يشير بعض الاقتصاديين إلى أن البحرين أصبحت على شفير الإفلاس، نظراً إلى انخفاض الدعم الخليجي من جهة، وتضخّم الإنفاق غير الأساسي.
عمد النظام للترغيب والترهيب، واستغلّ العسكريين وجيوش المُجَنّسين لزيادة نسبة التصويت رغم حجْم العزوف عن المشاركة في هذه الانتخابات.
تحدّث بابا الفاتيكان فرانسيس عن حاجة البحرين إلى التنفيذ العملي لمجموعة القواعد والأُسس المرتبطة بالحريّات ووقف التمييز واحترام حقوق الإنسان،
عبّرت أكثر من 90 دولة منها عُمان وتونس والمغرب، أثناء مداخلاتها، عن عدم رضاها عن السجلّ الحقوقي لهذا البلد. وقدّمت الدول 245 توصية للسلطات.
يتمّ تكريس استبداد الحكم في البحرين عبر سيطرة عائلة واحدة على السلطة والثروة، وتهميش وإقصاء سيادة الشعب، كونه دستورياً هو مصدر السلطات.
أوغلت السلطة في التطبيع الخائن باستقبالها رئيس حكومة الكيان الصهيوني رغم الرفض الشعبي والنخبوي العارم، فخرجت التظاهرات بمختلف مناطق البحرين.
* * *
بقلم: جلال فيروز
خلال عام 2022، شهدت البحرين مزيداً من التراجعات والانتهاكات على مختلف الأصعدة، في حين كان بإمكان السلطات الاستفادة من تحسُّن الإيرادات النفطية لتحسين الواقع المعيشي المأزوم الذي تعيشه غالبية الشعب، واستغلال المحطّات السياسية لردْم الهوة بينها وبين الناس.
فجور في التطبيع
على الصعيد السياسي، أوغلت السلطة في وحل التطبيع الخائن باستقبالها رئيس حكومة الكيان الصهيوني، على رغم الرفض الشعبي والنخبوي العارم، حيث خرجت التظاهرات في مختلف مناطق البحرين مندّدة بتدنيس أرض البلاد بمجرم سافك للدم الفلسطيني، كما أصدرت المنظمات السياسية والمجتمعية – حتى تلك القريبة من السلطة – بيانات استنكار، اعتبرت فيها الزيارة عاراً على البحرين، وشدّدت على رفضها لاتفاقات الخيانة.
وكانت السلطات قد أقدمت، في شباط الماضي، على توقيع اتفاق أمني مع العدو يشمل الاستخبارات والتدريب والسماح بوجود عناصر عسكريين واستخباريين إسرائيليين في داخل الأجهزة العسكرية والأمنية للبحرين، كما تمّ بموجبه السماح بنصب أجهزة رصْد عسكرية بإدارة العدو على عدّة مواقع وموجّهة إلى دول الجوار.
وجاء كل ذلك عبر قرار من العائلة الحاكمة بجعل البحرين منصّة أمنية وعسكرية لاستهداف دول المنطقة، ما من شأنه أن يعرّض أمن البلاد واستقرارها للخطر.
من جهة أخرى، كشفت تقارير موثّقة بالخرائط عن خطّة لتهويد العاصمة المنامة، وتحويل نحو 40% من الأحياء القديمة للمدينة، إلى مسارات ومبان ورموز يهودية، وعن مساعٍ حثيثة لشراء مبانٍ قديمة بأسعار عالية جداً، وذلك لتشييد الحيّ اليهودي والمعالم اليهودية.
انتخابات خائبة
منذ بداية العام، أَعدَّ النظام في البحرين العدّة لدفع الناس إلى المشاركة في انتخابات غير ديموقراطية في نوفمبر، مستخدماً كلّ الوسائل من أجل إبراز نسبة كبيرة من المشاركة.
فعمد إلى وسائل الترغيب والترهيب، واستغلّ العسكريين وجيوش المجنّسين الجدد لزيادة النسبة، على رغم أن المراقبين لاحظوا حجْم العزوف عن المشاركة في هذه العملية.
