هل تنجح التطمينات التي قدمها بايدن لماكرون في لقائهما الأخير في تهدئة المخاوف الأوروبية، أم تفاقمها؟
هل يقبل الدولار التحالف مع اليورو، أم يمضي قدما بسياساته النقدية وقوانينه التضخمية مفاقماً أزمة القارة الاوروبية ومعاناتها؟
تصاعد السباق نحو الذهب بعد اندلاع حرب أوكرانيا وجنون أسواق النفط والتضخم والفائدة المرتفعة على مديونية امريكية بلغت 30 ترليون دولار.
اليوان يتسلل من خلال متوالية هندسية متسارعة الى الأسواق المالية؛ ليتحول الى لاعب محتمل في سياسات الدول النقدية، مهدداً سلة العملات التقليدية.
العودة الى الذهب ورفع دول عديدة مخزوناتها من اليوان الصيني بجانب الذهب رفع نسبة تداول اليوان في الاسواق إلى 8%، بعد ان كانت 4% بداية 2022.
هل يقفز اليوان الصيني للمرتبة الثانية في التداول العالمي بعد الدولار، متجاوزاً اليورو والين والاسترليني الذي يكافح للحفاظ على ترتيبه الرابع في ظل ملاحقة اليوان؟
عملية الهيكلة والتكيف تواجه بضغوط باتت محل شك الاوروبيين المتوجسين من سياسات واشنطن الاقتصادية، وقوانينها الاحتكارية كقانون خفض التضخم.
جدلية النفط والذهب والديون تتفاعل بقوة، دافعةً اليوان الصيني والذهب إلى الواجهة، متجاوزة خبرة التجارب السابقة بين 1967 و1974 بفعل تغيرات البيئة السياسية والدولية وأطرافها المتنافسة.
* * *
ضاعفت البنوك المركزية مشترياتها من الذهب بأكثر من أربعة أضعاف، مقارنة بالعام السابق 2021، مضيفة ما يقرب من 400 طن صافية في أيلول/سبتمبر الفائت إلى المخزونات الضخمة والمقدرة عالميا بـ36 ألفاً و782 طناً.
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ ارتفعت المشتريات بمقدار 30 طناً، لتضيف المزيد من الذهب الى خزائن البنوك المركزية، حيث تصدرت الصين المشهد بما يقارب 300 طن، تبعتها تركيا بمقدار 103 طن، بعد أن أضافت 9 أطنان إلى احتياطاتها المقدرة بـ500 طن في شهر أكتوبر الماضي.
في الآن ذاته؛ انضمت الإمارات الى سباق الذهب لتضيف 9 أطنان في أكتوبر، رافعة مشترياتها للعام 2022 الى 18 طناً، تضاف الى احتياطاتها المقدرة بـ74 طناً، مقتربة بذلك من الهند التي أضافت 18 طناً خلال العام الحالي، وطناً واحداً خلال أكتوبر الفائت.
السباق نحو الذهب تصاعد بعد اندلاع حرب أوكرانيا وجنون أسواق النفط والتضخم والفائدة المرتفعة على مديونية امريكية بلغت 30 ترليون دولار؛ سباق يعد الأول من نوعه منذ العام 1974، أي في أوج المفاوضات بين فيتنام وأمريكا بباريس، وبعد حرب أكتوبر – رمضان 1973، وبعد إعلان الدول العربية وقف تصدير الطاقة للدول الداعمة للكيان الإسرائيلي.
فالذهب استعاد مكانته التي فقدها بعد أزمة الدولار بين عامي 1967 و1974، والتي أفضت إلى فك الارتباط بين الذهب والدولار في حينها، وتعرض للتهديد بتوتر العلاقة مع الدول العربية النفطية في عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز.
العودة الى الذهب ورفع العديد من الدول مخزوناتها من اليوان الصيني إلى جانب الذهب؛ رفع نسبة تداول اليوان في الاسواق الى 8%، بعد ان كانت لا تتجاوز الـ4% بداية العام الحالي، فاليوان يتسلل من خلال متوالية هندسية متسارعة الى الأسواق المالية؛ ليتحول الى لاعب محتمل في سياسات الدول النقدية، مهدداً سلة العملات التقليدية.
ما كشفه مجلس الذهب العالمي حول الاقبال غير المسبوق للبنوك المركزية على الذهب؛ تزامن مع تأكيد دول مجموعة أوبك+ على تمسكها بالاتفاق المبرم في شهر أكتوبر بالمضي قدما بتخفيض الانتاج بمقدار مليوني برميل!
وذلك بعد أيام قليلة من اعلان دول مجموعة السبع الكبار تسعير النفط الروسي بمقدار 60 دولاراً، وتوقعات بوقف صادرات روسيا للدول الملتزمة بسقف الاسعار المقرر أوروبياً وأمريكياً، وهو إجراء تزامن مع ارتفاع واردات الصين اليومية من النفط الروسي بمقدار مليوني برميل في اليوم، من أصل 7 ملايين برميل تنتجها روسيا.
جدلية النفط والذهب والديون لم تختفِ، وهي تتفاعل بقوة، دافعةً العملة الصينية اليوان والذهب الى الواجهة، متجاوزة خبرة التجارب السابقة للأعوام 1967 و1974؛ بفعل تغيرات البيئة السياسية والدولية وأطرافها المتنافسة.
تحولات تتسارع في المنظومة المالية والنقدية الدولية لتضغط بقوة نحو عملية تكيف تكاد تكون مستحيلة للدولار دون التنازل لليوان.
فأمريكا وإن كانت تسعى مع حلفائها لإعادة هيكلة النظم المالية والنقدية الدولية، بالتعاون مع شركائها الأوروبيين، خصوصا فرنسا، بإشراف صندوق النقد الدولي بقيمة 100 مليار دولار؛ إلا ان عملية الهيكلة والتكيف تواجه بضغوط باتت محل شك الاوروبيين المتوجسين من سياسات واشنطن الاقتصادية، وقوانينها الاحتكارية التي تفرضها كقانون خفض التضخم، فضلا عن تراجع ثقة الدول النفطية ومقاومتها المستمرة، وعلى رأسها تجمع دول أوبك+.
جهود الدول للتكيف مع الضغوط التضخمية والمالية والنقدية الناجمة عن ثالوث الدولار والنفط والديون لا زالت متواصلة عبر الاداة الاكثر تحوطاً، وهي الذهب؛ إلا أنها تتحول بشكل تدريجي الى معول هدم يتهدد مكانة الدولار الامريكي الذي لا يزال يعاني من ضغوط تضخمية كبيرة، يفاقمها تراجع التصنيف الائتماني للديون الامريكية، مقابل متابعة اليوان تسلله عبر التوسع والنمو في الاسواق العالمية كعملة ورقية والكترونية.
ختاماً.. هل يقفز اليوان الصيني ليحتل المرتبة الثانية من حجم التداول العالمي بعد الدولار، متجاوزاً اليورو والين، والجنيه الاسترليني الذي يكافح للحفاظ على ترتيبه الرابع في ظل ملاحقة اليوان الصيني؟
وهل يقبل الدولار التحالف مع اليورو، أم يمضي قدماً بسياساته النقدية وقوانينه التضخمية مفاقماً أزمة القارة الاوروبية ومعاناتها؟ وهل تنجح التطمينات التي قدمها بايدن لماكرون في لقائهما الاخير في تهدئة المخاوف الأوروبية، أم تفاقمها؟ أسئلة تولد أسئلة؛ فالتفاعلات لم تنتهِ، فكل يوم يأتي بمفاجآت وبقرارات جديدة ولاعبين جدد.
*حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: