يستمد الاتحاد شرعيته من رصيده في التفاعل مع مختلف المتغيرات السياسية التي عاشتها البلاد، من خلال إحداث التوازن بين مطالب الطبقة الشغيلة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوخاها الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس.
يتميز الاتحاد العام التونسي للشغل بتركيبة هيكلية شديدة التنظيم والتماسك، ويملك قاعدة عمالية متينة تزيد على 800 ألف منخرط، وأكثر من 10 آلاف نقابة في الإدارات والمرافق العمومية، وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وهو قادر على التأثير في المشهد السياسي، من خلال التعبئة الشعبية وامتداده الجغرافي بأعماق الجمهورية التونسية.
يواجه الاتحاد العام التونسي للشغل امتحاناً صعباً يضعه بين مطرقة القبول بالإصلاحات الاقتصادية الموجعة، التي ستفرضها الحكومة، وسندان الحفاظ على تماسك قواعده ونقاباته في مواجهة شطط الأسعار وتآكل المقدرة الشرائية بسبب تلك الإصلاحات.
*****
اتحاد الشغل التونسي للشغل أكثر المنظمات تأثيراً في السياسات العمومية بالمجالين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد عبر تاريخها السياسي منذ الاستقلال إلى اليوم.
يستمد الاتحاد شرعيته من رصيده في التفاعل مع مختلف المتغيرات السياسية التي عاشتها البلاد، من خلال إحداث التوازن بين مطالب الطبقة الشغيلة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوخاها الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس.
بعد 2011 اضطلع اتحاد الشغل بدور ريادي في رسم ملامح المشهد السياسي، وبات إحدى ركائز الاستقرار ولعب دور الوسيط عندما تعرضت البلاد للاهتزاز، وتقدم بمبادرة للحوار الوطني سنة 2013، نال على إثرها بمعية بقية المنظمات الوطنية (اتحاد الصناعة والتجارة وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) جائزة نوبل للسلام عام 2014.
وعند انسداد قنوات التواصل بين مؤسسات الحكم في تونس (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية)، ما بين 2019 و2021، أي قبل لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، تقدم بمبادرة للحوار من أجل إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية ومن الانقسام والصراع على الحكم، إلا أنها لم تلق الآذان الصاغية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد.
يتميز الاتحاد العام التونسي للشغل بتركيبة هيكلية شديدة التنظيم والتماسك، ويملك قاعدة عمالية متينة تزيد على 800 ألف منخرط، وأكثر من 10 آلاف نقابة في الإدارات والمرافق العمومية، وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وهو قادر على التأثير في المشهد السياسي، من خلال التعبئة الشعبية وامتداده الجغرافي بأعماق الجمهورية التونسية.
وإزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واهتراء المقدرة الشرائية للتونسيين، علاوة على حال الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد، لوح الاتحاد بالنزول إلى الشارع، دفاعاً على حقوق المواطنين، وخصوصاً الأجراء منهم.
الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي وصف المرحلة التي تمر بها تونس بـ”الحرجة للغاية” بسبب “ارتفاع الأسعار وعدم قدرة المواطن على تحملها”.
وشدد الطبوبي، في افتتاح مؤتمر الجامعة العامة لعملة التربية، على أن المنظمة “مستعدة لكل المحطات المقبلة”، وأن “النقابيين مستعدون للخروج إلى الشارع حال تواصل المس بالمقدرة الشرائية، وفي ظل غياب العدالة الجبائية وبقاء الأجراء أكثر الفئات استهدافاً واستغلالاً في الجباية والظلم المسلط عليهم، بالتزامن مع “عدم قدرة الدولة على التصدي للتهرب الجبائي”.
كما أكد الطبوبي أن “الاتحاد لن يسمح بالمساس بالحريات وبحقوق الإنسان، وأنه لا مجال للعودة لتكميم الأفواه أو محاكمة الأفراد على مواقفهم أو آرائهم”.
استعادة الموقع
تجمع المواقف السياسية من تلويح أمين عام الاتحاد بالنزول إلى الشارع على قدرة المنظمة الشغيلة على التعبئة الجماهيرية، لكنها تعتبر أن الاتحاد الذي خسر مكانه خلال المرحلة السياسية التي تلت لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، يستجمع قواه من أجل استعادة المبادرة، ليلعب دوره الطبيعي في التوازن السياسي بالبلاد.
الكاتب الصحافي محمد صالح العبيدي يرى أن تصريح الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي يأتي في سياق “إثبات الوجود ومحاولة استعادة موقعه في المشهد السياسي، بعد أن تجاوز لحظة الإرباك التي تسببت فيها الأزمة الداخلية من الطعن في شرعية المؤتمر الأخير الذي خرج منه الاتحاد منتصراً قضائياً”.
وقال العبيدي، إن تصريح الطبوبي “موجه للاستهلاك الداخلي وللنقابات الأساسية، وهي مناورة تستبق التوقيع على الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2022”.
وأشار إلى أن المنظمة الشغيلة لها “القدرة على التعبئة الجماهيرية، والتعبئة السياسية وتحريك الشارع، والتأثير في المسار السياسي بعد أن شعرت أنها استبعدت من المسار السياسي، في سياق رفض الرئيس قيس سعيد التوصل مع الأحزاب والمنظمات الوطنية، على رغم ما أبدته من تأييد لإجراءات 25 يوليو (تموز) مشروط بالقرار التشاركي والحفاظ على الحقوق والحريات”.
ولا يتقاطع موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من مسار قيس سعيد، مع مواقف الأحزاب المعارضة لرئيس الجمهورية، لذلك تبنى خيار المساندة النقدية لإجراءات 25 يوليو 2021، إيماناً منه بحقيقة تردي الوضع السياسي في تونس خلال العشرية التي تلت 2011.
غير مؤثرة
الكاتب والأستاذ الجامعي المتخصص في الفلسفة ومنسق شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية صلاح الداودي اعتبر تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل “لا يدخل في باب تغيير موازين القوى السياسية، وإنما من أجل الضغط لفرض مقاربته الاجتماعية في الحوار مع الحكومة، حتى لا تكون الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المعمقة على حساب المواطن ومنظوري الاتحاد”.
وقال الداودي، إن “ما يتطلع إليه الاتحاد لا يختلف عن تطلعات التونسيين، وهي أن تكون الإصلاحات متدرجة ومدروسة وسليمة وفي توقيتها”، معتبراً أن هذه “الإصلاحات الجبائية ستكون متناسقة مع متطلبات المرحلة، وفي مصلحة التوازنات العامة للمالية العمومية”.
ووصف منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية تصريحات الطبوبي بـ”التحذيرية”، لافتاً إلى أن “المنظمة الشغيلة ستقبل بأغلب تلك الإصلاحات، وسترفض بعضها وهو أمر طبيعي”، مستبعداً أن تؤثر تلك التصريحات المهددة باستخدام الشارع في المسار السياسي الذي يواصل محطاته بتنظيم الانتخابات التشريعية منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022”.
النأي بالاتحاد عن السياسة
يعتبر التداخل بين النقابي والاجتماعي والسياسي خصوصية تونسية، يمثلها اتحاد الشغل في تعاطيه مع الشأن العام، مما أثار حفيظة بعض الفاعلين الجدد بالمشهد السياسي والداعين إلى النأي بالاتحاد عن الفعل السياسي، واكتفائه بالعمل النقابي.
ودعا سرحان الناصري رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” إلى تحييد المنظمة الشغيلة عن الصراعات السياسية وترك السياسة للأحزاب، حفاظاً على موقع الاتحاد في المشهد، كمنظمة نقابية اجتماعية تعمل على حصد المكاسب للأجراء وتدافع عن مصالحهم من دون أية شبهات سياسية”.
ويواجه الاتحاد العام التونسي للشغل امتحاناً صعباً يضعه بين مطرقة القبول بالإصلاحات الاقتصادية الموجعة، التي ستفرضها الحكومة، وسندان الحفاظ على تماسك قواعده ونقاباته في مواجهة شطط الأسعار وتآكل المقدرة الشرائية بسبب تلك الإصلاحات.
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: