تلك القبضة الرخوة للنظام الإيراني في السنوات الأخيرة تتنازعها تفسيرات عدة في الأوساط الأكاديمية والاستخباراتية.
بات اختراق جهاز الموساد الإسرائيلي للداخل الإيراني حقيقة دامغة ظهر أثرها في تعدد عمليات الاغتيال لعلماء وقادة، كان آخرهم فخري زادة العالم النووي الإيراني.
قيادة الحرس الثوري، ضمن دائرة استهداف أكثر من جهة في الداخل الإيراني، بما في ذلك المجموعات الانفصالية والمجموعات المعارضة.
وصف الحرس الثوري مقتل خدائي بـ”العمل الإرهابي”، محملاً عناصر “مرتبطة بجهات الغطرسة العالمية” مسؤولية الحادثة.
*****
عكست الوتيرة المتصاعدة لعمليات الاغتيال في الداخل الإيراني خلال الفترة الماضية مدى هشاشة الوضع الأمني في البلد الذي يتفاخر مسؤولوه علانية بامتلاكهم وضعاً إقليمياً متفوقاً في ميزان التدخل الخارجي واستخدام الوكلاء في دول الجوار العربي المباشر، بل والسيطرة على عواصم عربية عدة من خلال أذرع ميليشياوية أو حتى حكومات عميلة.
لكن، تلك القبضة الرخوة للنظام الإيراني في السنوات الأخيرة تتنازعها تفسيرات عدة في الأوساط الأكاديمية والاستخباراتية المهتمة بدراسة الشأن الإيراني على مستوى العالم، بين من يرى في تطور وتيرة عمليات الاختراق للداخل الإيراني دلالة واضحة على صراع داخلي بين أجنحة السلطة المنقسمة في شأن التعامل مع مختلف الملفات الداخلية والخارجية على رأسها الاحتجاجات الشعبية في إيران راهناً، والقضايا العالقة في علاقاتها الخارجية، وأبرزها مفاوضات البرنامج النووي الإيراني وعلاقاتها مع القوى الكبرى، وجوارها العربي والآسيوي، وصولاً إلى تفسيرات أخرى تربط الاغتيالات لعناصر وقادة الحرس الثوري الإيراني والشخصيات الوازنة كالعلماء العاملين في البرنامج النووي بدور خارجي تؤشر من خلاله أصابع الاتهام الرسمية الإيرانية إلى صراعها المتصور مع إسرائيل.
في حين تخلص رؤى أخرى إلى طبيعة المرحلة العمرية التي يعيشها نظام ما بعد عام 1979 في إيران، وما يمكن وصفه بتعرض النظام الإيراني إلى شيخوخة مبكرة تجسدت أمراضها العضال في نسخة إيرانية من ثورة جديدة تستهدف أركان النظام ورموزه بالتصفية المباشرة، كما فعلت ثورة الولي الفقيه في معارضيها على مدى العقود الماضية.
ويرى بعض المراقبين أن النظام الإيراني ربما يسمح بين الحين والآخر بما يتعجب له العالم من عمليات اختراق متواترة بهدف تشوية الاحتجاجات عبر اتهامها بممارسة الإرهاب والعنف المسلح، كما تفعل السلطات الإيرانية مع كل موجة احتجاجية تشهدها المحافظات الإيرانية خلال الفترة الأخيرة، في حين يرى بعضهم أن المجتمع الإيراني متعدد القوميات والولاءات، الذي يتسم بشتات ضخم في الخارج يضم أغلب معارضي النظام وخصومه منذ إسقاط الشاه من السهل اختراقه من الخارج، على رغم ما يتصوره بعض المتخصصين في الشأن الإيراني من قبضة حديدية أمنية للنظام الذي ثبت مع تكرار عمليات الاغتيال أنه محض “نمر من ورق” تروج له آلة دعائية رسمية ضخمة، فما لبث أن تكشفت حقيقته للعيان.
اختراق الموساد
بات اختراق جهاز الموساد الإسرائيلي للداخل الإيراني حقيقة دامغة ظهر أثرها في تعدد عمليات الاغتيال لعلماء وقادة، كان آخرهم فخري زادة العالم النووي الإيراني، الذي اغتيل في عملية استخباراتية احترافية جرى تنفيذها عن بعد، هذا ما رآه الباحث المتخصص في الشأن الإيراني سيد حسين، الذي أوضح أن تلك العملية كانت فارقة في سجل اختراق الداخل الإيراني، حيث جاءت بدقة شديدة دون إصابات بين المدنيين، الأمر الذي يؤكد حصول منفذ العملية على معلومات دقيقة وموثقة حول الهدف وتحركاته، لتظهر تلك العملية ضعف القدرات الاستخباراتية الإيرانية أمام عمليات الاختراق تلك، فضلاً عن العملية الكبرى التي نفذتها العناصر الاستخباراتية الإسرائيلية في إحدى المنشآت النووية، وحصلت خلالها على وثائق حول المفاعلات، ما سهل على الجانب الإسرائيلي استهداف المنشآت النووية، سواء بقصفها أو عبر تنفيذ عمليات اختراق للأجهزة، وتعطيل عمل أجهزة الطرد المركزية أكثر من مرة.
وأعرب حسين عن اعتقاده بأن المراقب للمشهد يتأكد له أن عمليات الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني تجري عبر آلية عمل معقدة تعتمد على عملاء في الخارج بمعاونة عناصر على الأرض تسهل الحصول على المعلومة، إلى جانب المعاونة الميدانية في العمليات المعقدة، وهو ما أكده تصريح صحافي سابق للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، أشار فيه إلى أن عمليات الاختراق وصلت إلى صفوف الحرس الثوري الإيراني، ملمحاً إلى تجنيد الموساد أحد العناصر المسؤولة عن شعبة مكافحة التجسس الإسرائيلي، وأكدت تلك التصريحات صحف محلية إيرانية، كما نشرت خبر إعدام أحد قادة الحرس الثوري بتهمة التجسس وسط تكتم شديد من قبل النظام.
بينما يعتقد محمد منصور، الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أنه من الجائز القول إن استهداف قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني خلال الفترة الماضية، هو حصاد “مزدوج” للتفاعلات الناتجة من الدور الداخلي لقوات “الباسيج” التابعة له في المعادلة الداخلية الإيرانية، والأدوار الخارجية لفيلق القدس والمجموعات المرتبطة به في النطاق الإقليمي للشرق الأوسط من البحر الأحمر جنوباً مروراً بسوريا، ووصولاً إلى قطاع غزة، وما نتج من هذه الأدوار من تحول هذا النطاق إلى مواجهة بحرية وجوية وبرية مفتوحة وغير تقليدية بين طهران وتل أبيب.
نسيج اجتماعي هش
يتميز الإيرانيون ببراعتهم التاريخية في نسج السجاد أيقونة المنتجات المحلية ذائعة الصيت عالمياً، لكن النسيج الاجتماعي للجغرافيا الإيرانية متعددة العرقيات تجعل من الصعب احتواء التدخلات الخارجية إزاء طهران، وهي السياسة المفضلة التي تنتهجها إيران أيضاً في الخارج.
وعلى رغم صعوبة التسليم بعمليات التجسس الإسرائيلية في دولة قمعية متشددة بحسب الباحث سيد حسين، فإن الأسباب الحاضرة تسهل عمل الأجهزة الاستخباراتية على الصعيد الداخلي، فبعد ما سمي بالثورة الإسلامية، لم يراع النظام الجديد فقه احتواء العرقيات والقوميات المختلفة معلناً قيام الدولة العقائدية، ما ترتب عليه خلافات سياسية انتهت بتنكيل النظام بكل معارضيه، حتى حلفائه في الثورة ضد الشاه.
ويستكمل حسين، “بالتالي غذت سياسة النظام المتشددة نزعات انفصالية لبعض العرقيات التي رأت في نظام المرشد محتلاً للأرض، إلا أن النظام استطاع السيطرة على حالات التمرد بالقبضة الأمنية الحديدية، ونتج من ذلك هجرة قطاع عريض من الإيرانيين إلى الخارج، ومنهم مسؤولون في الدولة، ليظهر معسكر أشرف في العراق، ثم منظمة مجاهدي خلق في أوروبا، فضلاً عن المجموعات الكبيرة من الأحواز المنتشرة في مختلف دول العالم، وبات لدى تلك المجموعات ثأر ضد النظام الإيراني، الأمر الذي سهل عملية اختراق الأجهزة الاستخباراتية للنظام الإيراني، ولعل عملية اغتيال الاستخبارات الإيرانية لأحمد مولى أحد قادة المجموعات الأحوازية المقيم في هولندا، دليل على الصراع الاستخباراتي بين إيران من جهة والمجموعات المعارضة التي تسعى إلى تقليم أظافر النظام بأي طريقة، بخاصة أن تلك المجموعات لا تصنف التعامل مع أجهزة استخباراتية معادية لإيران على أنه (خيانة)، إنما (جهاد ونضال لإسقاط النظام المحتل)”، بحسب وصفها.
وفي السياق، كشف تحقيق استقصائي لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وثائق حكومية ومقابلات مع 15 مسؤولاً في واشنطن وأوروبا والشرق الأوسط، أكدت أن حكومة إيران كثفت جهودها لاختطاف وقتل معارضين ونشطاء وصحافيين تعتبرهم تهديداً للنظام في عديد من الدول، بما في ذلك في الولايات المتحدة الأميركية.
وقال المسؤولون للصحيفة الأميركية، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية تعتمد إلى حد كبير على وكلاء لتنفيذ خططها، وعرضت مئات الآلاف من الدولارات على لصوص مجوهرات وتجار مخدرات وغيرهم من المجرمين في مخططات لتنفيذ اغتيالات مقابل المال.
صراع أجنحة داخل النظام
يكشف موقع “إيران إنترناشونال” النشرات السرية المسربة لوكالة أنباء “فارس” الإيرانية التابعة للحرس الثوري، وبحسب أحدث الوثائق المتداولة، الجمعة الثاني من ديسمبر الجاري، الموجهة إلى القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، فإن السلطات الإيرانية كانت على علم بالهجوم الأخير على مرقد شاهجراغ في شيراز، “لكنها لم تمنعه”.
وعلى المستوى الداخلي، تولدت خلال السنوات الأخيرة توترات مكتومة بين القوة النظامية في الجيش الإيراني، والحرس الثوري، هكذا يفسر الباحث محمد منصور الوتيرة المتسارعة لعمليات الاغتيال، معتبراً أن التوترات المكتومة بين الجيش والحرس الثوري تعزى إلى نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بحالة التهميش المتعمدة للقوة النظامية، بحيث لا تمتلك أدنى مشاركة في رسم السياسات الخارجية أو الداخلية، ناهيك بضعف الأدوار الممنوحة لها على المستوى الداخلي، في حين توغل الحرس الثوري عميقاً في المفاصل السياسية والاقتصادية للداخل الإيراني، فضلاً عن أدواره الخارجية المتعددة، التي تشمل طائفة واسعة من الدول الحليفة لطهران.
جزء مهم من الخلافات بين الجانبين في هذا الصدد، قد يعود إلى الفوارق التي تكرست خلال العقود الماضية، بين عقيدة الجيش النظامي، التي يمكن وصفها بأنها “تقليدية”، وعقيدة الحرس الثوري التي تركز على مبدأ “تصدير الثورة”، كمنفذ للحفاظ على النظام الإيراني الحاكم، ونشر أفكاره في المحيط الإقليمي، ما كرس حالة الغليان المستمرة بين المؤسستين، هذا ما يراه منصور.
ويلفت الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى نقطة ثانية في هذا الإطار تتعلق بالفوارق الكبيرة في تعامل السلطة الحاكمة مع الحرس الثوري والجيش النظامي بشكل عام، وبشكل خاص في ما يتعلق بالميزانيات المخصصة لكل منهما، “فالفوارق الكبيرة بين كلا الميزانيتين كانت بمثابة دليل آخر على طبيعة نظرة النظام الحاكم في إيران لجناحي القوة المسلحة التي يمتلكها (الجيش النظامي والحرس الثوري)، ففي ميزانية آخر أعوام ولاية رئيس الجمهورية السابق أحمدي نجاد (2013 – 2014)، بلغت الميزانية الدفاعية الإجمالية نحو ستة مليارات و240 مليون دولار، كان نصيب الحرس الثوري منها نحو ثلاثة مليارات و850 مليون دولار، مقابل مليار ونصف المليار دولار فقط للقوة النظامية”، وفق منصور.
أما خلال ولاية الرئيس السابق حسن روحاني، فقد استمرت هذه الفجوة المالية، على رغم محاولات روحاني تقليلها بفعل استشعاره تصاعد حدة غضب القوة النظامية من هذا الوضع، فقام بزيادة المخصصات المالية للقوة النظامية إلى نحو مليار وسبعمائة وخمسين مليون دولار في ميزانية 2015 – 2016، على رغم أن المخصصات المالية للحرس الثوري ظلت في مستويات مرتفعة، تتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار خلال ولاية روحاني، أما في العام الحالي، فقد خصص الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ما يعادل 22 مليار دولار للحرس الثوري، مقابل 7.9 مليار دولار للجيش النظامي.
الانقسام يطفو إلى السطح
يقول منصور إن الخلافات بين الجانبين على رغم محاولات التغطية عليها، ظهرت مؤشرات جدية حولها في مناسبات عدة خلال السنوات الأخيرة، منها التصريحات المصورة للأميرال حبيب الله سياري، مساعد قائد الجيش النظامي لشؤون التنسيق، التي أدلى بها في يونيو (حزيران) من عام 2020 لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”، وتحدث فيها عن جملة من الانتقادات الموجهة إلى الحرس الثوري، من بينها ضعف التغطية الإعلامية المتوفرة لأنشطة الجيش النظامي، مقارنة مع أنشطة الحرس الثوري، وحديثه عن ممارسة “قوى عسكرية” لأنشطة سياسية واقتصادية “ليست في صالح القوات المسلحة الإيرانية”، في إشارة إلى أنشطة الحرس الثوري الداخلية.
هذا التوتر المكتوم بين جناحي القوة العسكرية الإيرانية، كانت له، إضافة إلى دور الحرس الثوري في قمع الاحتجاجات الشعبية المستمرة في إيران، تأثير أساسي في جعل قيادة الحرس الثوري، ضمن دائرة استهداف أكثر من جهة في الداخل الإيراني، بما في ذلك المجموعات الانفصالية والمجموعات المعارضة، وهو ما يضاف إليه الأنشطة الملحوظة للموساد الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية والسورية، التي من خلالها جرى استهداف عشرات من كبار ضباط الحرس الثوري.
وعلى رغم ما ذهب إليه منصور، زعمت وكالة الأنباء الإيرانية قبل أسبوعين، أن مقتل رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني العقيد نادر بيرامي في مدينة صحنة التابعة لمحافظة كرمانشاه، جاء على أيدي من وصفتهم بـ”مثيري الشغب”.
وألقت طهران باللوم في قتل عقيد إيراني قرب دمشق قبل أيام عدة على إسرائيل، كما ذكر بيان للحرس الثوري نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء، موضحاً أن مقتل “العقيد داود جعفري، أحد مستشاري قوات الجوفضاء التابعة للحرس الثوري في سوريا” على يد عملاء إسرائيليين وقع بـ”انفجار عبوة ناسفة على الطريق قرب دمشق”.
تصدير الأزمات
ترى ميرفت زكريا، الباحثة في الدراسات الإيرانية بجامعة القاهرة، أن النظام الإيراني عادة ما يلجأ إلى تصدير مشكلاته إلى الخارج بمعنى إظهار نفسه مستهدفاً من جانب خصومه الخارجيين، إذ يعكس إعلان الجانب الإيراني مسؤولية الموساد الإسرائيلي عن اغتيال شخصيات في الحرس الثوري داخل وخارج إيران، ثم إعلان إعدام متورطين في الداخل بالتخابر مع إسرائيل، إنكاراً للأزمات الداخلية، عوضاً عن البحث عن أسباب المشكلة وحلها، “فالنظام يقول إن المحتجين يقومون بقتلهم، كما اتهمهم باستهداف أحد الأعضاء البارزين في الحرس الثوري في أصفهان، كما يتهم الأكراد أيضاً، لكن يتهم التآمر مع الخارج بدعوى استهداف تقدم البلاد الصناعي والتكنولوجي، وهو ما يعكس حال إنكار للمشكلات الداخلية المؤدية لتلك الحوادث، وتوجيه خطاب للداخل بأن البلاد مستهدفة من عدو خارجي مسؤول عن أزماتها، بهدف التغطية على اختراقها وفشلها الأمني”، مدللة على ذلك بعملية سرقة الأرشيف النووي من جانب إسرائيل وعملية اغتيال فخري زادة.
ووسط أزمة اقتصادية شملت مؤشراتها ارتفاع معدل التضخم إلى ما يقرب من 40 في المئة ووصول مؤشر البطالة إلى 12 في المئة، عكست العوامل الداخلية فجوة بين الخطاب الإيراني الرسمي التبريري، والتفسيرات الواقعية لتزايد عمليات الاختراق للداخل الإيراني.
وتعتقد زكريا أن استمرار القمع للمحتجين وتقديم بادرات حوار فارغة المضمون من جانب النظام، بالتوازي مع تصعيد القمع أيضاً مثل حادثة فتح النار على المحتفلين الأحواز بفوز المنتخب الأميركي على نظيره الإيراني في المونديال أخيراً، يعكس ضعف قبضة النظام الإيراني، وتراجع الثقة في جديته في معالجة الأزمات الداخلية.
وفي الأخير، تفسر حال الإنكار للأزمات الداخلية الانقسام بين ثلاثة أجهزة استخباراتية داخل إيران تتشكل ملامحه في الخلاف المتصور بين استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات العامة والأمن الوطني، والجهاز السري التابع للمرشد الإيراني الذي تغذيه استخبارات الحرس الثوري، ووفق الباحثة في الدراسات الإيرانية فإن تنافس الجهات الأمنية الإيرانية وتداخل الصلاحيات في ما بينها يؤثر في دور إيران التدخلي في محيطها الإقليمي على رغم ادعائها النفوذ في خمس عواصم عربية، في مقابل مفارقة اختراقها من الداخل، بل واختراق أجهزتها الأمنية أيضاً، على رغم استفادة إيران بدرجة أو بأخرى من العمليات التي تصفها بـ”الإرهابية” من أجل تشويه المعارضين والمحتجين في الداخل والخارج.
حدود الدور الخارجي
وبدورها، تطرقت سالي شعراوي، الكاتبة والباحثة المتخصصة في الشؤون الإيرانية، إلى دور الأيادي الخارجية في الاغتيالات بإيران، معتبرة أنه “احتمال وارد جداً بالنظر إلى تشابك علاقات إيران بالخارج وتعقدها، فدوماً تتأرجح الاحتمالات عند اندلاع أحداث شغب في بلد ما بين ترجيح الدور الداخلي أو الأيدي الخارجية، لكن تظهر العلاقات الإيرانية في أميركا وإسرائيل، لتفتح الباب للتساؤلات عن دور الخارج، كما أن إسرائيل دوماً لها دور في توجيه الأوضاع الداخلية في الشرق الأوسط، بما يتواءم مع تصورها لدورها، وما ينبغي أن يكون عليه المشهد في المنطقة.”
وتقترح شعراوي أن للماضي في إيران دلالات على دور الخارج في الأحداث، حتى وإن كانت الشرارة مندلعة في الداخل، لكن تتدخل الولايات المتحدة أحياناً لتدعم الموقف كما في حالة الثورة الإيرانية ورحيل الشاه، “فالخارج في الحالة الإيرانية له مصلحة في تأزيم الموقف كورقة يستخدمها في مواجهة إيران كنظام بالنظر لما هي عليه كقوة إقليمية مؤثرة في مجريات الأمور في ملفات عديده، إضافة إلى تداعيات الملف النووي الخارجية”، على حد قولها.
وفي تقديرها لا ينفي ذلك أن جذور المشكلات في الداخل الإيراني وتعدد التوجهات أمر لا يمكن إنكاره، كما أن هناك عدم قبول للدور الإيراني منذ سنوات في دول، أبرزها العراق وغيرها، لكن الخارج يوظف الأمر لصالحه من خلال استقطاب العناصر الداخلية لتحقيق أهداف خاصة به، كما يمكن للخارج من طريق دعم التفكك في الداخل والاحتجاجات أن يحقق ما يريد في شأن زعزعة الاستقرار بشتى السبل”، وفق الكاتبة التي ترى أنه في حالة فخري زادة الاتهامات إلى إسرائيل تبدو منطقية بخاصة لسجلها الحافل في اغتيال العلماء، كما أن الاتهامات في شأن رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني الموجهة “لمثيري الشغب لا تنفي دعم الأيدي الخارجية، وكذلك عملية العقيد صياد خدائي”.
وتجدر الإشارة إلى أن مقتل خدائي في مايو (أيار) الماضي كان أبرز استهداف لأرفع شخصية تقتل داخل إيران منذ اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة أواخر عام 2020. ووصف الحرس الثوري مقتل خدائي بـ”العمل الإرهابي”، محملاً عناصر “مرتبطة بجهات الغطرسة العالمية” مسؤولية الحادثة.
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: