القرار يأتي في إطار مواجهة الموجة العنيفة من ارتفاعات الأسعار التي تشهدها السوق المصرية، بخاصة مع الخسائر الصعبة التي تطارد الجنيه المصري مقابل الدولار.
ما زال عديد من العوامل يسهم في استمرار حال عدم اليقين المرتبطة بتوقعات الأسعار العالمية للسلع الأساسية.
تشير لجنة السياسة النقدية إلى تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب في الفترة الأخيرة، وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى، وفي ارتفاع أسعار عديد من بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية.
* * *
بينما كانت التوقعات تشير إلى رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بما يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار الفائدة بنحو 300 نقطة أساس، بما يعادل نحو ثلاثة في المئة.
وأكد محللون أن القرار يأتي في إطار مواجهة الموجة العنيفة من ارتفاعات الأسعار التي تشهدها السوق المصرية، بخاصة مع الخسائر الصعبة التي تطارد الجنيه المصري مقابل الدولار، إذ بلغ معدل التضخم أعلى مستوى في أكثر من خمس سنوات خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب خسائر الجنيه وارتفاعات الأسعار عالمياً. وقررت اللجنة رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25 في المئة، و17.25 في المئة، و16.75 في المئة على الترتيب، كما تقرر رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى مستوى 16.75 في المئة.
وتأتي قرارات اللجنة على رغم اتجاه توقعات المحللين وشركات الأبحاث وبنوك الاستثمار إلى أن زيادة أسعار الفائدة خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية خلال العام الحالي ستكون في حدود واحد إلى اثنين في المئة، أي بين 100 و200 نقطة أساس فقط.
أزمة شح الدولار وخسائر الجنيه المصري
أستاذ الاقتصاد الكلي عماد كمال أكد أن القرار يعمل على امتصاص جزء كبير من السيولة المتاحة في السوق المحلية، التي تتسبب بشكل مباشر في استمرار ارتفاع الأسعار في ظل ثبات المعروض بل ونقص بعض السلع بسبب أزمة شح الدولار.
وأشار إلى أن رفع أسعار الفائدة بهذه النسبة يعطي لجنة السياسة النقدية مزيداً من الفرص لتهدئة مخاوف الحكومة والشارع المصري من التضخم، بخاصة أن من المتوقع أن تطرح البنوك التابعة للحكومة المصرية شهادات استثمار بعائد مرتفع تعمل على امتصاص جزء من السيولة الضخمة التي تسهم مع عوامل أخرى في ارتفاع أسعار السلع. وقال إنه خلال شهر مارس (آذار) الماضي، وعقب قرار البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة وخفض قيمة الجنيه، أعلنت بنوك حكومية عدة عن إصدار شهادات استثمار بعائد سنوي بلغ 18 في المئة، وخلال شهرين فقط تمكنت هذه الشهادات من سحب نحو 750 مليار جنيه (30.364 مليار دولار) من السوق المحلية.
وأشار إلى أن البنك المركزي المصري يواجه عديداً من الضغوط في الوقت الحالي، وتعد أزمة تراجع سعر صرف العملة مقابل الدولار الأميركي من كبرى الأزمات، بخاصة أن العملة المصرية فقدت أكثر من 57 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، وهو ما تسبب في إضافة مزيد من الأعباء التضخمية على جميع المصريين.
تعافي النشاط الاقتصادي خلال الربع الثالث
وفي بيانه، أكد البنك المركزي المصري أنه على الصعيد العالمي فقد تراجعت توقعات الأسعار العالمية للسلع الأساسية بشكل طفيف، مقارنة بالتوقعات التي تم عرضها على لجنة السياسة النقدية في اجتماعها السابق، كما اتجهت الأوضاع المالية العالمية نحو الاستقرار، مع إشارة عديد من البنوك المركزية في الخارج إلى احتمال وصول معدلات التضخم إلى ذروتها وبدء مسارها النزولي.
ومع ذلك ما زال عديد من العوامل يسهم في استمرار حال عدم اليقين المرتبطة بتوقعات الأسعار العالمية للسلع الأساسية. وتتمثل أهم تلك العوامل في التباطؤ المتوقع في النشاط الاقتصادي العالمي وتخفيف الإجراءات الاحترازية المتعلقة بوباء كورونا في الصين واستمرار حال عدم اليقين جراء الحرب الروسية – الأوكرانية وتأثيرها في التوقعات المتعلقة بسلاسل التوريد العالمية.
وعلى الصعيد المحلي تشير البيانات المبدئية إلى تعافي النشاط الاقتصادي خلال الربع الثالث من عام 2022، إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي معدل نمو بلغ 4.4 في المئة مقارنة بمعدل بلغ نحو 3.3 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2022.
وقد جاء النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مدفوعاً بالمساهمة الموجبة لقطاعات الزراعة وتجارة الجملة والتجزئة والسياحة، فضلاً عن ذلك استمرت معظم المؤشرات الأولية في تسجيل معدلات نمو موجبة خلال الربع الرابع من عام 2022، وفي ما يتعلق بسوق العمل سجل معدل البطالة 4.7 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2022، مقارنة بمعدل بلغ نحو 2.7 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2022.
وقد استمر المعدل السنوي للتضخم العام في الارتفاع بدرجة أكبر خلال الربع الرابع من عام 2022، مسجلاً مستوى 18.7 في المئة خلال شهر نوفمبر الماضي، وهو أعلى معدل له منذ ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017. وبالمثل استمر المعدل السنوي للتضخم الأساسي في الارتفاع منذ أكثر من عام ليسجل 21.5 في المئة خلال شهر نوفمبر 2022 وهو أعلى معدل له منذ نوفمبر 2017.
وقد تأثر معدل التضخم في نوفمبر 2022 بانخفاض قيمة الجنيه المصري خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وكذلك زيادة المعروض النقدي، إضافة إلى استمرار الآثار السلبية الناجمة عن اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية. وقد جاء معدل التضخم السنوي للسلع الغذائية مدفوعاً بشكل أساس بارتفاع معدل التضخم للسلع الغذائية الأساسية منذ بداية عام 2022.
وإضافة إلى ذلك جاء ارتفاع معدل تضخم الخدمات منذ بداية عام 2022 مدفوعاً بارتفاع أسعار خدمات المقاهي والمطاعم بشكل أساس، في حين شهدت بنود مجموعة السلع الاستهلاكية خلال الفترة نفسها ارتفاعاً واسع النطاق. ونتيجة لتلك التطورات بات من المتوقع أن يتخطى المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر مستواه المستهدف والمعلن عنه مسبقاً من قبل البنك المركزي والبالغ نحو سبعة في المئة في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
تزايد الضغوط التضخمية
وتشير لجنة السياسة النقدية إلى تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب في الفترة الأخيرة، وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى، وفي ارتفاع أسعار عديد من بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية. وتأكيداً لالتزام البنك المركزي بتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط، وبالتوازي مع إعلان البنك المركزي سابقاً استهداف معدلات تضخم على مسار نزولي، فقد تم تحديد معدلات التضخم المستهدفة خلال الفترة المقبلة عن مستوى سبعة في المئة في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى خمسة في المئة في المتوسط خلال الربع الأخير من عام 2026.
وفي ضوء ما سبق قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار الفائدة بنسبة ثلاثة في المئة بما يعادل نحو 300 نقطة أساس لاحتواء الضغوط التضخمية وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة. وتؤكد اللجنة أن المسار المستقبلي لمعدلات التضخم يعتمد على الزيادات التراكمية لأسعار العائد إلى تاريخه والتي تستغرق وقتاً للتأثير في معدلات التضخم.
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: