أرقام العجز مرشحة للتفاقم، إذ إن غالبية المعلمين تخطت أعمارهم الـ50 سنة، بخاصة معلمي المواد الأساسية واللغة العربية واللغة الإنجليزية.
نتهجت كافة الحكومات المتعاقبة نفس السياسة بسبب عدم وجود موازنات كافية لتعيين معلمين يسدون حاجة العمل، وذلك على رغم تخرج عشرات الآلاف سنوياً من أكثر من 20 كلية تربية حكومية إضافة إلى عشرات الكليات التي تحتوي على أقسام متخصصة في التربية والجامعات الخاصة.
لا يملك المعلم حق الاعتراض أو عدم الامتثال لقرار أداء حصص إضافية بمدارس أخرى.
يتفق العديد من الخبراء على أن النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين هي واحد إلى 18.
****
في مدارس مصر تتصاعد أصوات الشكوى من جميع الأطراف، فمن ناحية يعاني كثير من الطلاب عدم وجود معلم يشرح لهم الدرس وسط مطالبة من أولياء الأمور بحل أزمة العجز الكبير في أعداد المدرسين المستمر في التفاقم منذ سنوات، ومن أخرى شكوى مديري المدارس من عدم استطاعتهم سد ذلك العجز.
وكان وزير التربية والتعليم المصري السابق طارق شوقي أقر أمام مجلس النواب بوجود عجز في المعلمين يقدر بنحو 323 ألف معلم على مستوى الجمهورية، وذلك منذ شهور. لكن ذلك النقص ليس وليد اللحظة وإنما حدث عبر سنوات، فعلى سبيل المثال انخفضت أعداد المعلمين أكثر من 24 ألف معلم وفق التقرير الإحصائي لوزارة التربية والتعليم الصادر في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي مقارنة بعام 2020 بسبب إحالتهم للتقاعد.
وأشارت تقارير صحافية محلية إلى أن أرقام العجز مرشحة للتفاقم، إذ إن غالبية المعلمين تخطت أعمارهم الـ50 سنة، بخاصة معلمي المواد الأساسية واللغة العربية واللغة الإنجليزية، ما يسبب نقصاً يتراوح بين 25 إلى 30 ألف معلم سنوياً، نظراً لإحالة العديد منهم للمعاش بالإضافة لزيادة عدد الطلاب.
أصل المشكلة
جذور الأزمة ترجع إلى قرار لرئيس الحكومة المصري الأسبق كمال الجنزوري عام 1998، حين أوقف تعيين خريجي كليات التربية في المدارس بدعوى أن موازنة الدولة لا تتحمل، وخرجت أصوات بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 تنادي بعودة نظام “التكليف” لخريجي كليات التربية، وصرح وزير التعليم حينها جمال العربي بأن الأمر قيد الدراسة، لكن في عام 2014 حسم وزير التعليم الأسبق محمود أبو النصر الأمر بإعلان أنه لا عودة لنظام التكليف، وانتهجت كافة الحكومات المتعاقبة نفس السياسة بسبب عدم وجود موازنات كافية لتعيين معلمين يسدون حاجة العمل، وذلك على رغم تخرج عشرات الآلاف سنوياً من أكثر من 20 كلية تربية حكومية إضافة إلى عشرات الكليات التي تحتوي على أقسام متخصصة في التربية، وعدة جامعات خاصة، ويدخل جزء يسير من هؤلاء الخريجين لسوق العمل في المدارس الخاصة، التي لا تستوعب سوى أقل من 10 في المئة من الطلاب، والباقون يتحولون لمهن أخرى أو ينضمون لأعداد العاطلين من العمل.
جهود الحل
بدأت الحكومة في العمل على معالجة نقص المعلمين، حيث أعلن وزير التعليم السابق طارق شوقي في يونيو (حزيران) الماضي إطلاق مسابقة لاختيار 30 ألف معلم لتعيينهم كدفعة أولى من 150 ألفاً وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تعيينهم على مدار 5 سنوات. وتبدأ الدفعة الأولى بأكثر من 15 ألف معلم في مرحلة رياض الأطفال وبالفعل تقدم أكثر من 45 ألف شخص، ولا تزال الإجراءات جارية ولم تعلن نتيجة المسابقة على رغم بدء العام الدراسي في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
اللافت أن تلك ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة عزمها معالجة الأزمة خلال السنوات الأخيرة، حيث فتحت في عام 2019 باب التقدم للتعاقد مع 120 ألف معلم لمدة عام وتم اختيار البعض لكن تم التراجع عن الخطة ولم تستكمل الإجراءات، ما دفع المقبولين لرفع دعاوى قضائية. كما تعاقدت الوزارة مع 36 ألف معلم في فبراير (شباط) 2019 وتسلموا العمل لمدة شهرين أو ثلاثة ولم تجدد لهم العقود بنهاية العام الدراسي في يونيو (حزيران)، ومع إعلان الحكومة خطة تعيين 30 ألف معلم طالب المتقدمون في المسابقات السابقة إلى إعطائهم الأولوية خصوصاً أن أوراقهم بالفعل لدى الجهات الحكومية، لكن وزير التعليم السابق رفض ذلك، وأصر على تساوي الفرص بين الجميع.
الأولوية للمتقدمين سابقاً
وتصدر ملف الـ36 ألف معلم قائمة اهتمامات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي في أغسطس (آب) الماضي، حيث تم تداول مقطع فيديو قديم لوزير التعليم رضا حجازي، حينما كان يشغل مقعد نائب الوزير، يؤكد فيه تعاطفه مع هؤلاء المعلمين الذين تم إنهاء تعاقدهم، وأنه يرى بأن لهم الأولوية في أي تعيينات مقبلة، وطالب نشطاء مواقع التواصل حجازي بتنفيذ تعهداته السابقة. كما تقدم أكثر من عضو في مجلس النواب بأسئلة وطلبات إحاطة للحكومة بشأن الملف، ومنهم هالة أبو النصر وفريدي البياضي وإيهاب منصور.
وبمقارنة معدلات العجز المتوقعة في أعداد المعلمين مع المنتظر تعيينهم حال تنفيذ خطة الـ150 ألف معلم، يتضح أن نسبة العجز لن تقل كثيراً، حيث تقترب أعداد المنتظر تعيينهم مع عدد المحالين للتقاعد سنوياً، بالإضافة لدخول نحو 800 ألف طالب سنوياً العملية التعليمية وفق المعدلات الحالية للزيادة السكانية.
وبحسب المعلم والخبير التربوي علاء الجندي، فإن نقص الأعداد يجبر المعلمين على العمل لساعات إضافية في مدارس أخرى وفق توزيعهم من جانب الإدارة التعليمية، وهذا يفرغ المدارس من طاقمها الذي لا تقتصر أدواره على الشرح للتلاميذ وإنما له دور في الإشراف والتخطيط، فيما لا يملك المعلم حق الاعتراض أو عدم الامتثال لقرار أداء حصص إضافية بمدارس أخرى.
باب التطوع
وقال الجندي إنه من الممكن حل مسألة نقص المعلمين جزئياً من خلال أداء خريجي كليات التربية فترة الخدمة العسكرية (نحو عام) في العمل بالمدارس وفق تخصصهم، مشيراً إلى أن نظام التطوع الذي دعت له وزارة التعليم لن يكون فعالاً لغياب آلية الرقابة على المتطوعين.
كانت وزارة التربية والتعليم قد فتحت في مطلع الشهر الحالي باب التقدم للراغبين في التطوع لسد العجز في أعداد المعلمين، على أن يكون المتقدم حاصلاً على مؤهل عال تربوي، أو مؤهل عال ودبلومة تربوية، وألا يكون التطوع بمدارس يوجد بها أقارب للمتطوع، كما أكدت الوزارة أن التطوع سيكون مجاناً ولا يعني المطالبة لاحقاً بالتثبيت أو التعيين أو التعاقد على حساب الموازنة العامة للدولة.
رواتب متدنية
لكن نقص الأعداد ليس الأزمة الوحيدة التي تواجه المعلم المصري وفق الجندي، حيث أشار إلى ما سماه بغياب الرضا الوظيفي سواء مادياً أو أدبياً، فعلى الصعيد المادي توقفت رواتب المعلمين عند قيمة الراتب الأساس لموازنة عام 2014 من دون زيادة، ما يعني أن “كبير المعلمين” وهي أعلى درجة وظيفية قد يصل لها أي معلم؛ راتبه لا يتخطى 4 آلاف جنيه (203.39 دولار)، ويضطره ذلك إما للعمل في وظيفة أخرى أو اللجوء للدروس الخصوصية التي يلوم البعض المعلمين على الانخراط بها، وكذلك قد يستغني بعض المعلمين عن العمل في المدرسة بالدروس الخصوصية.
وأضاف أن قيمة المكافآت تخضع لقوانين تعود للسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، متسائلاً عن مدى منطقية تحديد مكافأة تصحيح الورقة الامتحانية في الشهادة الإعدادية بـ10 قروش (0.0051 دولار)، بينما قد يكون مطلوباً من المعلم تصحيح نحو 15 ألف ورقة امتحانية خلال بضعة أيام، وفي المقابل يكون أي جزاء أو خصم كبيراً ومن دون تهاون. وعلى الجانب الأدبي أشار الجندي إلى تأخر ترقيات المعلمين بسبب البيروقراطية.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أصدر وزير التعليم قراراً برفع سعر الحصة الواحدة الزائدة عن النصاب القانوني للمعلمين (نحو 20 حصة أسبوعياً) من 3.80 جنيه (0.19 دولار) إلى 20 جنيهاً (1.02 دولار)، مشيراً في تصريحات تلفزيونية إلى أن زيادة سعر الحصة سيؤدي لزيادة رواتب المعلمين الذين يأخذون حصصاً زائدة عن نصابهم القانوني.
