لماذا كل هذا الاهتمام الدولي بقضية خاشقجي؟
- التحولات السياسية تأتي نتاج مجموعة عوامل وإن بدا أن أهمها هو السبب المباشر الأخير!
- الاهتمام الدولي بقضية خاشقجي انحصر عملياً في المحور الأميركي-الغربي، بينما غابت محاور أخرى.
- لم يعد الغرب بذلك التماسك القديم إذ تعصف به الخلافات قبل ترامب، وعلى نحو أسوأ بعده!
- ترامب لم يكن حريصا على إدانة القيادة السعودية بل كان واضح الحرص على فعل العكس.
- أهم أسباب الاهتمام حالة سيولة وفوضى تحكم العالم تحول دون تفاهمات تقرر مصير الوضع الدولي.
بقلم: ياسر الزعاترة
غرق كثيرون في نظرية المؤامرة بحثاً عن سر ذلك الاهتمام الدولي بقضية الشهيد جمال خاشقجي، والسبب هو العجز عن الإجابة عن السؤال الذي يبدو مهماً، وبالطبع لأن حوادث كثيرة مشابهة، ومع شخصيات أكثر أهمية من الناحية السياسية، لم تحظَ بالاهتمام الذي حظيت به قضية الشهيد جمال.
ثمة قضايا يجب لفت الانتباه إليها قد تكون مقدمة للإجابة عن السؤال، لعل أولها أن الاهتمام الدولي بقضية خاشقجي قد انحصر عملياً في المحور الأميركي-الغربي، بينما غابت عنه المحاور الأخرى، وفي مقدمتها الصين وروسيا.
وحين نتحدث عن المحور الغربي، فنحن نتحدث عن الدول الأقرب إلى السعودية، وصاحبة العلاقات المتينة معها، والحريصة بالضرورة على كسبها وليس خسارتها.
أما الجانب الآخر الذي ينبغي الانتباه إليه، فهو أن هذا المحور (الغربي) لم يعد بذلك التماسك القديم؛ إذ تعصف به الخلافات قبل ترامب، وعلى نحو أسوأ بكثير بعده؛ ما ينفي ابتداء قصة المؤامرة التي يوجّهها طرف واحد متماسك، مع أن ذلك لم يكن صحيحاً في غالب الأحيان.
الجانب الآخر المهم هو أن ترامب لم يكن حريصاً بأي حال على إدانة القيادة السعودية بما جرى لجمال، بل كان واضح الحرص على فعل العكس!
لكنه لم يجد بداً من تغيير الموقف (مع تذبذب واضح) أمام سيل الهجوم من الصحافة والإعلام ومن الحزب الديمقراطي قبل ثلاثة أسابيع من انتخابات التجديد النصفي لـ«الكونغرس»، وهذه مفارقة بالغة الأهمية؛ أعني توقيت القضية.
نبدأ هنا في التوقف عند أسباب الاهتمام، والتي أهمها على الإطلاق حالة السيولة والفوضى التي تحكم العالم، والتي لم يسبق لها مثيل، ربما منذ أكثر من قرن من الزمان، وهذه الفوضى تحول دون حدوث تفاهمات تقرر مصير الوضع الدولي وإشكالاته.
وبجانب هذه السيولة في الوضع السياسي، تحضر السطوة الهائلة لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت الأكثر تأثيراً على السياسيين في العالم أجمع، بخاصة في الدول التي تتمتع بفسحة من الحريات.
الأمر الذي يختلف إلى حد كبير عن الدول الشمولية أو شبه الشمولية، مثل الصين وروسيا. ولنتذكر هنا أن جمال صحافي، وله علاقات واسعة مع قطاعات كبيرة.
وما من شك أن لهذا البعد – بجانب بشاعة الجريمة ورعونتها- دوره أيضاً، لكنه لم يكن ليكون كافياً لولا الوضع السياسي الذي تحدّثنا عنه، ومعه الوضع السياسي الأميركي الذي سنشير إليه الآن.
في أميركا وضع سياسي غير مسبوق، ويتمثل في التناقض الفاضح بين الدولة العميقة وبين الرئيس، وبين الأخير وبين وسائل الإعلام الكبرى، والتي يشجعها بالطبع موقف الدولة العميقة.
هذا الوضع غير المسبوق -بجانب موعد انتخابات «الكونغرس» والخوف من خسارة حزبه إياها- هو الذي فرض عملياً على ترامب أن يغيّر مواقفه، وصولاً إلى المطالبة بالحقيقة الكاملة، بل والتلويح بعقوبات.
وذلك رغم أن أحداً لا يمكنه التشكيك في حرصه على العلاقة مع القيادة السعودية تبعاً للحسابات المعروفة، وهو الحرص الذي قد يفضي إلى صفقة لاحقاً.
والخلاصة أن جمال خاشقجي لم يقلب الدنيا كما يُقال، بل هي التي كانت مقلوبة أصلاً، ولولا ذلك لمرت قضيته بقليل من الضجيج، حتى بوجود ذلك الكم من البشاعة والرعونة.
وعموماً، هكذا هي التحولات السياسية تأتي نتاج مجموعة من العوامل، وإن بدا أن أهمها هو السبب المباشر الأخير.
* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني
المصدر: العرب