وكانت «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية»، كبرى جمعيات المعارضة، أصدرت كتيّباً يتضمّن 139 سبباً «لمقاطعة الانتخابات النيابية الصورية»، فيما شهد العديد من مناطق البلاد تظاهرات حاشدة دعا فيها المحتجّون إلى مقاطعة الانتخابات. ولتزييف نسبة المشاركة، كرّرت الحكومة «العزل السياسي» لحوالى ربع الناخبين عبر حذف أكثر من 100 ألف ناخب ينتمون إلى المعارضة من قوائم الناخبين.
وعلى رغم ادّعاء السلطات أن الإقبال بلغ 73%، إلّا أن المعارضة أَثبتت، عبر قرائن علميّة وعبر مراقبيها، أن النسبة لم تتجاوز الـ37%، فيما أغلب المشاركين من العسكريين والمجنّسين الجدد.
زيارة البابا وانقلاب السحر على الساحر
في تشرين الثاني 2022، استقبلت السلطات البحرينية بابا الفاتيكان، فرانسيس، في مسعىً، بحسب بعض المراقبين، إلى تبييض سجلّها الحقوقي والسياسي الأسود.
ورغم دفعها أموالاً طائلة للإعداد لهذه الزيارة، إلّا أنها انعكست سلباً عليها، حيث فاجأ البابا فرانسيس، في خطابه أمام «منتدى التعايش الإنساني» الذي نظّمته الحكومة، الأخيرة حين تحدّث عن حاجة البحرين إلى التنفيذ العملي لمجموعة القواعد والأُسس المرتبطة بالحريّات ووقف التمييز واحترام حقوق الإنسان.
وطالب بـ«ضرورة تعزيز المساواة في الحقوق، وضمان الاحترام لكلّ الطوائف، والاهتمام بجميع الذين يشعرون بأنهم على هامش المجتمع كالسجناء»، و«التخلي عن عقوبة الإعدام وضمان حقوق الإنسان الأساسية لجميع المواطنين».
وكانت التقارير أشارت إلى أن البابا دعا، خلال لقائه وليّ عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد، إلى ضرورة أن يشعر البحرينيون بالأمن والطمأنينة، وأن توفَّر الحياة الكريمة لكلّ أفراد الشعب على حدٍّ سواء، فيما كان الحديث المباشر للبابا مع ملك البحرين أكثر صراحة في ما يتعلّق بالأزمة القائمة بين الحكم والشعب.
وقبيل هذه الزيارة، أصدرت 130 منظّمة حقوقيّة بياناً مشتركاً طالبت فيه بابا الفاتيكان بتبنّي مبادرة لحثّ السلطات البحرينية على إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، والتحوّل الحقيقي نحو العدالة الانتقاليّة.
وعلى المنحى ذاته، أصدرت جهات دينية وسياسية بحرينية، ومنها علماء الدين القابعون في المعتقلات، بيانات للحبر الأعظم دعته فيها إلى الضغط على النظام من إجل إحقاق الحقوق والحريات.
تصاعد الانتهاكات وترسيخ الاستبداد
بين السابع والحادي عشر من تشرين الثاني 2022، عقد «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة سلسلة اجتماعات لفحص سجل حقوق الإنسان في البحرين. وتمّ خلال الاجتماعات، السماح لمندوبي الدول الأعضاء بإبداء آرائهم وتوصياتهم حول سجلّ سلطات البحرين.
إذ عبّرت أكثر من 90 دولة من بينها سلطنة عُمان وتونس والمغرب، أثناء مداخلاتها، عن عدم رضاها عن السجلّ الحقوقي لهذا البلد. وقدّمت الدول 245 توصية للسلطات، مطالبة إيّاها بتنفيذها خلال السنوات الأربع المقبلة.
وفي الثاني من الشهر الماضي، أصدرت «لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري» (CERD) تقريراً انتقدت فيه سجلّ البحرين في قضايا حقوق الإنسان.
وقد أوردت، في تقريرها، قصور السلطات في هذا المجال خصوصاً في ما يتعلّق بالتمييز بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون، بما في ذلك القضايا المتعلّقة بمساحة المجتمع المدني، المدافعين عن حقوق الإنسان، الإتجار بالبشر، العمّال المهاجرون، قوانين الجنسية، وحقوق مجتمعات البحارنة والعجم.
وكانت جمعية «الوفاق» أصدرت تقريراً كشفت فيه عن توثيق مئات الانتهاكات لحقوق الإنسان خلال عام 2022، مبيّنة وقوع الكثير من الانتهاكات الفرديّة في السجون، من تعذيب وسوء معاملة وحرمان من العلاج والتعليم وغير ذلك.
وفي 19 تشرين الثاني 2022، نظّمت السلطات المؤتمر الأمني السنوي المسمّى «حوار المنامة»، في مسعى إلى توظيفه من أجل تضليل العالم عن حقيقة الأوضاع السياسيّة والحقوقية والأمنيّة السيئة، والتعتيم على واقع الوطن المأزوم. وقد شارك في المؤتمر عدد من الدول عبر أجهزتها العسكرية والأمنيّة للحديث حول سبل التحاور للحدّ من النزاعات والأمن الإقليميّ المختلّ.
أتى ذلك في وقت كان يتمّ فيه تكريس الاستبداد في الحكم في البحرين عبر سيطرة عائلة واحدة على السلطة والثروة، وتهميش وإقصاء سيادة الشعب، كونه دستورياً هو مصدر السلطات جميعاً، وتُمنع لغة الحوار الداخلي، ويتصدّر فيها القمع وتكميم الأفواه وإغلاق التنظيمات السياسية ذات الشعبية الكبرى، ويتمّ تجريم كل مَن يتداول علناً أوجه الاستبداد والفساد والانتهاكات في البحرين.
تضييق معيشي رغم زيادة الإيرادات
خلال العام الماضي، انتعشت أسعار النفط وتضاعفت إيرادات البحرين، حيث إن حوالى 70% منها تأتي عبر بيع النفط الخام والمشتقّات النفطية. وكان مؤمّلاً أن ينعكس ذلك إيجابيّاً على الوضع المعيشي المتأزّم للفرد البحريني، وينتعش الاقتصاد الوطني، وتقلّ نسبة البطالة، إلا أن الآمال قد خابت، بل أصبح الوضع المعيشي أكثر ثقلاً على كاهل المواطن.
وثبت للجميع أن هناك سوء إدارة للاقتصاد في البحرين، وفشل في إدارة خطّة ترشيد الإنفاق عبر وقف الهدر بتمويل الموازنات العسكرية والأمنية الثقلية، وسياسة التجنيس التي ترهق الاقتصاد الوطني، وبالصرف على سباقات الفورمولا والألعاب التي لا تدعم الاقتصاد.
ويشير بعض الاقتصاديين إلى أن البحرين أصبحت على شفير الإفلاس، نظراً إلى انخفاض الدعم من بعض دول الخليج من جهة، وتضخّم الإنفاق غير الأساسي. وارتفع الدين العام إلى 130%، فيما ارتفعت قيمة خدمة هذا الدَّين (القسط السنوي على الفائدة) إلى زهاء ثلث الإيرادات، وازدادت الأعباء المعيشية على كاهل المواطن عبر رفع الدعم عن السلع الأساسية والكهرباء والبنزين، ووقف الزيادة السنوية لمعاش المتقاعدين، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 10%.
ما عرضته في هذا المقال، هو جانب من التراجعات التي شهدتها البحرين خلال عام 2022، ولا يتّسع المجال لاستعراض جوانب أخرى، كمظاهر الفساد خلال العام الماضي، وتضييع فرص الاستغلال الاقتصادي لإقامة كأس العالم على مقربة من البحرين، وتصعيد الخلافات مع دول الجوار، وغير ذلك من أوجه سوء الحكم والاستبداد.
* جلال فيروز نائب سابق في البرلمان البحريني
المصدر: الأخبار – بيروت
موضوعات تهمك: