عكست روايات الصحافيين الغربين الذي كانوا محاصرين في بابا عمرو خلال القصف صورة مأساوية للوضع هناك قبل سقوط الحي في يد القوات الحكومية وفقا لصحف غربية نشرت رواياتهم.
وحسب الغارديان البريطانية لم يجد الصحافيون بعد أيام من البقاء في بابا عمرو بأقل ما يسد الرمق من ماء وطعام، والنشطاء حلا سوى الرحيل. وكانت سحب الدخان الكثيف تنبعث من حي بابا عمرو في مدينة حمص التي تعرضت لقصف من قبل القوات التابعة للنظام كما قال أحد النشطاء السوريين.
وقرر 4 من المراسلين الأجانب مع مجموعة من النشطاء النجاة بأنفسهم في صباح يوم الأحد والهروب من حي بابا عمرو بعد تردد. وبمساعدة سكان الحي تمكنوا من الهروب من واحد من أكثر الأحياء خطورة على وجه الأرض.
وكان الصحافي البريطاني بول كونروي، الذي لم تكن جراحه بالغة الخطورة، أول من يتسلق حفرة عمقها 5 أمتار في قلب المدينة المنكوبة، وتبعه خافيير إسبينوزا، مراسل صحيفة «إل موندو» الإسبانية المخضرم في الشرق الأوسط، بمصاحبة عدد من النشطاء.
وكان معهم أيضا إديت بوفييه وويليام دانيلز اللذان أصيبا في القصف الذي راح ضحيته كل من ماري كولفين وريمي أوشليك.
وأصيبت بوفييه بكسر في الفخذ، وأصيبت بتجلط في الدم بسبب سوء الرعاية الصحية أثناء نقلها. مع ذلك، كان واضحا حينها أن عدم نقلها يعني الهلاك المحقق. ظلت تلك المجموعة لأيام تواجه ظروفا عصيبة من قصف ونقص في الطعام والمياه، مما اضطر أحدهم إلى تناول أوراق التبغ. حسب مقال نشرته صحيفة «الغارديان».
ولم يعد الطريق الوحيد، الذي ظل لأشهر شريان الحياة بالنسبة للحي، للنجاة سهلا. والجدير بالذكر أنه ظل يؤدي هذه المهمة رغم تضييق الجيش السوري الخناق حول المناطق التي يتمركز بها الثوار حتى الأسبوع الثاني من شهر فبراير (شباط) عندما نجحت القوات الموالية للنظام في تدمير أجزاء من نقطة الدخول وتمركزت حولها.
وتقدم بول كونروي المجموعة حين بدأ إطلاق النار، فقد كان من أكثر الذين ترددوا في مغادرة الحي لعدم رغبته في التخلي عن ماري كولفين، مراسلة صحيفة «صنداي تايمز» وكذلك ترك مصير بوفييه المصابة بجروح خطيرة في يد مسؤولي الهلال الأحمر السوري.
وفي هذه الأثناء باءت كل محاولات وقف إطلاق النار بالفشل ولم يعد هناك ما يدعو إلى الثقة في اهتمام دمشق بمصير بوفييه. وساعد إسبينوزا بعض المصابين قبل تقدمه الصفوف، والتقى بنشطاء عند المدخل وكذلك كونروي.ولم يكن أمام بوفييه ودانيلز سوى العودة أدراجهم، وكانت عملية الإخلاء تتم بعشوائية في تلك اللحظة، حيث تفرقت المجموعة واضطر نصفها إلى العودة إلى الجحيم المستعر الذي هربوا منه.
ولم يكن ما حدث لكل منهم واضحا حتى مساء يوم الثلاثاء. وتمكن كونروي من الوصول إلى لبنان صباح يوم الثلاثاء، حيث قابل محرر الصور في «صنداي تايمز» وبعض مسؤولي السفارة البريطانية في بيروت.
وأثار نبأ نجاة كونروي القلق من بذل النظام السوري المزيد من الجهود من أجل الإمساك بالثلاثة الآخرين، الذين شاهدوا الأيام الأخيرة من هجوم النظام على حمص الذي اختتم بعملية عسكرية برية كانت متوقعة منذ فترة طويلة. وتمكن إسبينوزا من الهرب إلى لبنان أيضا يوم الأربعاء، وأشاد في ذلك اليوم على موقع «تويتر» بشجاعة من ساعدوه، خاصة أبو حنين والصحافيين السوريين الذين سجلوا أحداث الثورة السورية من خلال مجموعة من المقاطع المصورة.
وبعد رحلة مضنية، تمكن الصحافيان المصابان من الوصول إلى وادي البقاع في لبنان. أما بالنسبة إلى ماري كولفين وأوشليك، فقد سجل الأطباء في بابا عمرو، الذين حاولوا الحفاظ على جثتيهما أملا في إخلائهما من الحي، مقطعا مصورا يوضح مراسم جنازة بسيطة. وكان ذلك آخر أحداث أسبوع قاتم كئيب في حمص. وبينما اتجه كونروي إلى مدينة صغيرة يسيطر عليها الجيش السوري الحر، تنقل إسبينوزا من نقطة تفتيش إلى أخرى كانت الاتصالات بينها مقطوعة. أما بوفييه ودانيلز، فأسعفهما الحظ وساعدههما النشطاء في حمص على الهرب من بابا عمرو إلى منطقة أخرى من حمص.
وكانت وكالة الأنباء السورية قد قالت: إن الصحافي الإسباني الذي فر إلى لبنان خافيير إسبينوزا قد قتل وإن القوات الحكومية السورية عثرت على جثته في حمص مع جثة الصحافية الأميركية التي كانت تعمل لصحيفة «صنداي تايمز» ماري كولفين والتي قتلت في القصف للمركز الإعلامي الذي أقامه الناشطون في حي بابا عمرو، وقد نفى إسبينوزا الذي يعمل لصحيفة «إل موندو» ذلك بنفسه قائلا لصحيفته أنا حي، وقال: إنه ربما اعتقدت السلطات السورية أنه قتل لأنه في المحاولة الأولى التي قام بها للخروج من حمص ترك كومبيوتره المحمول وحقيبته وبطاقاته، وفي تغريدات قام بها على «تويتر» قال بدعابة في رسائل قصيرة «آمل إذا أعادوا لي جثتي أن أستعيد الكومبيوتر الخاص بي وبضعة آلاف من الدولارات تركتها هناك». كما قال: إنها ليست المرة الأولى التي ينسحب فيها الجيش الحر من بابا عمرو فقد حدث ذلك العام الماضي ثم عادوا وسيطروا عليه. وفي مقابلة مع «سي إن إن» وصف الصحافي الإسباني الوضع المأساوي الذي كانوا فيه قائلا: إن قصف القوات الحكومية السورية كان منتظما وإن المعركة انتهت لأن مقاتلي الجيش الحر لم يعد لديهم وسائل لوقف تقدم القوات الحكومية. وكان إسبينوزا مع الصحافيين الغربيين الآخرين في المركز الإعلامي البدائي الأسبوع الماضي عندما بدأ قصف القوات السورية عليه في بابا عمرو الذي قتل فيه ماري كولفين والمصور الفرنسي رمي أوشليك كما أصيبت الصحافية الفرنسية إديت بوفييه. وعندما بدأ القصف أبلغهم أحد نشطاء المعارضة بأن عليهم الخروج من البناية لأنها تتعرض إلى قصف مباشر، وعندما سمع الناشط صوت قذيفة قادمة حاول إدخالهم بسرعة مجددا واستطاع إسبينوزا أن يحتمي بجدار لكن ماري ورمي كانا في الخارج وسقطت عليهما القذيفة. وقد روى في حديثه إلى «سي إن إن» كيف يمر اليوم تحت القصف في حي بابا عمرو فيقول: يبدأ القصف في السادسة صباحا حتى الواحدة بعد الظهر لمدة ساعة للغداء ثم يستأنف حتى السادسة ليعود مجددا في اليوم التالي في السادسة صباحا.