وبرأي الجندي الذي يعمل معلماً منذ أكثر من 20 عاماً، فإن القرارات الوزارية والتوجيهات الرئاسية كثيراً ما تكون إيجابية لكن تطبيقها على أرض الواقع يتأخر كثيراً بسبب البيروقراطية.
توجيه رئاسي
كان الرئيس المصري وجه خلال اجتماع مع رئيس الحكومة ووزير التعليم، قبل 3 أشهر بـ”الاهتمام بقطاع المعلمين باعتبارهم الشريان الأساس للعملية التعليمية، مع القيام بانتقاء ألف معلم ومعلمة من المميزين في التدريس لتأهيلهم على أعلى مستوى ليصبحوا في طليعة الجيل المستقبلي لمديري المدارس من شباب المعلمين”. وعرض وزير التعليم رضا حجازي على الرئيس خطة الوزارة لإطلاق برنامج “أنا المعلم” الذي يهدف إلى إبراز قيمة المعلم الاجتماعية ودعم الاهتمام بالمعلمين وتحفيز المتميزين منهم.
وأوضح حجازي، الذي كان معلماً بالأساس، في مؤتمر صحافي خلال الاحتفال بيوم المعلم في الخامس من أكتوبر، أن البرنامج الذي أطلق في منتصف ذلك الشهر ويشمل منح المعلمين برنامج “سند المعلم” وهو بطاقة شرائية من كل المنافذ، إضافة إلى قروض وحوافز مالية ومعنوية للمعلمين، معتبراً أن “المعلم لن يستطيع أن يؤدي دوره من دون أن يتلقى المكانة اللائقة به لأنه شريان العملية التعليمية” بحسب تعبيره.
ورحب رئيس اتحاد معلمي مصر حازم حامد، بتلك الخطوة التي اعتبرها ضمن خطوات كثيرة ينتظرها المعلمون، نظراً للوضع الاجتماعي والمادي، مطالباً في تصريحات صحافية بتنفيذ مزيد من المبادرات لحل مشكلات المعلمين.
الدروس الخصوصية
وعلى عكس ضعف رواتب المعلمين يأتي “بيزنس” الدروس الخصوصية، الذي قدره وزير التعليم السابق طارق شوقي بنحو 20 مليار جنيه (حوالى مليار دولار).
وكانت وزارة التعليم أعلنت العام الماضي عن إعداد مشروع قانون لتجريم الدروس الخصوصية، ينص على غرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه (254 دولاراً) ولا تتجاوز 50 ألف جنيه (2543 دولاراً) لكل من أعطى درساً خصوصياً في مركز تعليمي أو في مكان مفتوح للجمهور بصفة عامة، لكنه لم يجد طريقه للإقرار النهائي حتى الآن، كما أعلنت مصلحة الضرائب، العام الماضي، فتح ملفات ضريبية لمراكز الدروس الخصوصية وتحصيل نسبة 10 في المئة من إيراداتها.
ووفق تقرير للبنك الدولي نشر مطلع أكتوبر، يوجد حالياً أكثر من 24 مليون طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي في مصر، نحو 90 في المئة منهم في المدارس الحكومية. ويوجد ما يقرب من نصف أولئك الطلاب في المرحلة الابتدائية.
وأشار التقرير إلى أن ما يقرب من مليون معلم يعملون في مجال التعليم وأكثر من 40 في المئة منهم يقومون بالتدريس في المرحلة الابتدائية ويضيف العاملون من غير المعلمين، بما في ذلك إدارة المدرسة والمشرفين وأطقم الصيانة 500 ألف شخص آخر إلى النظام.
ووفقاً لتقرير البنك الدولي، يبلغ متوسط نسبة الطلاب إلى المعلمين في المدارس الابتدائية الحكومية حالياً 32، وتنخفض إلى 17 في المدارس الثانوية”. ولا تتضمن النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين على عدد محدد ومقبول عالمياً، لكن يتفق العديد من الخبراء على أن النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين هي واحد إلى 18، وتمكن هذه النسبة المعلمين من تعزيز بيئة تعليمية إيجابية وتقديم مساعدة متخصصة كما أن التحصيل لدى الطلاب يتحسن في الفصول الأصغر ومع النسب الأقل بين الطلاب إلى المعلمين.
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: