أمريكا لإيران: إتفاق 2؛ إتفاق 3 ثم “النووي”!

الساعة 2529 نوفمبر 2022آخر تحديث :
أمريكا

تهديد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي لم يمر مرور الكرام. ردّت إيران بالإعلان عن بدء إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة في منشأة فوردو الاستراتيجية وتجهيز منشآتها النووية في نطنز وفوردو بأجهزة تخصيب من الجيل الجديد ترفع الجهد النووي عشرة أضعاف ما كان عليه في السابق.

الأمن القومي للولايات المتحدة يتطلب أن تواصل الدوائر السياسية في واشنطن الانخراط في آليات دبلوماسية لاحتواء القوة النووية الإيرانية، والحدّ منها من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية

****
بقلم: محمد صالح صدقيان

هذه الخطوة الإيرانية الغاضبة، وان كانت غير مفاجئة للجانب الغربي، إلا أنها وضعت الدول الغربية وإسرائيل امام الامر الواقع كرد عملي علی التصعيد الذي انتهجته هذه الدول في مجلس محافظي الوكالة الدولية بهدف ترحيل الملف الايراني إلى مجلس الامن الدولي وتفعيل آلية “سناب باك” بإعادة فرض العقوبات الأممية التي جُمدت بعد التوقيع علی الاتفاق النووي عام 2015.

بدورها، تراقب إيران هذا التوجه وتعرف مآلات الرغبة الأمريكية باستغلال الانشغال الاوروبي بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من أجل ممارسة الضغوط القصوی علی طهران ليس من اجل احياء الاتفاق النووي الذي أصبح بمتناول اليد وانما للدخول مع ايران في مفاوضات جديدة لانتاج الاتفاق رقم 2 للانسحاب من منطقة الشرق الاوسط والاتفاق رقم 3 لتفكيك القدرة العسكرية الاستراتيجية الإيرانية، علی حد تعبير المرشد الايراني آية الله علي خامنئي.

ادارة الرئيس جو بايدن تلعب لعبة التعقيد التفاوضي المركب للوصول الی اهدافها. حاورت طهران منذ بداية العام 2021 عبر الوسيط الاوروبي للوصول الی “حافة” الاتفاق بعد ازالة مشاكل عديدة تعترض احياء الاتفاق النووي، لكنها قررت فجأة أن تضعه علی الرف؛ في حين عملت علی الاحتفاظ بورقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (قضية المواقع “المُشتبه” بممارسة نشاطات نووية فيها) لتمارس الضغوط بتفعيل الية “سناب باك” في مجلس الامن الدولي.

ومن السذاجة بمكان تصور قبول الوكالة الدولية بالتفسيرات الايرانية أياً كانت مصداقيتها في اثبات خلو المواقع المشتبه بها من النشاطات النووية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي مع الجانب الأمريكي، كما قال ذات مرة مدير الوكالة الاسبق محمد البرادعي.

ويبدو أن الادارة الأمريكية تسير بهذا الاتجاه في اطار “وثيقة الامن القومي الأمريكي” التي اصدرتها مؤخرا إذْ وضعت الوثيقة التعامل مع التحدّيين الصيني والروسي في أولوية المهام والأجندة السياسية الخارجية للولايات المتحدة، باعتبارهما أهم التحديات العالمية في مواجهة الهيمنة الأمريكية. لكنها لم تُغفل التحديات الأصغر ومن ضمنها “التحديات الإقليمية” المهددة للهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة الخليجية.

وتعليقا علی هذه الوثيقة؛ يقول الدكتور ابراهيم متقي، وهو من الوجوه المرجعية الايرانية في تحليل السياسات الأمريكية، انها تحمل موقفاً استراتيجياً من إيران وروسيا والصين وأنّها تواجه مؤشرات أولية على تحديات جيوسياسية لهيمنة الولايات المتحدة العالمية، ومن أجل ذلك عليها تعزيز وتنمية مسار تكوين قوتها في مستقبل النظام العالمي على قاعدة التحالفات الإقليمية. وتُعتَبر إيران من بين أبرز التحدّيات التي تواجه الولايات المتحدة على الصعيد الإقليمي.

فيما تُعدُّ روسيا التحدّي الأبرز في الفضاء الأوراسي المليء بالتحديات. وتحتفظ الصين بمكانتها كأكبر التحديات في النطاق العالمي الأوسع. وتُشكّل هذه المجموعة، التحديات الرئيسة للأمن القومي الأمريكي حسب وثيقة الأمن القومي الأمريكية للعام 2022 التي تعتبر تحالف إيران الأمني ​​والاستراتيجي مع روسيا والصين تهديداً إقليمياً يُهدّد الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة الخليجية ويُحوّلها إلى قوة خطرة على مصالح الولايات المتحدة وأمنها الإقليمي؛ ويُعزّز هيمنتها على المحيط الإقليمي، في حين تتطلب الهيمنة الأمريكية ألا يحقق أي فاعل إقليمي جديد السيادة في المنطقة الخليجية.

وحسب الوثيقة الأمريكية، فان واشنطن تستخدم آليات بناء تحالف ضد إيران للتعامل مع هذا البلد خصوصا في ظل الاعتقاد الأمريكي بارتفاع مؤشرات القوة الإيرانية في مجالي الصواريخ والطائرات المسيرة، بشكل ملحوظ. وهذا يمكن أن يخلق أرضية لحروب إقليمية مزعزعة للاستقرار؛ لكن هذه الوثيقة تُشدّد ايضاً علی استخدام الاليات الدبلوماسية للحدّ من قوة طهران الإقليمية.

وعلى الرغم من وجود مؤشرات محدودة في وثيقة الأمن القومي تتعلق بقدرات إيران النووية، إلا أنّ الحقيقة، هي أنّ الدبلوماسية لا تزال تعتبر إحدى الأفكار الأمريكية لكبح نفوذ إيران. وتعني هذه القضية أنّ الأمن القومي للولايات المتحدة يتطلب أن تواصل الدوائر السياسية في واشنطن الانخراط في آليات دبلوماسية لاحتواء القوة النووية الإيرانية، والحدّ منها من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية.

واستناداً لهذا المسار تحاول واشنطن من خلال المفاوضات النووية جعل إيران توافق على الدخول في مفاوضات “ثانية” و”ثالثة” قبل الاتفاق علی احياء الاتفاق النووي “الاول” من اجل تأمين الامن الاقليمي بمقاسات الحفاظ علی مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، إلا أن إيران عارضت احياء الاتفاق النووي قبل التخلص من تبعات المشكلة مع الوكالة لدولية انما تحاول الابقاء علی “الاتفاق النووي” دون التطرق لاي ملف آخر، و”قد” تقبل بمناقشة قضايا اقليمية اخری لكن بالتاكيد ليس قبل احياء وتنفيذ الاتفاق النووي بكامل بنوده بما في ذلك جوانبه الاقتصادية.

*محمد صالح صدقيان أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

المصدر: 180 بوست

موضوعات تهمك:

المسيرات الإيرانية والتركية تغير جزءا من العالم

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة