التطبيع مع إسرائيل والصهيونية : نقاش ورؤية
- التطبيع عملية تتكلل بالفشل عندما تصطدم بجدار الظلم الصهيوني المستمر المقرونة بمقاومة ناجحة.
- تطبيع رسمي لا يعكس توجهات الشارع العربي وهو معرض للاهتزاز بفضل موقف الشارع وتطور تصوراته.
- هناك تغير في الحالة العربية الرسمية وليس الشعبية المتمسكة بالثوابت والحقوق التاريخية.
- ما يضع حدودا على هذا التطبيع أن الإقليم العربي الراهن غير ثابت وتتسم دوله بالهشاشة.
- تعادي إسرائيل الرسمية والصهيونية الحركات الشعبية في الإقليم ببعدها القومي والإسلامي والوطني.
بقلم: شفيق ناظم الغبرا
سأعرّف التطبيع مع الصهيونية بصفته تطبيعا مع الاستيطان والاحتلال ونظام الابارتهايد الإسرائيلي، وهو تطبيع مع سياسة الطرد والظلم ومنع العودة للشعب الفلسطيني.
لكن في المقابل أعي بأن الدول التي تستقبل شخصيات إسرائيلية بما فيها استقبال سلطنة عمان لنتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تحمل في الوقت نفسه رؤى أخرى متعاطفة مع الحقوق الفلسطينية.
لكن الجديد في الحالة العربية الراهنة أن هذه الزيارات تقع في ظل وضع عربي متراجع عن الشرط الذي وضعه العرب في مبادرتهم السلمية في 2002 والتي تدعو لقيام دولة فلسطينية وعودة القدس الشرقية والجولان المحتل مع إيقاف الاستيطان وضمان حق العودة والحقوق.
هناك تغير في الحالة العربية الرسمية (وليس الشعبية العربية التي تتمسك بالثوابت والحقوق التاريخية). من الضروري أن تسمع الدول العربية لصوت الشارع وصوت المجتمع العربي الذي يحمل تصورات مختلفة عن العلاقة مع إسرائيل والتطبيع وقضايا الظلم والتهميش.
في الجوهر لا يوجد تطبيع حقيقي مع إسرائيل، فهو تطبيع رسمي لا يعكس رأي الشارع العربي وتوجهاته، وهو معرض للاهتزاز بفضل موقف الشارع وتطور تصوراته.
من جهة أخرى فرقت الحركة الصهيونية باستمرار بين العدو البعيد والعدو القريب، فالفلسطينيون بالنسبة إليها المصدر الأساسي للصراع، وذلك لأنهم يصارعونها على شرعية الوجود والأرض، كما يتواجهون معها على كل مكان في فلسطين.
أما النظام العربي الرسمي فمكون من دول عربية لديها احتياجات أمنية وسياسية. لهذا تنطلق الصهيونية من إمكانية جر الدول العربية الواحدة تلو الأخرى للمساومة معها.
في السابق وعلى مر العقود نجحت الحركة الصهيونية في فتح قنوات مع قادة وملوك عرب وذلك من أجل شق الجيوش والقدرات العربية ( وقع هذا في حرب 1948 ووقع في كل المراحل).
وفي الوقت نفسه تفاهمت الصهيونية مع السادات على كامب ديفيد عام 1979، ثم تفاهمت مع أحزاب لبنانية لترتيب غزوها للبنان عام 1982.
إن هدف التطبيع من الجانب الإسرائيلي شق جبهة العالم العربي الضعيفة بالمقام الأول، ثم في الوقت نفسه تجاوز الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية للتعامل مع بقية العالم العربي الذي يزداد تشرذما.
لكن الذي يضع حدودا على هذا النمط من التطبيع أن الإقليم العربي الراهن غير ثابت. يكفي أن نذكر بأن حادثة كحادثة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في سفارة بلاده قلبت كل المعادلات الإقليمية، هذا يوضح مدى هشاشة منطقتنا ودولنا.
كما أن الانتخابات النصفية الأمريكية عكست تغيرا كبيرا في الولايات المتحدة تجاه إدارة ترامب وهذا سينعكس على اليمين الإسرائيلي وقوة نتنياهو.
كما يوجد تغير في الساحة الأمريكية وبين يهود الولايات المتحدة بالتحديد ردة فعل كبرى على موقف اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي الضعيف تجاه مجزرة المعبد اليهودي منذ أيام حيث تم قتل 11 مصليا أمريكيا. المتورطون في المجزرة من أنصار الرئيس ترامب وطرحه العنصري.
تعلم إسرائيل بشكل غريزي بأن الحركة الشعبية العربية متضامنة دائما مع الشعب الفلسطيني، ولهذا تعادي إسرائيل الرسمية والصهيونية الحركات الشعبية في الإقليم ببعدها القومي والإسلامي والوطني.
ويمكن القول في أمور التطبيع بأن الاتفاق الأردني الإسرائيلي الذي تم توقيعه عام 1994 قد ينهار مع أي تغير سياسي كبير في الأردن، وفي الوقت ذاته بإمكان السلطة الفلسطينية (التي وقعت على اتفاق اوسلو) أن تجد أنها دخلت في مرحلة عدم قدرتها على القبول بما آلت إليه الأوضاع في ظل الاحتلال مما يؤدي لحل نفسها أو البحث عن طريق مختلف.
قبل عام 2000 كان لإسرائيل جيش عميل اسمه جيش سعد حداد وفيما بعد جيش أنطوان لحد، لكن في العام 2000 تحرر الجنوب عندما حرر حزب الله تلك المناطق الجنوبية فتخلت إسرائيل عن ذلك الجيش.
وفي ظل مبادرات السلام واتفاق اوسلو عام 1994 قامت دول عربية عدة كقطر بفتح مكاتب لإسرائيل لكنها قامت بإغلاقها في ظل حرب غزة في العام 2008.
التطبيع عملية تتكلل بالفشل عندما تصطدم بجدار الظلم الصهيوني المستمر المقرونة بحالة مقاومة بطولية وناجحة.
وتعلم إسرائيل بشكل غريزي بأن الحركة الشعبية العربية متضامنة دائما مع الشعب الفلسطيني. ولهذا تعادي إسرائيل الرسمية والصهيونية الحركات الشعبية في الإقليم ببعدها القومي والإسلامي والوطني.
إن سياسة التطبيع الراهنة التي تنتهجها إسرائيل بقيادة نتنياهو واليمين هدفها واضح وبسيط:
فرض الأمر الراهن وفرض الاحتلال والاستيطان وجعله مقبولا لدى العرب، بل تسعى السياسة الإسرائيلية وسياسة الليكود لجعل العرب يتعاملون معها انطلاقا من مخاوفهم من بعضهم البعض.
في بداية هذا الاسبوع شاركت في مؤتمر مميز في المركز العربي للأبحاث في الدوحة (قطر)، كان أساس المؤتمر عمليات التحول من العنف المسلح إلى العدالة الانتقالية وتحقيق الحقوق.
كان اللافت أن أحد أهم شخصيات المؤتمر الافريقي ومؤسس جناحه العسكري مع مانديلا هو رجل أبيض اسمه روني كاسريلز. كاسريلز كان قائدا عسكريا رئيسيا في مسيرة الأغلبية السوداء لنيل حقوقها.
في المقابل لم يتعامل المؤتمر الوطني الافريقي مع روني بسلبية لأنه أبيض ولأن أصوله من أوروبا، بل تعامل معه على قاعدة موقفه وسلوكه والتزامه تجاه النضال ضد نظام الأبارتهايد والفصل العنصري والاضطهاد الموجه للأغلبية السوداء.
لقد انقلب روني الأبيض البشرة على نظام الابارتهايد بعد مجزرة كبيرة ضد المتظاهرين قتلت العشرات وجرحت المئات قام بها النظام العنصري في العام 1960.
رحب به المؤتمر الوطني الافريقي مناضلا في صفوفه ومقاوما للعنصرية كما ورحب بكل من قاوم نظام العنصرية من البيض (رغم قلة عددهم).
تتطلب المرحلة المقبلة إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، هناك فرص لإعادة بناء أسس الحركة الوطنية الفلسطينية والمشروع الوطني باتجاه تحرري واضح وباتجاه يثبت الحقوق على الأرض ويفكك نظام الحصار والتفرقة والعنصرية الذي فرضته إسرائيل على جميع الأراضي الفلسطينية.
إن إعادة بناء أسس الحركة الوطنية الفلسطينية هو الوحيد الذي سيسمح لها بمواجهة الأوضاع القادمة واستغلال فرص تصب لمصلحة التحرر والحقوق.
* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت.
المصدر: القدس العربي
اقرأ ايضاً : نتنياهو : التطبيع مع دول عربية حدث بصورة لم نتوقعها