سلسلة الإجراءات الاستثنائية التي اقترن بالانقلاب تتابع فرض مفاعيلها السلبية التي باتت تتجاوز بكثير حلّ مجلس السيادة ومجلس الوزراء وفرض حالة الطوارئ واعتقال عدد من الساسة والوزراء والولاة.
يزيد من المصاعب الكامنة أصلا في قلب هذه القضايا ومن حولها أن قوى أخرى ترفض الاتفاق الإطاري أصلاً.
* * *
افتتح السودان العام الجديد 2023 بمؤشرات متضاربة تدعو إلى التشاؤم من جهة، كما لا تخلو من مظاهر تحض على التفاؤل من جهة ثانية، الأمر الذي يؤكد في الحالتين أن الأوضاع المعقدة التي يعيشها البلد ما تزال المعطى الأول والأبرز، وأن مسافات متقاربة من التقدم أو التراجع أو المراوحة في المكان ما تزال تحكم الجهود الرامية إلى بلوغ درجات ملموسة من الاستقرار المنشود.
وإذْ تخيم على المشهد عواقب الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 منهياً صيغة تقاسم السلطة بين العسكر والقوى المدنية ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، فإن سلسلة الإجراءات الاستثنائية التي اقترن بالانقلاب تتابع فرض مفاعيلها السلبية التي باتت تتجاوز بكثير حلّ مجلس السيادة ومجلس الوزراء وفرض حالة الطوارئ واعتقال عدد من الساسة والوزراء والولاة.
فبسبب من الانقلاب باشر السودان سنة جديدة من دون إقرار موازنة، الأمر الذي يعني تعطيل الكثير من أجهزة الدولة، وإبقاء السياسات الضريبية في حال عشوائية من التجاذب، وبالتالي إضافة المزيد من مشاق الحياة على مواطن يكتوي أصلاً بنيران الغلاء وندرة المواد الأساسية وتدهور العملة الوطنية.
على جانب آخر يمكن أن يبشر بنطاق محدود من الحلحلة، يواصل الجيش مفاوضاته مع المجلس المركزي في قوى إعلان الحرية والتغيير، ومع أطراف سياسية متوافقة معها، للتوصل إلى بلورة بعض بنود اتفاق الإطار الذي تمّ التوصل إليه مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وتضمن تحديد فترة انتقالية تمتد سنتين تبدأ من تاريخ تسمية رئيس وزراء وتُختتم بإجراء انتخابات شاملة، كما نصّ على تشكيل مجلس تشريعي ومستوى سيادي ومجلس وزراء، على أن تكون هذه الهيئات مدنية بالكامل.
لكن المضامين الإيجابية الظاهرة لذلك الاتفاق ارتطمت سريعاً بأكثر من عقبة كأداء كامنة، لعل خلاصتها الأوضح تتمثل في ما بات اليوم يُعرف تحت تسمية القضايا الخمس العالقة، التي تشكل بذاتها جوهر التوافق: مسارات العدالة ونظيرتها العدالة الانتقالية، والإصلاحات الواجبة في أجهزة الجيش والأمن والشرطة، وإعادة تقييم اتفاق السلام، وآليات تفكيك النظام السابق، ومعالجة مشكلات شرق السودان.
ويزيد من المصاعب الكامنة أصلا في قلب هذه القضايا ومن حولها أن قوى أخرى ترفض الاتفاق الإطاري أصلاً لاعتبارات عديدة أبرزها أنه يقطع «طريق الحراك الشعبي» ويشكل «خيانة للثورة السودانية» ولضحايا الانقلاب الذين بلغت أعدادهم 121 قتيلاً وقرابة 6000 جريح، كما يأمن للجيش من حيث الالتزام بالتعهدات وتسليم الحكم إلى المدنيين والعودة إلى الثكنات رغم أن انقلاب خريف 2021 ما يزال ماثلاً للعيان وعواقبه تخنق حاضر السودان. كذلك فإن العهدة برعاية المفاوضات بين الجيش والموقعين على الاتفاق من المدنيين إلى جهات خارجية، على شاكلة الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» والرباعية الدولية، يضعف الحوار الوطني السوداني ـ السوداني وقد يحيله إلى مساومة إقليمية ودولية.
وبين تفاؤل وتشاؤم قد يصح اختصار المشهد في معادلة مفاوضات إطارية مشجعة، محكومة مع ذلك بعواقب انقلابية مثبطة.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: