لا تتعلّق الزيارة، على أي حال، بالاقتصاد وحده، ولا بالموازنة السعودية المتقصدة بين واشنطن وبكين، كما أنها لا تمثّل جفاء مع واشنطن، ولا تفكيكا استراتيجيا للتحالفات الإقليمية ـ العالميّة القارّة.
لكنّها، مع ذلك، تعبّر عن تغيّرات مهمّة لا يمكن لواشنطن تجاهلها، وتتطلّب تفهّما لمصالح دول المنطقة، وليس لاعتبارها قواعد نفط وغاز وصفقات سلاح فحسب، أو باعتبارها دولا تقبل قيادة إسرائيل للمنطقة عسكريا، مقابل الوعود بوقف تهديد إيران.
****
تحفل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض، التي بدأت أول أمس الأربعاء، وتفاصيلها المشتبكة بين السياسة والاقتصاد، بالكثير من الإشارات التي عملت السعودية، بوضوح، على جعلها تقارن، وتتمايز أحيانا، عن الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى العاصمة السعودية، في تموز/يوليو الماضي.
تبدأ مظاهر المقارنة من موكب الرئيس شي الذي انتقل من مقرّ ضيافته في الرياض بسيّارة يحوطها حرس المراسم السعودي على الخيول العربية، وصولا إلى «سجادة الخزامى» (البديل السعودي للبساط الأحمر)، حيث لقي استقبالا مميزا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي صافحه بحرارة (لمدة سبع ثوان كما لاحظ المعلّقون)، فيما اقتصر استقبال بن سلمان لبايدن على ضربة سريعة بظاهر الكفّ (لأجزاء من الثانية)، إضافة إلى مراسم رسمية تم فيها عزف النشيدين، وهو الأمر الذي لم يحصل في استقبال الرئيس الأمريكي.
زيارة بايدن الآنفة كانت الأولى للمنطقة، ولكونها جاءت بعد تصريحات «ثقيلة الوزن» له من قبيل أنه سيجعل السعودية «دولة منبوذة»، فقد حملت طابع تراجع أمريكي أمام ولي العهد السعودي، الذي قام، من ناحيته، بالتعامل معها بدبلوماسية باردة، حيث رعت بلاده قمة حضرها زعماء خليجيون وعرب، ولذلك فإن تلك الزيارة، وما حفّ بها، من دلالات تقصدها الرئيس الأمريكي، من قبيل هبوطه أولا في إسرائيل، ومطالبه بمواجهة روسيا والصين على جبهتي النفط والغاز، لم تغيّر، في الحقيقة، من كونها زيارة «اضطرارية»، دفعتها ظروف الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ومصالح إسرائيل، وليس مصالح الرياض والدول العربية والفلسطينيين.
غير أنه بدلا من زيادة السعودية لإنتاج النفط لضبط ارتفاع الأسعار فوجئ بايدن بأن الرياض اتفقت مع روسيا، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، ضمن إطار تحالف «أوبك +»، على خفض كبير في حصص الإنتاج، وبدا ذلك، بتواقته مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر، أنه «ضربة شخصية» لبايدن، الذي أعلن عن خيبة أمله من قرار أوبك+ «القصير النظر»، كما سمّاه، وقالت المتحدثة باسمه، بصراحة، إن «القرار يقف إلى جانب روسيا».
في المقابل، فقد أعلن العاهل السعودي والرئيس الصيني، أمس، عن «اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة»، وأظهرت الرياض خلال هذه الزيارة وزنها الاقتصادي والسياسي، فرعت ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية، سيشارك فيها، حسب وكالات الأنباء، ملك الأردن، وولي عهد الكويت، ورؤساء مصر وفلسطين وتونس وموريتانيا، وكذلك رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، ورئيس الوزراء اللبناني، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، كما سينوب مسؤولون كبار عن سلطان عمان، والرئيس الجزائري، وسيشارك أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية.
يعتبر العرب شريكا كبيرا للصين في مجال الطاقة، حيث تستورد بكين أكثر من 50٪ من حاجتها من النفط والغاز من الدول العربية، وتحولت قطر إلى أحد أكبر موردي الغاز للصين بعد عقود طويلة الأجل تم توقيعها مؤخرا، فيما تتنافس السعودية وروسيا على صدارة مصدري النفط إلى الصين، كما تحوّلت الصين إلى أكبر شريك تجاري للدول العربية مجتمعة، والمستثمر الأول فيها، كما تزايد الحضور الصيني في المنطقة العربية عبر مشاريع كبيرة، منها مشروع ميناء في الجزائر، ومشروع السكك الحديدية في مدينة 10 رمضان في مصر، وغير ذلك من مشاريع.
لا تتعلّق الزيارة، على أي حال، بالاقتصاد وحده، ولا بالموازنة السعودية المتقصدة بين واشنطن وبكين، كما أنها لا تمثّل جفاء مع واشنطن، ولا تفكيكا استراتيجيا للتحالفات الإقليمية ـ العالميّة القارّة، لكنّها، مع ذلك، تعبّر عن تغيّرات مهمّة لا يمكن لواشنطن تجاهلها، وتتطلّب تفهّما لمصالح دول المنطقة، وليس لاعتبارها قواعد نفط وغاز وصفقات سلاح فحسب، أو باعتبارها دولا تقبل قيادة إسرائيل للمنطقة عسكريا، مقابل الوعود بوقف تهديد إيران.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: