيار ذلك أن انتظار الماشيح يلغى إحساس بالانتماء الاجتماعى والتاريخى … والرغبة فى العودة تلغى إحساس اليهود بالمكان وبالانتماء الجغرافى” (10) وقد جعل ذلك اليهود يعملون كجماعات وظيفية فى الأوطان التى نشأوا فيها، ينتظرون عودتهم إلى الأرض البهية وعودة الماشيح المخلص حيث سينتقمون من أعدائهم شر انتقام ويشغلون مكانتهم التى يستحقونها كشعب مقدس (11) وتحافظ الصهيونية على المشاعر والتوقعات المشيحانية بين أعضاء الجماعات بتصعيد إحساسهم بالاضطهاد وبعدم الانتماء لبلادهم حتى يفقدوا صلتهم بالزمان وبالمكان ويتجهون إلى إسرائيل وقد نبه هنرى فورد إلى الطبيعة المشيحانية فرأى أن اليهودى ليس شخصاً كارهاً للملوك وإنما هو فقط كاره للظروف التى تحول دون وجود ملك يهودى، إن الأوتوقراطى العالمى القادم سيكون ملك يهودى يجلس على عرش داود، كما تنص النبوءات القديمة، وكما تنص وثائق الإمبريالية اليهودية، والوثائق القديمة للبرنامج الإمبريالى (12).
الالتزام الإلهى بالعهد وبالميثاق الأبدى حتمياً مهما حدث من ابتزاز وتجاوزات مشينة وما لا يحصى من الجرائم، ولأنهم باعوا الصديق بالفضة والمسكين بنعلين وهم إنما يبتغون أن يعطى تراب الأرض رأس الفقراء، ويصدون سبيل البائسين ويدخل الرجل وأبوه على صبية واحدة ليدنسوا اسم قدسى، عاموس “(2 : 6- 7)” لكن الرب يخلى الأرض ويفرغها ويقلب وجهها ويبدد سكانها ويطالب جند العلاء فى العلاء وملوك الأرض على الأرض، ويجمعون جميعاً كأسارى فى سجن ويغلق عليهم فى حبس حتى يتعهدون ، ويخجل القمر وتخزى الشمس لأن رب الجنود قد ملك فى جبل صهيون فى أورشليم وقدام شيوخه مجد، وينزع عار شعبه فيفرح بخلاصه … وتفتح الأبواب فتدخل الأمة البارة الحافظة للأمانة … والرب يجنى من مجرى النهر إلى وادى مصر وأنتم تلقطون واحداً واحداً يا بنى إسرائيل، ويكون فى ذلك اليوم أنه يضرب ببوق عظيم فيأتى التائهون فى أرض آشور والمنفيون فى أرض مصر ويسجدون للرب فى الجبل المقدس فى أورشليم فينعقد الميثاق الأبدى ويفترس الأرض لاهوت العهد……. وفى المستقبل يتأصل يعقوب ويزهر ويفرع إسرائيل ويملأون وجه المسكونة ثماراً … وينقضان على أكتاف الفلسطينيين غربا وينهبون بنى المشرق معاً . يكون على أدوم وموآب امتداد يدهما وبنوعمون فى طاعتهما ويبيد الرب لسان مصر، بحر مصر ويهز يده على النهر بقوة ريحه ويضربه إلى سبع سواق ويجيز فيها بالأحذية…… اقتربوا أيها الأمم لتسمعوا وأيها الشعوب اصغوا لتسمع الأرض وملؤها … لأن للرب سخطاً على كل الأمم وحموا على كل جيشهم ، قد حرمهم ، دفعهم إلى الذبح … فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم … لأن الرب يوم انتقام سنة جزاء من أجل دعوى صهيون … وتتحول أنهارها زفتاً وترابها كبريتاً وتصير أرضها زفتاً مشتعلاً …… (راجع أشعياء) هكذا يؤل مصير الضحية/ الآخر، وهكذا يصير مجد يسرائيل (اشعياء) وتسيطر مملكة داود وسليمان على الوجود مرة أخرى وينخضع لها الأدنياء من الشعوب الأخرى الذين تستوجب عليهم العبودية للشعب المختار الذي حل فيه الإله.