إنها مزبلة افتراضية يدخلها البشر وغيرهم بتنسيب وبقرار أشخاص أخرين.
قد يقوم شخص بإلقاء أحدهم في مزبلة التاريخ، في حين يكون هذا الأخير قد القي بالشخص الأول في نفس المزبلة فيلتقي الخصمان هناك.
سعة هذه المزبلة الرمزية بلا حدود إذ أنها تتسع للبشر وللأفكار وللكتب والأفلام والأحداث والسياسيين والرياضيين ولمختلف شرائح المجتمع ووظائفه.
مصطلح فضفاض ومكان يتسع لكل شيء، ويستخدم بمعنى غاضب وساخر وانتقامي، ويتركز في الجانب السياسي رغم أن من دخلوه تتنوع اختصاصاتهم.
* * *
بقلم: علي سعادة
“مزبلة التاريخ” المصطلح الأشهر وعلى هامشه تغفو مصطلحات أخرى أقل شهرة وأقل استعمالا مثل: مجمع نفايات التاريخ أو صندوق قمامة التاريخ أو مكب نفايات التاريخ، مكان رمزي نلقي فيه الأشياء والأشخاص والأحداث والأيديولوجيات وما شابه ذلك.
لا يعرف مكان هذه المزبلة بشكل محدد، ولا يعرف ما هو مصير من يوضع في هذه المزبلة ، لكنه من الواضح أنه مكان منتن بالنسبة للبعض، وهو مكان افتراضي في عالم غير محسوس ولا نراه، فهو فكرة في سياق وهمي.
مزبلة التاريخ مصطلح فضفاض ومكان يتسع لكل شيء، ويستخدم بمعنى غاضب وساخر وانتقامي، ويكاد يتركز في الجانب السياسي رغم أن من دخلوه تتنوع اختصاصاتهم.
تاريخيا المصطلح استخدم في القرن التاسع عشر، لكن من أعاد إحياءه هو الزعيم الشيوعي الروسي ليون تروتسكي فكان هو أول من استخدمه في مواجهة خصومه، وفتح أول فرع لهذه المزبلة بشكل رسمي.
فقد أرسل تروتسكي خصومه المنشقين عن المؤتمر السوفييتي الثاني في عام 1917 إلى مصيرهم في المزبلة الافتراضية، حيث صرخ غاضبا:
“إنكم أناس بائسون منعزلون، أنتم مفلسون. انتهى دوركم. أذهبوا إلى حيث تنتمون من الآن فصاعدا. أنتم في مزبلة التاريخ”. وألقى بهم إلى المزبلة بينما هم ينظرون إليه مستغربين، لا زلنا نحن هنا!
ومزبلة التاريخ هي مكان شاسع المساحة يتمدد باستمرار، فقد دخله منذ بدء البشرية ملايين الأشخاص والأفكار والأكاذيب، وما يزال يقول هل من مزيد؟
إذ يعيش بيننا أشخاص في العالم الواقعي، بينما نكون نحن، في العالم الافتراضي قد ألقينا بهم في مزبلة التاريخ دون علمهم.
وكما في الثقوب السوداء ثمة ثقب في مزبلة التاريخ لا يعرف إلى أين ينتهي تحشر فيه كل الأشياء الرديئة والمنحطة.
إنها تشبه سلة المهملات على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، حيث نلقي فيها الملفات والصور التي لا نرغب بها.
وحديثا أصبحت هناك مزبلة أخرى للتاريخ وهي موجودة للبعض على منصات التواصل الاجتماعي، نلقي فيها الطائفيين والعنصرين والفاسدين والمفسدين وساسة اللعب على حبال الكذب والنفاق وتزييف الحقائق، وتتسع لعلماء العدو والمطبعين والمنافقين.
وكما نلقي بالأشخاص افتراضيا ومجازيا فيها، ينبغي علينا أيضا أن تلقى بأشياء كثيرة في حياتنا في صندوق القمامة على نحو مبكر من حياتنا حتى لا تضيع سنوات عمرنا ونحن نشارك القمامة أيامنا وليالينا.
يبدو أن سعة هذه المزبلة الرمزية بلا حدود إذ أنها تتسع للبشر وللأفكار وللكتب والأفلام والأحداث والسياسيين والرياضيين ولمختلف شرائح المجتمع ووظائفه.
بالطبع، قد يقوم شخص بإلقاء أحدهم في مزبلة التاريخ، وفي نفس الوقت يكون هذا الشخص قد القي بالشخص الأول في نفس المزبلة فيلتقي الخصمان هناك. لماذا لأنها مزبلة افتراضية يدخلها البشر وغيرهم بتنسيب وبقرار أشخاص أخرين.
*علي سعادة كاتب صحفي من الأردن
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: