نبوءة عصام الزامل… المعتقل السعودي
- القطاع الخاص يعتمد في نموه على إنفاق الحكومة المتراجع بسبب التقشف ولن يكون قادرا على خلق وظائف تكفي.
- هل انتهت العلاقة الأبوية مع تهاوي أسعار النفط إلى 30 دولاراً للبرميل قبل عامين وعجز متزايد بالموازنة العامة للدولة؟
- عصام الزامل رفض التفريط بثروة بلاده وطالب بعدالة اجتماعية للمواطن الذي تم تحميله منفردا كلفة (الإصلاح) الاقتصادي.
بقلم: مصطفي عبد السلام
في منتصف ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015 أرسل الخبير الاقتصادي السعودي عصام الزامل مقالاً لنشره بقسم الاقتصاد تحت عنوان “هل تنتهي الدولة الأبوية في السعودية؟”، وتحدث فيه عن علاقة المواطن بالسلطة الحاكمة في السعودية، قائلا إن المواطن يقدم السمع والطاعة لأولي الأمر مقابل توفير السلطة الحاكمة أساسيات الحياة له، من مأكل ومشرب ووقود وصحة وتعليم وغيرها.
وتساءل الزامل في مقاله: هل انتهت هذه العلاقة الأبوية في السعودية في ظل تهاوي أسعار النفط حتى وصلت إلى 30 دولاراً للبرميل قبل أكثر من عامين وعجز متزايد في الموازنة العامة للدولة؟
عقب مطالعتي المقال شدّني أسلوبه الشيق والرشيق في الكتابة الاقتصادية، فهو يستطيع أن يكتب في أعقد الملفات، سواء المتعلقة بالنفط وأسواق المال والاقتصاد الكلي والتكنولوجيا، بل والاقتصاد الاجتماعي، بأسلوب بسيط يستطيع القارئ العادي غير الملم بالاقتصاد وفروعه قراءته بسهولة واستيعاب مفرداته.
أسلوب شيق
ومن ساعتها قررت متابعة كتابات الزامل وأبحاثة المتميزة، سواء المنشورة في الصحف العربية أو التي يعرضها في المؤتمرات والندوات التي يشارك بها، خاصة أنه كان أحد الكتاب الاقتصاديين الذين كانوا يؤمنون بالشعارات والقيم التي رفعتها ثورات الربيع العربي، كما رفض وبشكل علني مذبحة رابعة التي وقعت في مصر في شهر أغسطس/ آب من عام 2013.
لم ألتق به سوى مرة واحدة، حيث كان يشارك في الدورة الثالثة لمنتدى الخليج والجزيرة العربية الذي نظمه مركز الدوحة للأبحاث في الفترة من 3 – 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، وألقى محاضرة قيمة حملت عنوان: كيف أثّرت العمالة الوافدة على فرص نجاح التنويع الاقتصادي في السعودية ودول الخليج العربي؟
فشل بيع أرامكو
ومرت شهور، وتابعت كتابات وتدوينات عصام الزامل حينما انتقد علانية قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بيع أسهم شركة أرامكو النفطية العملاقة في الأسواق المحلية والعالمية، إذ اعترض الزامل على قرار وخطة البيع، وحذّر من مغبة بيع الشركة التي هي بمثابة الفرخة التي تبيض ذهبا للسعوديين.
وقال في إحدى تغريداته الشهيرة “بعيداً عن المجاملات والكلام المبهم: النفط ملك كل الشعب. وقرار بيع النفط تحت الأرض يفترض ألا يتم إلا بموافقة الجميع، وفي ظل غياب إعلام حرّ قادر على التعبير عن الناس بشكل حقيقي. فحتى الاستفتاء العام لأخذ موافقة الشعب لبيع النفط لن يكون مجدياً”.
وتابع: “لذلك، لا أعتقد أنه من العدل ولا المنطق أن يتم بيع نفطنا تحت الأرض في صفقة تجارية في الوقت الحالي، لو تم بيع النفط كله الآن وأخذنا فلوسه كاش، وفشلنا في تنويع الاقتصاد مرة أخرى وهذا محتمل، فبعد عشرين سنة لن يكون لدينا تنويع اقتصاد ولا نفط”.
ساعتها خشي الكثيرون من بطش محمد بن سلمان بعصام الزامل، خاصة أن بيع أرامكو كان من أبرز ملامح رؤية 2030 التي تحمس لها وتبناها ولي العهد السعودي وروج لها في الأسواق العالمية على أنها باكورة إصلاحاته الشاملة والمنقذة للاقتصاد السعودي من عثراته والناقلة للبلاد إلى مصاف الاقتصاديات الكبرى.
أزمة اقتصادية في بلد ثري
وقبل انتقاد بيع شركة أرامكو انتقد عصام الزامل العديد من المشاكل الاقتصادية داخل السعودية، أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، مثلاً قال إن المواطنين يجب أن يعرفوا أن الاقتصاد السعودي ليس بخير كما تقول السلطات ووسائل الإعلام الداعمة لها.
وأنه يجب المحاربة الجادة للفساد المباشر، لا أن تتم محاربته فقط عن طريق التصريحات الإعلامية، ويجب وقف الهدر المالي في القطاعات الحكومية وزيادة دور الأجهزة الرقابية، ورفع مستوى الشفافية في كل ما يتعلق بقنوات الصرف والإنفاق الحكومي.
وانتقد الخبير الاقتصادي السعودي تفشي الفساد المالي في البلاد، بل وأكد على عدم وجود خطة اقتصادية لدى السلطات الحاكمة تنتشل البلاد من وحل التقشف، كما انحاز الزامل للمواطن الفقير حينما حذر من فرض ضرائب باهظة على المواطنين.
وحدث ما تخوف وحذر منه عصام الزامل حيث فرضت السلطات ضريبتي القيمة الانتقائية والقيمة المضافة على المواطن واللتين أدتا إلى حدوث زيادة في أسعار السلع والخدمات داخل الأسواق.
إضافة إلى زيادة أسعار سلع رئيسية منها البنزين الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 126% مرة واحدة بداية العام الجاري، كما زادت فواتير المياه والكهرباء وغيرها من خدمات النفع العام، وتم فرض رسوم على العمالة الوافدة والتي دفعت 1.3 مليون عامل وافد إلى مغادرة البلاد منذ بداية العام 2017.
أزمة السكن
وانتقد عصام الزامل وجود أزمة سكن في بلد بالغ الثراء، بلد يمتلك احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 500 مليار دولار، بلد يتجاوز دخله اليومي من النفط 500 مليون دولار، وانتقد كذلك ظاهرة احتكارات الأراضي من قبل رجال أعمال وأمراء أصحاب نفوذ في المملكة.
كذلك انتقد تنامي ظاهرة البطالة في البلد الثري، وقال إن الحكومة لن تستطع أن توفر وظائف في القطاع الحكومي المتضخم لأكثر من 3 ملايين مواطن سينضمون لسوق العمل خلال العشر سنوات المقبلة، كما أن القطاع الخاص يعتمد في نموه على نمو الإنفاق الحكومي الذي تراجع بشدة بسبب التقشف.
وبالتالي فإنه لن يكون قادرا على خلق ما يكفي من الوظائف لاستيعاب كل تلك الملايين من المواطنين في ظل الخفض المتوقع للإنفاق الحكومي مع استمرار انخفاض أسعار النفط.
ساعتها أدرك الجميع أن عصام الزامل في خطر، خاصة مع السلطات الواسعة التي تمتع بها محمد بن سلمان عقب صعوده لمنصب ولي العهد، وبالفعل حدث ما توقعه البعض، إذ اعتقلت السلطات السعودية الزامل في منتصف سبتمبر/ أيلول 2017، ضمن عشرات من العلماء والصحافيين وأصحاب الرأي وأساتذة الجامعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.
اتهامات ملفقة
عصام الزامل الآن في غياهب السجون السعودية منذ أكثر من عامين دون أي جريمة اقترفها سوى أنه رفض التفريط في ثروة بلاده، وانحاز للفقراء حينما طالب بتحقيق عدالة اجتماعية للمواطن الذي تم تحميله منفردا كلفة ما يسمى بخطة الإصلاح الاقتصادي داخل المملكة.
عصام يواجه خطر السجن لسنوات طويلة، في ظل ضخامة وخطورة التهم الملفقة الموجهة إليه وهجوم الاعلام السعودي المتواصل عليه عليه، وتوجيه النيابة العامة 24 تهمة له من بينها الإرهاب، والسعي لزعزعة النسيج الوطني، والتحريض على ولاة الأمر والحث على المظاهرات والاعتصامات، كما يتعرض لمحاكمة سرية لا يعرف أحد ما يدور بها.
الآن، وقد تحقق ما تنبأ به عصام الزامل وهو فشل طرح أسهم شركة أرامكو سواء في الداخل أو الخارج، إذ تم تأجيل الطرح عدة مرات منذ عام 2017 ثم عام 2018 ثم العام 2019 وأخيرا إلى عام 2021.
كما أعلن محمد بن سلمان بنفسه في حديثه الأخير مع وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية، وهناك كثير ممن يستبعدون إتمام طرح الشركة في عام 2021 كما أعلن بن سلمان.
فهل يتم الإفراج عن عصام الزامل الخبير الاقتصادي السعودي المتميز والحاصل على تصنيف مجلة “فوربس” كأكثر الشخصيات السعودية تأثيراً والذي كرمه الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد بنفسيهما في عام 2010؟
أم يظل في غياهب السجون هو والعلماء والخبراء وأصحاب الرأي الذين آمنوا بالأسلوب السلمي في التغيير ولم يدعوا ولو لمرة واحدة لاستخدام العنف ضد السلطة الحاكمة أو حتى تغيير نظام الحكم داخل المملكة؟
* مصطفى عبد السلام كاتب ومحرر صحفي اقتصادي.
المصدر: العربي الجديد