متغيرات تجعل عملية التكيف شبه مستحيلة في ظل الحاجة لاتخاذ إجراءات وقرارات متعارضة ومتناقضة.
الخطة الوحيدة محليا خطة وجودية لا تحتمل تكيف سلبيا مفرطا مع احتجاجات وأزمة اقتصادية وجيوسياسية إلى حد تجاهل وجودها أو إنكارها.
خليط يصعب فهم صلته بالواقع فما أعلن عنه مجرد امتداد لسياسات قائمة لا جديد فيها بل تُعد محل جدل ومصدر قلق وشكوك كأسباب ومدخلات تفاقم الأزمة!
أوروبا وأمريكا فاعل أساسي في بنية وهندسة الحلول الاقتصادية والإدارية، وصندوق النقد والبنك الدولي، ما يجعل الحكومة مرتهنة بقدرتها على صياغة علاقة بالمانحين والمقرضين.
* * *
بقلم: حازم عياد
أعلن رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة نايف بخيت، أنه تم شحن 2000 حاوية من ميناء العقبة إلى سائر محافظات المملكة، وأن المفوضية قررت الامتناع عن فرض غرامات على الحاويات المتأخرة في ساحات التخزين.
في المقابل؛ أعلن وزير الداخلية مازن الفراية أنه أصدر تعليماته بعدم ملاحقة المتظاهرين والمحتجين على ارتفاع اسعار الديزل، ما لم يثبت تورطهم في عمليات إطلاق نار وتخريب.
الإعلانات المتتابعة توحي بانتهاء الإضراب والاحتجاجات المرافقة له في الشارع، ما يوحي بأن إجراءات الحكومة بتأجيل القروض وصرف وجبة جديدة من المعونة الوطنية، وتعديل تعرفة الحمولات من شركات الفوسفات والبوتاس والبرومين وتعرفة النقل المتعلِّقة بالحاويات، ومعاملة هذا القطاع فيما يتعلَّق بالأجور، بنفس المعاملة التي تعاملها وزارة الصناعة والتجارة والتَّموين التي تعكس سعر الدِّيزل صعوداً وهبوطاً بحسب ما نقل عن رئيس الوزراء بشر الخصاونة أمس الأحد خلال اجتماع مجلس الوزراء؛ توحي بأن الحكومة نجحت في تجاوز الموجة المرتفعة للاحتجاجات، بل وتخطتها.
الاعلان عن مراجعة مرتقبة لأسعار الديزل بما يتناسب مع تراجع الأسعار عالميا بداية العام القادم، خصوصا التي دعمتها مؤشرات الأسواق نهاية الاسبوع الفائت بتراجع يقدر 2% على أسعار النفط عالميا سارت بالتوازي مع ارتفاع في أسعار الفائدة بعد قرار الفيدرالي الامريكي؛ ليتبعها المركزي الاردني صباح اليوم برفع الفائدة بمقدار 50 نقطة؛ مستثنيا مشاريع التنمية في المحافظات والتي تقدر بمليار و100 مليون دينار، والمشاريع الصغرى والمتوسطة والمقدرة بـ700 مليون دينار؛ علماً أنها لا تمثل نسبة كبيرة من حجم الدين العام للأفراد والشركات والمصالح الخاصة والعامة والحكومية، وهي متغيرات تجعل من عملية التكيف شبه مستحيلة في ظل الحاجة لاتخاذ إجراءات وقرارات متعارضة ومتناقضة.
كل ذلك سار بالتوازي مع إعلان وزارة التخطيط توقّيع الحكومة وبنك الاستثمار الأوروبي، الأحد، اتفاقية قرض ميسر بقيمة 200 مليون يورو، للمساهمة في تمويل مشروع “الناقل الوطني” الخاص بتحلية ونقل مياه “البحر الأحمر” لكافة المحافظات، والذي تبلغ كلفته الإجمالية نحو 4.2 مليار دولار، وفّرت الحكومة منها حتى اللحظة 1.7 مليار دولار.
ومع إصدار وزير المياه محمد النجار بياناً، الاحد، قال فيه إن الخطة الاستراتيجية للوزارة التي جرى تحديثها أخيرا، تضمنت الإسراع بتنفيذ مشاريع لاستبدال الشبكات، وتعزيز قدرتها وتحسين أدائها للحد من الفاقد المائي بنسبة 2 بالمئة سنويا للأعوام (2022-2040) من خلال مشاريع بقيمة نحو 350 مليون دولار ممولة من الوكالة الأميركية للتنمية (USAID)، وبنسبة 10 بالمئة من الحكومة في بعض مراحل المشاريع للمرحلة الثانية وجميع مشاريع المرحلة الثالثة، فأوروبا وأمريكا فاعل أساسي في بنية وهندسة الحلول الاقتصادية والإدارية، إلى جانب صندوق النقد والبنك الدولي، ما يجعل السياسات الحكومية مرتهنة بقدرتها على صياغة العلاقة مع المانحين والمقرضين.
قراءة البيانات الصادرة عن الحكومة ومحاولة تفحص الارقام والمشاريع والاجراءات المعلن عنها، سواء من الحكومة او البنك المركزي؛ تربك العقل والذهن في محاولة لرسم معالم خطة عمل حكومية توضح كيفية التعامل مع ازمة الاضراب والاحتجاجات المتصلة وتجاوزها، سواء كانت خطة امنية او سياسية واقتصادية – اجتماعية؛ مرفقة بإجراءات مالية.
خليط يصعب فهم صلته بالواقع القائم، فما أعلن عنه مجرد امتداد لسياسات قائمة لا جديد فيها من حيث الجوهر، بل إنها تعد محل جدل ومصدر للقلق والشكوك باعتبارها أسباباً ومدخلات فاقمت من الازمة، وعمقت الفجوة بين الحكومات المتتابعة والشارع بعمومه.
فالحلول والإجراءات ما هي الا مغذيات للحراكات الاحتجاجية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي؛ راسمة في أحيان كثيرة ملامح الخطاب لدى حركات الاحتجاج، كونها تربط بين هذه السياسات والازمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي تمزجها بين الحين والآخر بمشاريع اقليمية يتوجس منها الشارع وجهاز الدولة برمته.
فأزمة الطاقة والمياه مثقلة بحمولة جيوسياسية توجه فيها أصابع الاتهام للولايات المتحدة والكيان الصهيوني والقوى الاوروبية التي تربط بين الحلول الاقتصادية والمشاريع الجيوسياسية في المنطقة، وخصوصا في الاراضي الفلسطينية التي دخلت منعطفا خطيرا بعد اطلاق برنامج عمل جديد يقوم على الحل الاقتصادي وبين الاستقرار والامن الاقليمي؛ وهو ما قاد إلى تصاعد المواجهات والصدامات مع الاحتلال على عكس المخطط له والمتوقع؛ منذرا بمواجهة شاملة لا تخدم الرؤى الغربية (الامريكية الاوروبية) ومن ورائها الاسرائيلية في الاراضي المحتلة.
بين الواقع والطموح وأدوات الاشتباك وخطط المرحلة التكتيكية والاستراتيجية؛ يصعب رسم ملامح خطة عمل حقيقية دون الاشتباك مع الواقع الاقليمي والتحولات الجيوسياسية المرتقبة فيه.
رغم ذلك؛ فإن الازمة لن تختفي وستبقى كامنة لن تعالجها المشاريع الاقليمية والتحولات الجيوسياسية المرتقبة بل ستفاقمها، فتراجع مظاهر الاحتجاج التي عبر عنها عبر احتجاج اجتماعي اقتصادي مطلبي في جوهرة ولبه لن يكون – إن حدثت – سوى استراحة محارب؛ لتعود بحمولة سياسية اكبر كونها تتفاعل مع الواقع الجيوسياسي، منتجة خطاباً أكثر تعقيدا من سابقه وأعلى سقفا؛ تغذيه تصريحات المسؤولين حول الطاقة والمياه التي لا تبدد المخاوف والهواجس، بل تغذيها بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة.
تطور وفاعلية خطاب المحتجين وتحركاتهم على الارض تقرع جرس إنذار للطبقة السياسية والاكاديمية والمثقفة برمتها، سواء كانت في الحكومة أو المعارضة أو في اللامكان، كما تقرع جرس إنذار في الاقليم برمته ولدى صناع القرار في الغرب اميركا واروبا خاصة؛ ما يستدعي من صناع القرار والمراقبين والمحللين والباحثين في مختلف المجالات قراءة الازمة بتفاعلاتها العميقة، والتي أنتجت خطابا إشكاليا أكثر تعقيداً مما تطرحه النخبة المجتمعية السياسية والاكاديمية والاقتصادية التقليدية، فالأزمة مرشحة للعودة بقوة وبأشكال وصور متجددة.
ختاما.. الاجراءات والبيانات الحكومية والاعلانات والاتفاقات تضفي مزيد من الارباك على طريقة عمل الاقتصاد في الاردن والعوامل المؤثرة في حركته وبنيته، كما تطرح تساؤلات حول قدرة البنى والهياكل على تحمل الضغوط او التكيف معها بفاعلية، دون أن تتفكك وتنهار معها بنى وهياكل اجتماعية واقتصادية وسياسية وإدارية واجتماعية مهمة للاستقرار والبقاء، خصوصا أنها بنى معتمدة على آليات ومحركات اقتصادية يصعب التحكم أو التأثير فيها محليا بالمطلق.
قراءة تستدعي إطلاق حوار اقتصادي اجتماعي سياسي يعالج جوهر الأزمة لا مظاهرها، وسبل التكيف السلبي المفرط معها، فالحاجة إلى تكيف ايجابي لها متطلبات تستدعي تفعيل بنى الدولة ومؤسساتها وقوى المجتمع وبناه وهياكله الاقتصادية قبل أن تضرب موجة جديدة، أو أن تتطور الموجة الحالية من الاحتجاج نحو مسار يصعب كبحه أو التحكم بمساره، سواء من قبل الفاعلين المحليين أو حتى الدوليين والاقليميين الذين يملكون في جعبتهم خطة B وC بل وZ؛ لا تلقي فيها بالاً لبنى المجتمع والدولة بقيت أم فنيت، في حين أن الخطة الوحيدة محليا هي خطة وجودية بطبيعتها، لا تحتمل ترف التكيف السلبي المفرط مع الاحتجاجات والازمة الاقتصادية والجيوسياسية إلى حد تجاهل وجودها أو إنكارها.
*حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: