تُعيد واشنطن مقاربة الملف الليبي بمفاتيح تركّز على الملف العسكري والأمنيّ، بما فيه فتح قضية تفجير لوكربي التي ظنّ الليبيون أنها أغلقت!
قضايا دفعت الدبلوماسية الأمريكية للتحرّك النشيط، بما في ذلك الملف الأفريقي الذي شهد قمة أمريكية أفريقية، لإبعاد أفريقيا عن روسيا والصين.
بسقوط نظام القذافي سقطت الصفقات السياسية المالية التي عقدها لتخليص نظامه من تلك الواقعة، وأن الحكومة الليبية وأطراف أخرى مطالبة بتنفيذ طلبات واشنطن.
لا ينفصل الاهتمام الأمريكي بليبيا عن حرب أوكرانيا وتداعياتها العالمية، بما فيها التموضع الصيني والتصعيد ضد تايوان وملف إيران والطاقة وصراع النفوذ العالمي.
تسليم حكومة الدبيبة أحد الضباط المتهمين بتفجير لوكربي إشارة واضحة عن الاهتمام الأمريكي بها مما أعاد الحديث عن مطالبة أمريكا بتسليم 17 ضابط مخابرات سابقا.
* * *
تثير زيارة وليام بيرنز، مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى ليبيا، بعض الأسئلة المتعلّقة، بداية، بسبب حضور شخصية بهذا الوزن الأمني الكبير إلى هذا البلد، ولقائه بالجنرال خليفة حفتر في بنغازي.
زيارة بيرنز التي تعتبر الأولى من وزنها منذ 11 عاما، شملت أيضا لقاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في العاصمة طرابلس، كما أن مصادر إعلامية أكدت لقاءه أيضا بحسين العائب، رئيس جهاز المخابرات الليبية (والذي تقول المصادر الليبية إنه «قريب» من حفتر)، وكذلك الصديق عمر الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي.
كشفت السفارة الأمريكية في ليبيا، مساء أمس، عن لقاء آخر جرى بين حفتر، والقائم بالأعمال الأمريكي ليزلي أوردمان، ونائب قائد القوات الجوية الأمريكية في أفريقيا، الجنرال جون دي لامونتاني، وقالت إن اللقاء خصص «لمناقشة التنسيق الأمني، بما في ذلك الطيران، وأهمية إعادة توحيد الجيش الليبي تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطيا».
وقد تبعه لقاء لأوردمان مع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، تحدث بعده عن «رأب صدع الخلافات لخدمة مصالح الشعب الليبي بما في ذلك تحقيق مصالحه في اختيار قادته».
لا يمكن، بداية، فصل الاهتمام الأمريكي بليبيا عن الحرب الأوكرانية ـ الروسية وتداعياتها العالمية، بما فيها التموضع الصيني ومخاطر تعاون بكين مع موسكو، والتصعيد ضد تايوان، والملفّ الإيراني المشتعل، ومسائل الطاقة والصراع على النفوذ في العالم، وهي قضايا دفعت الدبلوماسية الأمريكية للتحرّك النشيط على أكثر من مستوى، بما في ذلك الملف الأفريقي الذي شهد قمة أمريكية لزعماء الدول الأفريقية، على أمل إبعادها عن روسيا والصين.
تُعيد واشنطن مقاربة الملف الليبي بمفاتيح تركّز على الملف العسكري الأمنيّ، بما في ذلك فتح قضية تفجير لوكربي التي ظنّ الليبيون أنها أغلقت.
وقد شكّل تسليم حكومة الدبيبة لأحد الضباط المتهمين، مسعود أبو عجيلة، أحد الإشارات الواضحة عن التواصل الأمريكي بصددها، وهو ما أعاد الحديث عن وجود قرابة 17 ضابط مخابرات ليبيا سابقا تطالب واشنطن بتسليمهم.
الدرس المُعلن هنا أنه بسقوط نظام معمر القذافي سقطت معه الصفقات السياسية المالية التي عقدها لتخليص نظامه من تلك الواقعة، وأن الحكومة الليبية، وربما الأطراف الأخرى، مطالبة بتنفيذ طلبات واشنطن بهذا الصدد.
الملف العسكري الأمني الآخر الذي تريد واشنطن معالجته هو ملف «مرتزقة فاغنر»، الذين يشكّلون، على المستوى العسكري، احتياطيّا لروسيا في ليبيا.
وهذا الموضوع يفسّر لقاءات المسؤولين الأمنيين والعسكريين والسياسيين الأمريكيين بحفتر، أما الحديث عن «الطيران» فهو لا يمكن أن يكون عن الطيران المدنيّ ويمكن أن يفسّر كتهديد بإمكانية استخدام الطيران الأمريكي ضد تلك القوات.
الأكيد، بعد كل ذلك، صعوبة ملاحظة تأثير الاهتمام الأمريكي المفاجئ على القضايا السياسية الليبية الكبرى التي تتطرّق إليها البيانات و«تغريدات» المسؤولين الأمريكيين على «تويتر»، ومنها «توحيد الجيش الليبي تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطيا»، و «رأب صدع الخلافات»، و«اختيار القادة»، لأن الخلافات بين الأطراف الليبية ما تزال مستمرة، بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، وحكومة الدبيبة مع حكومة فتحي باشاغا، وقوات «المشير» حفتر، مع قوات الحكومة والفصائل المسلحة في طرابلس وغيرها.
يختلط الجد بالهزل في الزيارات والتصريحات الأمريكية، بشكل مقصود على الأغلب، فلنا أن نتخيّل طلب بيرنز من حفتر مساعدته بتسليم ضباط مخابرات مطلوبين للقضاء الأمريكي، رغم معرفته أن «حفتر» هو مواطن أمريكي مدان بقضايا ارتكاب جرائم حرب، أو تصريح أوردمان، بعد زيارة ضريح عمر المختار عن تشرفه بزيارة قبر «اسد الصحراء»، «الذي دافع عن سيادة ليبيا ضد القوى الأجنبية».
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: