من خلال تلك الزغاريد أو تلك الآهات كان قضية فلسطين وآلام شعبها يرتفع عالياً في السماء.
آن أوان طرح الموضوع على أوسع نطاق، بموضوعية عقلانية، وروح عروبية جامعة لإقناع شباب الأمة بأن تكون الوحدة العربية على رأس شعاراتهم الثورية.
هل تستطيع هذه الأمة أن تحل مشاكلها السياسية والاقتصادية ومشاكل تخلفها العلمي والتكنولوجي خارج إطار نوع معقول من الوحدة؟
هل شعار وحدة الأمة شعار وجودي نهضوي ومفتاح لكل الحلول الأخرى، أم أنه حلم يقظة جميل بعيد المنال كما يدعي الأعداء والمتعبون؟
إذا كانت الدولة العربية القطرية المستقلة قد جربت لعقود الاعتماد على الذات وانتهت إلى كونها غير مستقلة ولا نامية ولا مندمجة في العصر.
إذا كانت الأنظمة السياسية العربية لا يهمها إلا البقاء في الحكم بعيداً عن الخطوات القومية الوحدوية، فما الذي يبقى من طريق لتسلكه هذه الأمة من أجل أن تخرج من تجزئتها وضعفها واستباحتها وتخلفها؟
* * *
بقلم: علي محمد فخرو
لم يكن مونديالاً كروياً فحسب وإنما كان أيضاً مونديالاً عروبياً قومياً شعبياً وحدوياً بامتياز. كانت الجماهير الشعبية الموحدة في ساحات مونديال قطر تهتف بصوت واحد، فرحاً وتهنئة وأملاً في المباريات القادمة وتضرعاً لله العلي القدير، لكل نجاح، من قبل أي فريق كروي عربي.
وكانت تلك الجماهير تعبر عن الحزن والمواساة والتشجيع وتجفيف الدموع لكل خسارة من قبل أي فريق كروي عربي.
ومن خلال تلك الزغاريد أو تلك الآهات كان موضوع احتلال فلسطين وآلام شعبها يرتفع عالياً في السماء، لكأن الجموع أرادت أن تقول بأن آمال وآلام الشعوب العربية في كل بقعة من أرض الوطن العربي هي نفس الآمال وذات الآلام، وأننا شعب واحد لأمة واحدة في وطن واحد.
قد يبدو أن ما رأيناه كان مظهراً رمزياً، يبرز في وقت محدد، إبان مناسبة مؤقتة، بعفوية لا ديمومة فيها. لكن الأمر غير ذلك، إذ أنه الدليل القاطع على أن الانتماء لهوية واحدة سيظل يتحرك كشلال هادر عندما تحين الفرصة، وذلك بالرغم من شكوك ومؤامرات أعداء تلك الهوية.
ذلك المشهد المونديالي الكروي يجب ألا يمر مرور الكرام بل يجب أن يعاود طرح سؤال مفصلي طرحته أجيال عربية عديدة عبر أكثر من قرن، وظل يمثل أملاً للملايين وبوصلة مستقبل لهذه الأمة، وعلى الأخص لشاباتها وشبابها الواعي الحاملين الجمر في أياديهم وللالتزام النضالي من أجل نهضة عربية شاملة في قلوبهم وعقولهم.
ذلك السؤال المفصلي هو: هل شعار وحدة الأمة شعار وجودي نهضوي ومفتاح لكل الحلول الأخرى، أم أنه حلم يقظة جميل بعيد المنال كما يدعي الأعداء والمتعبون؟
فإذا كانت الدولة العربية القطرية المستقلة قد جربت عبر عشرات السنين الاعتماد على الذات وانتهت إلى كونها غير مستقلة ولا نامية ولا مندمجة في العصر، وإذا كانت الأنظمة السياسية العربية لا يهمها إلا البقاء في الحكم بعيداً عن تعقيدات الخطوات القومية الوحدوية، فما الذي يبقى من طريق لتسلكه هذه الأمة من أجل أن تخرج من تجزئتها وضعفها واستباحتها وتخلفها؟
بل أكثر من ذلك: هل تستطيع هذه الأمة أن تحل مشاكلها السياسية والاقتصادية ومشاكل تخلفها العلمي والتكنولوجي خارج إطار نوع معقول من الوحدة؟
إذا كان الجواب بالنفي فهل آن الأوان إذن لعودة هذا الشعار ليتصدر المشهد السياسي النضالي الشعبي العربي كما كان في الخمسينيات من القرن الماضي وليقود النضال في سبيل تحقيق كل الشعارات الأخرى التي لن ترى النور إلا من خلال تحقق شعار الوحدة الوجودي؟
لعله من قبيل الصدفة الموضِّحة لما نقول أن تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعد يومين بعيدها الوطني: عيد وحدة أعضائها السبعة الذي قاد إلى أن تصبح إمارات صغيرة فقيرة هامشية، من خلال وحدتها، دولة يشار إليها من قبل العالم كمثال في الصعود الاقتصادي المذهل وفي إمكانياتها المتنامية إلى الدخول بقوة في عوالم المعرفة والتكنولوجيا، وفي لعب دور سياسي متنام.
إننا هنا أمام درس وحدوي يهز الواقع ويبشر بالكثير وتحتاج بقية الشعوب العربية أن تتعلم من كل جوانب تطوراته الإيجابية والسلبية.
هنا نحتاج أن نستذكر الأهمية الكبرى لوجود قيادة حكيمة شهمة عروبية تؤمن بالوحدة، كما كان الحال مع المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان أبرز المؤمنين بوحدة الإمارات التسع، وليس السبع فقط، وأكثر المتشبثين بقيام كيان سياسي واقتصادي واحد لها. اليوم هناك حاجة لوجود أمثاله من المؤمنين الصادقين بهوية العروبة الجامعة الموحدة ومن الذين يقلبون الأحلام إلى واقع.
هناك عدة مقترحات مطروحة في الساحة المدنية السياسية العربية بشأن هذا الموضوع سنبرزها في مقالات قادمة، إذ آن أوان طرح هذا الموضوع على نطاق واسع، وبموضوعية عقلانية، وروح عروبية جامعة لإقناع شباب وشابات الأمة بأن تكون الوحدة العربية على رأس كل الشعارات الثورية التي يطرحونها حالياً وفي المستقبل.
*د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر عربي من البحرين
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: