تصريح الحموري، ساعة وصوله الأحد الماضي إلى مطار شارل دوغول، بمثابة ردّ بليغ شامل للجميع: «طردنا من بلدنا لا يعني أننا لن نعود».
الخارجية الفرنسية أدانت قرار الترحيل واعتبرته مخالفاً للقانون، إلا أن فرنسا لم تضغط بما يليق ببلد يفاخر بأنه أرض الثورة الفرنسية ومهد حقوق الإنسان.
الترحيل القسري للمحامي والمواطن الفلسطيني الفرنسي صلاح الحموري عربدة قضائية وعواقبه في تسجيل سوابق فاضحة أبعد وأشد ظلما لنظام الأبارتهايد.
* * *
ليس جديداً أن تخرق دولة الاحتلال الإسرائيلي القانون الدولي، أو أن تنتهك شرعة حقوقية وإنسانية راسخة، ولكن حدث ويحدث مراراً أن تتبارى تلك الخروقات والانتهاكات في صناعة سوابق يحلو لقضاء الاحتلال أن يستند عليها للإمعان أكثر فأكثر في الدوس على الحدود الدنيا للقوانين والشرائع.
وإذا كان الترحيل القسري للمحامي والمواطن الفلسطيني الفرنسي صلاح الحموري يدخل في هذا النسق من العربدة القضائية للاحتلال الإسرائيلي، فإن عواقبه في تسجيل السوابق الفاضحة تذهب أبعد وأشد تكريساً لمنظومة الأبارتهايد.
فمن جانب أول، لن يكون عسيراً على محاكم الاحتلال العسكرية أن تستند إلى سابقة إلغاء إقامة الحموري في القدس وترحيله قسرياً، كي تطبق التدبير ذاته على آلاف الفلسطينيين المقدسيين الذين يماثلون المحامي المرحّل من حيث الولادة في القدس والعيش فيها بموجب تصريح إقامة يمكن لسلطات الاحتلال أن تبطله متى شاءت. ولقد حدث بالفعل أن أبطلت أكثر من 15 ألف تصريح إقامة منذ قرار دولة الاحتلال بضم القدس الشرقية.
ومن جانب ثان فإن سحب تصاريح الإقامة مترافقاً مع الترحيل القسري يدخل في سياق أوسع وأكثر انتهاكاً للقانون الدولي، لأنه يستكمل سياسات الاحتلال في تهويد مدينة القدس ديمغرافياً عن طريق التخفيض المنهجي الإجباري لأعداد سكانها الأصليين من الفلسطينيين. وإذا لم يكن هذا النهج تطهيراً عرقياً وسكانياً صريحاً وبالغ الوقاحة، فإن المظاهر الفعلية لأي تطهير أو حتى للمصطلح ذاته لن يكون لها أي معنى ملموس. الوسائل الأخرى لمحو هوية القدس الفلسطينية تبدأ من مصادرة العقارات والأراضي، وتمرّ بعزل أحياء مثل العيزرية والرام وأبو ديس بجدار الفصل العنصري، ولا تنتهي عند بناء المستوطنات في تخوم المدينة وضمها إليها لاحقاً، وكذلك فرض الطابع اليهودي الديني والثقافي والآثاري على حساب مكونات القدس الإسلامية والمسيحية.
ومن جانب ثالث، تجاوز قضاء الاحتلال العسكري كل مستوى للصفاقة حين استند في قرارات إبطال إقامة الحموري وترحيله قسرياً إلى أنه «لا يدين بالولاء» لدولة الاحتلال، في سابقة تمسخ كل التاريخ البشري لأية مقاومة في وجه الاحتلال، وتُلزم الخاضع لسلطة احتلالية أن يهلل لها ويرحب بها ويلتزم بالولاء لسلطاتها. وإلى جانب كون الترحيل القسري جريمة حرب بموجب محكمة الجنايات الدولية، فإن الحموري مطالَب بموالاة سلطات احتلال زجته في السجن ووضعت هاتفه تحت مراقبة نظام التجسس بيغاسوس ومنعته من دخول الضفة الغربية ونقلته إلى سجون أشد قيوداً وزنازين أضيق وأقسى.
وأما الجانب الرابع، أي عجز المجتمع الدولي عموماً والحكومة الفرنسية خصوصاً، فلا جديد فيه ودولة الاحتلال لا تكترث أصلاً بتسجيل سابقة داخل سجلاته الحافلة.
صحيح أن وزارة الخارجية الفرنسية أدانت قرار ترحيل الحموري واعتبرته مخالفاً للقانون، إلا أن باريس لم تضغط بما يكفي أو بما يليق ببلد يفاخر بأنه أرض الثورة الفرنسية ومهد حقوق الإنسان.
ولعل تصريح الحموري، ساعة وصوله الأحد الماضي إلى مطار شارل دوغول، بمثابة ردّ بليغ شامل للجميع: «طردنا من بلدنا لا يعني أننا لن نعود».
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: